سكاي نيوز عربية
على طريق سقارة، وعلى مقربة من أهرامات الجيزة، ربما يتناهى إلى سمعك نباح كلاب أو مواء قطط، هذه الأصوات الآتية من بعيد لحيوانات تعيش بملاجئ، قرر أصحابها أن تكون في كنف حضارة قدست في مهدها الحيوانات، فكانت القطة باستيت معبودة للحنان والوداعة، والكلب أنوبيس إلها للتحنيط وحارسا للمقابر.
لم تعرف حنان زكي صاحبة أحد تلك الملاجئ، أن ليلة مأساوية ستنتهي بها إلى حدث كبير مؤثر في حياتها، فمنذ نحو خمس سنوات، التقت بثلاث سيدات على طريق سريع لإنقاذ كلب تعرض لحادث، حيث اتفقت السيدات الأربع على إنقاذ الكلب والتكفل بعلاجه، ومن هنا بدأت رحلتهن مع إنقاذ الحيوانات.
وتروي زكي قصتها لموقع "سكاي نيوز عربية" قائلة: "بدأت الحكاية مع مجموعات الرفق بالحيوان على موقع فيسبوك، وكان من ضمن أنشطة هذه المجموعات تسهيل التواصل لإنقاذ الحيوانات التي تتعرض لحوادث، ومن هنا التقيت بثلاثة فتيات على طريق المحور لإنقاذ كلب تعرض لحادث".
وأضافت: "ذهبنا بالكلب إلى مستشفى في مدينة الشيخ زايد، وبعد خضوعه لعملية جراحية، ظهرت العقبة أمامنا، أين سيعيش الكلب بعد هذه العملية الخطيرة"؟
وتابعت قائلة: "من هنا قررنا إنشاء ملجأ صغير، نضع فيه الحالات التي نقوم بإنقاذها، وكانت البداية 20 كلبا، والآن وبعد أربع سنوات ونصف تجاوز العدد 500 كلب".
وبلغ العمل في الملجأ ذروته مع جائحة كورونا، بعدما تخلى عدد كبير من ملاك الحيوانات عنها، خوفا من نقلها للفيروس.
وتشير زكي إلى أن القسم الأكبر من تكاليف رعاية الحيوانات يأتي عن طريق التبرعات، مضيفة: "إننا جمعية أهلية مرخصة من الدولة تحت اسم (فرصة حياة)، لكن في النهاية يحدث عجز في الموارد، ونقوم نحن بتحمله كأعضاء بالجمعية".
معاناة مستمرة
وتدير زكي برفقة عدد من زملائها الملجأ الذي يتكفل برعاية وعلاج الحيوانات، خاصة تلك التي تتعرض للمعاناة في الشوارع، سواء من حوادث الطرق أو العنف الذي يفضي بها أحيانًا إلى الموت.
وتعرض الكلاب للتبني عبر وسائل التواصل الاجتماعي وموقع إلكتروني للملجأ، حيث توضح زكي "لدينا أكثر من 500 كلب ساعدنا في سفرهم إلى كندا وألمانيا وأميركا وبريطانيا".
وتسترسل قائلة: "المواطنون الغربيون الأكثر طلبا لتبني الكلاب، والأعجب من ذلك أنهم يطلبون (الكلاب البلدي) على وجه التحديد، أما ألمانيا فتتميز بتبني الحيوانات التي تعاني من إعاقات مثل العمى والبتر، إذ يقدمون لها رعاية طبية فائقة".
10 ملاجئ
وإلى جانب زكي، هناك ناشطة أخرى في مجال الرفق بالحيوان، هي بلقيس رضوان، لديها ملجأ أيضا في ذات المنطقة، تحكي عن نشاطها في المساعدة لسفر الحيوانات للتبني في الخارج، فتقول إنها تتواصل مع أفراد مهتمين بإنقاذ الحيوانات في أوروبا وأميركا عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، لافتة إلى أنها ساعدت في سفر نحو ثلاثة آلاف حيوان للتبني، فهي لا تهتم بإنقاذ الكلاب فقط، لكن الملجأ الخاص بها يضم القطط أيضا، والغريب أنها تستضيف نسانيس، حيث أنها صادفت وجودهم في أحد محلات العصائر بمنطقة مصر الجديدة، ولاحظت تعرضهم لأذى المارة فقررت تبنيهم.
وفي حديثها لموقع "سكاي نيوز عربية"، تعود بقليس رضوان بالذاكرة إلى بداية اهتمامها بإنقاذ الحيوانات، فتقول: "بدأ اهتمامي بالحيوانات منذ حوالي 13 عاما، عندما وجدت قطة في الشارع، وقررت تبنيها".
وعن الموقف الذي جعلها تخوض هذا المجال، أوضحت بلقيس: "عندما مرضت قطتي الأولى، ذهبت بها إلى المستشفى، وفوجئت برفض علاجها بحجة أنها قطة بلدي. بعد هذا الموقف قررت تبني أكبر عدد من قطط الشارع، إلا أن المنزل الخاص لم يتسع لعدد القطط المتزايد، فقمت باستئجار وحدة سكنية خاصة، لكن الجيران لم يحتملوا الوضع، حتى قمت في النهاية باستئجار أرض على طريق سقارة منذ ست سنوات، لتصبح الملجأ الخاص"، لافتة إلى أن هذه المنطقة يوجد بها ما لا يقل عن 10 ملاجئ للحيوانات.
حفل موسيقي
ولم يتوقف الأمر عند سفر الكلاب للتبني في الخارج، لكن العادات الجديدة على المجتمع المصري امتدت إلى تنظيم أول حفل موسيقي للكلاب في مصر وربما في الشرق الأوسط.
ويكشف أحمد إمبابي مدير الملجأ الخاص بجمعية "فرصة حياة"، كواليس الحفل فيقول: أنا عازف موسيقى بالأساس، واعتدت العزف لكلابي في البيت. الرسالة من وراء الحفل هي أن للكلاب الحق في الاستماع إلى الموسيقى مثلنا تماما، إضافة إلى أن من ضمن أسباب قراري بتنظيم الحفل، هو نفوق (فلويد) وهو أول كلب قمت بتربيته، لذلك كان عنوان الحفلة (فلويد ميوزيك فيستيفال)".
وبيّن إمبابي: "عندما بدأت الحفلة الموسيقية، فوجئنا بالسعادة التي ظهرت على الكلاب، فلم يحدث أي عراك، برغم أن عدد الكلاب تجاوز الـ500 جميعها من أنواع مختلفة، إلى جانب أن الكلاب كانت تلعب مع العمال. وعند نهاية الحفلة دخلت الكلاب بهدوء إلى أماكنها دون أي عناء، على عكس المعتاد".
وفيما يتعلق بالرعاية والخدمات التي يقدمها الملجأ يقول إمبابي: "نستقبل يوميا في المتوسط من 3 إلى 4 كلاب، كما نقوم بعملية تعقيم للحيوانات وعلاجها بشكل مجاني. هناك طبيب متعاون يأتي إلى الملجأ 3 مرات في الأسبوع، ويقوم رئيس العمال بتقديم العلاجات التي يوصي بها الطبيب".
متطوعو المحافظات
غادة أحمد، مهندسة مدنية، تعيش بمحافظة المنيا، وتنشط في مجال إنقاذ الحيوانات، تقول إنها "بدأت تربية القطط منذ 11 عاما، ومنذ عامين قمت بتربية كلب، إلا أن المعاناة بدأت مع تعرض القطط للأذى، وهنا بدأت أبحث في مجموعات إنقاذ الحيوانات بموقع فيسبوك حتى أقوم بعرضها للتبني في الخارج".
وتوضح غادة لموقع "سكاي نيوز عربية" أن هناك عددا كبيرا من المتطوعين في المحافظات المختلفة، مشيرة إلى أن موقع فيسبوك ملتقى تجمع منقذي الحيوانات، ومن خلاله يتم التواصل مع الملاجئ في القاهرة، لكنها تلفت إلى تعرضها لعدد من المضايقات، أبرزها منع نقل الحيوانات في القطارات، وهو ما يضطرهم لتحمل تكلفة كبيرة في استئجار سيارات خاصة.
وتلفت أيضا إلى إجراءات كثيرة يتطلبها سفر الحيوانات إلى الخارج، منها تطعيمات السعار، وإجراء عدد من التحاليل الأخرى، إضافة إلى التكاليف المادية، حيث يتكلف سفر الكلب الواحد حوالي 12 ألف جنيه مصري.
ورغم هذه الظروف الصعبة توضح زكي أنه "هناك تحسن نسبي في تفهم المجتمع لمفهوم الرفق بالحيوان خاصة لدى السلطات، مشيرة إلى أنها قامت مؤخرا بمقاضاة شخص قام بقتل كلب بلدي صغير في منطقة العجوزة وسط القاهرة، بعدما انتشر له فيديو الاعتداء على الكلب بمواقع التواصل الاجتماعي.
وحاولت زكي إنقاذ الكلب عندما شاهدت الفيديو، لكنه مات بعد 3 أيام، وهنا كان قرارها بتحرير محضر رسمي حظي باهتمام السلطات، وسارت إجراءات التقاضي وسط اهتمام من السلطات لتصدر المحكمة في النهاية حكمها بحبس هذا الشخص ستة أشهر.
إلى ذلك، لم يتوقف الجدل في مصر عن الكلاب السائبة، أو الكلاب الضالة كما يطلق عليها، خاصة أن تصريحات لوزير الزراعة المصري، عز الدين أبو ستيت، قدرت عدد الكلاب السائبة في مصر بنحو 16 مليونا، لكن مع تزايد ثقافة احتضان الكلاب في ملاجئ قد يكون هناك حل سحري لا ينقصه سوى دعم حكومي ومجتمعي أكثر فاعلية وتأثيرا.