المصدر: العربية.نت - طه عبد الناصر رمضان
مع استلامه زمام الأمور كرئيس للولايات المتحدة الأميركية خلال شهر آذار/مارس 1933، ورث فرانكلن روزفلت عن سلفه هربرت هوفر (Herbert Hoover) دولة عانت من ويلات الكساد العظيم. أثناء تلك الفترة، بلغت نسبة البطالة 25% حيث وجد الملايين أنفسهم بلا عمل وفقد جيل كامل من الشباب الأمل بالمستقبل وتشردوا بالطرقات واضطروا للتنقل بين المدن كالتائهين بحثاً عن عمل أو أي شيء يسد رمقهم.
روزفلت والبطالة
خلال خطابه الافتتاحي، وجّه فرانكلن روزفلت، الرئيس الـ32 بتاريخ البلاد، ناظره نحو فكرة ملهمة اعتمدتها ولايات ككاليفورنيا وبنسلفانيا للحد من نسبة البطالة، وتمثّلت بتوظيف مجموعة كبيرة من الشباب في مجال الحفاظ على الطبيعة. وعمل هؤلاء في مجال غراسة الأشجار ومكافحة حرائق الغابات وحافظوا على التربة وكافحوا ضد التصحر، فعُرفوا لدى كثيرين بـ"جيش الطبيعة".
وتحدّث فرانكلن روزفلت عن انتشار البطالة ودعا لخلق مواطن شغل عاجلة لأكبر عدد ممكن من الشباب، مؤكداً على إمكانية استيعابهم بأحد القطاعات الحكومية وتوفير أجور تساعدهم على قضاء حاجيات ولوازم عائلاتهم. وقد اتجه روزفلت حينها لتعميم الفكرة المعتمدة بكل من كاليفورنيا وبنسلفانيا، مؤكداً على وجود موارد طبيعية كبيرة بالبلاد وإمكانية استغلالها لمقارعة أزمة البطالة التي هددت مستقبل البلاد.
سلك الخدمة المدنية
يوم 31 آذار/مارس 1933، وقّع فرانكلن روزفلت قانون تخفيف البطالة الذي اتجه لانتداب الشبان غير المتزوجين والمتمتعين بصحة جيدة للالتحاق بسلك الخدمة المدنية (Civilian Conservation Corps) الملقب أيضا بـ"سي. سي. سي" (CCC). وفي الغالب، كان هؤلاء الشبان غير متعلمين وغير مؤهلين، فحصلوا شهريا على 30 دولاراً أرسلت 25 منها بشكل مباشر لعائلاتهم، بينما عاشوا هم داخل معسكرات ذات تقسيم عرقي وتدربوا على الطريقة العسكرية وتمتعوا بوجبات غذائية دسمة.
وفي أوج عطائه عام 1935، ضم سلك الخدمة المدنية نحو نصف مليون رجل توزعوا على 2600 معسكر بمختلف أرجاء البلاد. وبذلك، ساهم هذا البرنامج في انقاذ جيل كامل من الضياع وحافظ على العديد من الموارد الطبيعية. وهيّأ هذا السلك كثيرين للخدمة العسكرية، فعقب هجوم "بيرل هاربر" عام 1941 تطوع هؤلاء الشبان، الذين تلقوا تدريباً أشبه بالتدريب العسكري بالجيش الأميركي ودعموا جهود بلادهم بالحرب العالمية الثانية.
إنقاذ الطبيعة
من جهة ثانية، ساهم هؤلاء المنتدبون في إنقاذ الطبيعة بالولايات المتحدة الأميركية وتجنيبها العديد من الكوارث وتقليص مخاطر العديد منها، ولعل أبرزها "قصعة الغبار" منتصف الثلاثينيات. فما بين عامي 1933 و1942، عمد أفراد سلك الخدمة المدنية، الذين لقبهم كثيرون بـ"جيش أشجار روزفلت"، لغراسة أكثر من 3.5 مليار شجرة بكامل أرجاء البلاد، وهو الرقم الذي عادل أكثر من نصف الأشجار المغروسة بالولايات المتحدة الأميركية. كما لجأوا أيضا للتدخل بالغابات الكثيفة وأزالوا جانباً هاماً من الأشجار الميتة موفرين بذلك أماكن إضافية للغراسة.
وأثناء فترة عملهم التي استمرت لتسع سنوات، أنشأ المنتدبون العديد من الحدائق الوطنية والمحلية وهيأوا تلك الموجودة سابقاً عن طريق تشييد الطرقات والمسارات والمخيمات بها. كما تحدّثت مصادر تلك الفترة عن إنشاء سلك الخدمة المدنية لمنتزهين وطنيين أساسيين إضافةً لحوالي 711 منتزها محليا بكامل أرجاء البلاد.
ولمجابهة مخاطر الحرائق بالمنطقة، شيّد المنتدبون أكثر من 3000 برج مراقبة بالغابات وزوّدوا قسماً كبيراً منها بخطوط الهاتف وخزانات المياه، كما ساهموا في إخماد جانب كبير من الحرائق منقذين بذلك الطبيعة الأميركية بتدخلاتهم السريعة. وقد فارق نحو 47 فرداً منهم الحياة أثناء عمليات مجابهة ألسنة اللهب.