العربية.نت

ما بين عامي 1861 و1865، عاشت الولايات المتحدة الأميركية على وقع أهوال الحرب الأهلية التي اندلعت عقب انفصال عدد من الولايات الجنوبية عن الاتحاد. وصنفت هذه الحرب كأكثر نزاع دموي بتاريخ البلاد فأسفرت عن سقوط نحو 600 ألف قتيل وأحدثت تغييرات جذرية فحافظت على وحدة البلاد ووضعت حدا لنظام العبودية الذي كان سائدا على الأراضي الأميركية منذ قرون.

وأثناء تلك الفترة، لعبت العديد من العوامل دورا هاما في حسم النزاع لصالح الشماليين، فإضافة لخطوط التلغراف والسكك الحديدية والعبيد الأحرار، استعان الرئيس الجمهوري ومحرر العبيد أبراهام لنكولن بخريطة فريدة من نوعها احتوت على بيانات إحصائية حول أماكن تواجد العبيد بالجنوب.

وقد ميّزت هذه الخريطة، التي اعتمد واضعوها على تقنيات حديثة، بين المناطق حسب نسبة العبيد المتواجدين بها وهو ما قدّم معلومات هامة لأبراهام لنكولن الذي كان على دراية بدور العبيد في تحريك اقتصاد الجنوب.

من جهة ثانية، مثل مكتب مسح الساحل (Office of Coast Survey) إحدى أقدم المؤسسات العلمية الأميركية حيث ظهر الأخير عام 1807 بفضل الرئيس توماس جيفرسون (Thomas Jefferson) وأوكلت إليه مهمة إعداد الرسوم البيانية الرسمية للبلاد.

وعام 1861، كان لهذا المكتب دور هام في حسم الحرب لصالح الشماليين بفضل عدد هام من أعضائه، من أمثال ألكسندر دالاس باش (Alexander Dallas Bache)، المؤيدين لقضية أبراهام لنكولن حيث قدّم هؤلاء خرائط فريدة من نوعها ونادرة ساهمت في إقرار فرض حصار بحري من الرئيس يوم 16 نيسان/أبريل 1861 على المناطق الممتدة ما بين كارولاينا الجنوبية وتكساس.

وخلال شهر أيلول/سبتمبر 1861، طبع هنري غراهام (Henry S. Graham) خريطة أظهرت توزّع العبيد بالمناطق الجنوبية أعدّها في وقت سابق رسام الخرائط الألماني الأصل إدوين هرجسهايمر (Edwin Hergesheimer) اعتمادا على بيانات إحصاء السكان بالبلاد لعام 1860 الذي أشرف عليه الإحصائي الأميركي الشهير المؤيد للوحدة جوزيف كالم غريفيث كينيدي (Joseph Calm Griffith Kennedy).

من جهة ثانية، كان إدوين هرجسهايمر، معد الخريطة، مهاجرا ألمانيا حلّ بالولايات المتحدة الأميركية عقب فشل الثورة الليبرالية بالدويلات الألمانية عام 1848. وقد حلّ الأخير بالأراضي الأميركية عارضا خدماته وخبراته في مجال رسم الخرائط البيانية على مكتب مسح الساحل وأكّد، رفقة بقية زملائه الألمان، رغبته في خدمة القضية الشمالية مستغلا رفضه الشديد لنظام العبودية الذي عرف نهايته بمناطق عديدة من القارة الأوروبية.

في الأثناء، مثلت خريطة هرجسهايمر حول العبيد عاملا فريدا من نوعه حيث اعتبرت الأخيرة خريطة إحصائية مبكرة بتاريخ الأميركيين، أبرزت جانبا هاما من التوجهات السياسية والثقافية بالبلاد كما صنّفها البعض أيضا كأول خريطة أظهرت جغرافية توزع البشر بتاريخ الولايات المتحدة الأميركية. وقد جاءت خريطة هرجسهايمر، التي ركزت أساسا على الولايات الجنوبية والولايات الحدودية، لتمثل رابطا مرئيا واضحا بين قضية الإنفصاليين والعبودية. وأثناء وبعد الحرب الأهلية، استغل الشماليون هذه الخريطة ليؤكدوا على ضرورة إسقاط الكونفدرالية لإنهاء العبودية بالبلاد.

واستغل الرئيس أبراهام لنكولن هذه الخريطة في إعلان تحرير العبيد حيث راجعها مرات عديدة قبل إعلانه الشهير خلال أيلول/سبتمبر 1862 كما لجأ إليها أثناء مراقبة التقدم العسكري لجيش الاتحاد.

وخلال العام 1864، استقر الرسام الأميركي فرانسيس بكنيل كاربنتر (Francis Bicknell Carpenter) بالبيت الأبيض، بعد أن أوكلت إليه مهمة إعداد لوحة زيتية حول إعلان تحرير العبيد للنكولن.

وقد أكد كاربنتر اعتماد الرئيس على خريطة إحصاء العبيد كما قدّم لوحة أبرز من خلالها إعلان لنكولن تحرير العبيد لوزرائه داخل مكتبه وأضاف بالركن الأيمن أسفل الرسم صورة خريطة تمركز العبيد بالجنوب.