وكالات
نشرت مجلة "تايم" الأمريكية تقريرا سلطت فيه الضوء على تاريخ أفراد العائلة الملكية الملونين، الذين واجهوا تحديات ومصاعب تعكس ما تمر به ميغان ميركل اليوم.

وأشارت المجلة، في التقرير، إلى المقابلة المتلفزة مع ميغان ميركل والأمير هاري هذا الأسبوع، تحدث خلالها الزوجان عن الطريقة التي عوملا بها من قبل العائلة المالكة، واستهداف وسائل الإعلام العنصرية المتزايد لميغان بعد زفافهما في 2018.

وقد مسّت تصريحات ميغان بشأن آلية عمل "المؤسسة" الملكية وعنصرية الصحفيين ضد الدوقة مشاعر المؤلفة والمؤرخة بريا أتوال، التي تختص أبحاثها في سياسة الإمبراطوريات والنظم الملكية والثقافة عبر بريطانيا وجنوب آسيا.

في السابع من آذار/ مارس، قبيل يوم بث المقابلة، نشرت أتوال سلسلة تغريدات على تويتر تفصّل تجارب الأشخاص الملونين الآخرين في تاريخ الإمبراطورية البريطانية، الذين أصبحوا "أبناء" الملكة فيكتوريا بالتبني خلال خمسينيات وستينيات القرن التاسع عشر، مشيرة إلى أوجه التشابه بين الطريقة التي عوملوا بها من قبل "المؤسسة" والصحافة، وما تواجهه ميغان حاليّا. وسرعان ما لقيت التغريدات صدى واسعا بنحو فاجأ أتوال للغاية.

رغم اختلاف الظروف، ترى أتوال أن أوجه التماثل تظهر مدى ضآلة التغيير داخل آلية عمل النظام الملكي، حيث "ما زالت ثقافة العائلة الملكية والسبل التي تتخذها المؤسسة لحماية صورتها تطرح إشكاليات كبيرة اليوم؛ فهي تحاول استيعاب الأفراد من غير البيض ثقافيا؛ لأنها لا تهتم بهم بالدرجة نفسها من الأهمية التي توليها إلى النظام الملكي، وإذا تم تهديد مصالح الحكم الملكي، فلا أهمية تذكر للأضرار الجانبية التي تحدث لحياة هؤلاء الأشخاص".

أبناء الملكة فيكتوريا بالتبني

في منتصف القرن التاسع عشر، شهدت الإمبراطورية والنظام الملكي البريطاني تحولا متسارعا. فقد كانت الإمبراطورية تتوسع بشكل كبير في جميع أنحاء العالم، مع انتقال السيطرة على الهند إلى الحكم المباشر للتاج البريطاني بدءا من عام 1858، ونهب شبكات التجارة في آسيا وأفريقيا موارد الدول الطبيعية.

بدءا من سارة فوربس بونيتا - التي ولدت في غرب أفريقيا واحتجزت في الأسر لمدة عامين قبل تقديمها كـ"هدية" في عام 1850 إلى قبطان بحري بريطاني، يعمل لدى الملكة فيكتوريا - تبنّت الملكة بشكل غير رسمي عدة أطفال ليكونوا أبناءها بالمعمودية من مختلف أنحاء إمبراطوريتها الشاسعة. تقول أتوال؛ إن فيكتوريا اهتمت شخصيا بكل هؤلاء الأطفال، إلا أنهم كثيرا ما استُخدموا كمجرد أدوات دعائية.

وكان بينهم الأميرة غوراما الهندية، التي سافرت مع والدها إلى إنجلترا في عام 1852 في سن الحادية عشرة، بعد أن تم نفيهم وعزلهم من الحكم في جنوب غرب الهند من قبل البريطانيين. أصبحت غوراما أول فتاة هندية من أصل ملكي تعتنق المسيحية، واتخذت اسم فيكتوريا في حفل معموديتها، حينما أصبحت الملكة عرابتها. كانت غوراما ملازمة للعائلة المالكة، ودائما ما كانت تظهر بملابس ومجوهرات راقية باعتبارها أميرة فخرية، لكن حياتها كانت تحت سيطرة فيكتوريا.

حسب أتوال: "لم تسمح فيكتوريا لغوراما برؤية والدها مرة أخرى، وبعد مرور فترة، فقدت غوراما قدرتها على التحدث بلغتها الأم الهندية. إنه أمر قاسٍ حقّا. إن العدسة التي تستخدم لرؤية غوراما مظللة بالعقلية الاستعمارية، حيث وجب التأكد من أن تصرفاتها تتناسب مع الصورة التي تحمي العائلة المالكة". حاولت غوراما الفرار عدة مرات عندما كانت مراهقة؛ لأنها لطالما شعرت بأن الجميع يسيء فهمها، على غرار ما تشعر به ميغان في العصر الحديث.

قالت المجلة؛ إن الملكة فيكتوريا حاولت دون جدوى تزويج غوراما بأحد "أبنائها" المقربين الآخرين؛ المهراجا دوليب سينغ، الذي اعتنق المسيحية واستقر في المملكة المتحدة في 1854 عن عمر يناهز 16 عاما، بعد تجريده من لقبه في بنجاب، شمال الهند. أصبحت الملكة عرابة لأطفال دوليب سينغ، بما في ذلك صوفيا دوليب سينغ، التي أصبحت فيما بعد منادية بمنح المرأة حق الاقتراع.

في ستينيات القرن التاسع عشر، أصبحت فيكتوريا عرابة لطفلين آخرين: الأمير ألامايو ابن إمبراطور الحبشة، وألبرت فيكتور بوماري الذي ولد في إنجلترا في سنة 1863 خلال زيارة مجموعة من الماوريين كجزء من رحلة نظمها كاهن ويسليان. عاش الأطفال مع عائلات أخرى أو "قائمين على رعايتهم" - بما في ذلك أفراد الطبقة المتوسطة العليا التي تبنت غوراما، وعائلة قبطان البحرية التي تبنت سارة فوربس بونيتا، وضابط بالجيش الذي تبنى ألامايو.

وأشارت المجلة إلى أن فيكتوريا أيضا أدت دورا مهما في توجيه تعليمهم وسلوكهم وتدريبهم. تقول أتوال؛ إن "فكتوريا كانت متعاطفة معهم، فقد كانت تعدّهم من أقاربها المسيحيين الذين ينتمون إلى العائلة المالكة".

السيطرة على صورة العائلة المالكة

ذكرت أتوال أن السبب الذي جعل فيكتوريا تتبنى هؤلاء الأطفال، يعزى إلى حد ما إلى سعي العائلة المالكة البريطانية تقديم صورة جديدة عن نفسها، ليس داخل المجتمع البريطاني فحسب، وإنما في كامل الإمبراطورية عموما. خلال العصر الفيكتوري، باتت العائلة المالكة تواجه الجمهور ووطدت علاقتها مع وسائل الإعلام، جنبا إلى جنب مع تطوّر التصوير الفوتوغرافي ووسائل الإعلام المطبوعة.

وذكرت المجلة أن مفهوم ألبوم صور العائلة المالكة، ظهر مع الملكة فيكتوريا والأمير ألبرت في وقت كان فيه التصوير أكثر تقدما من الناحية التقنية؛ وقد التقطت العديد من الصور لفكتوريا وغوراما وسارة فوربس بونيتا اللواتي كبقية الأطفال المتبنين، كانوا يُعدون إلى حد ما جزءا من العائلة الملكية.

ساهمت هذه الألبومات في نحت الصورة العامة للنظام الملكي، وبمرور الوقت، أصبح وضع النظام الملكي أكثر اعتمادا على الرأي العام، وكان هناك حاجة لتسويق تلك الألبومات من أجل الحفاظ على صورة العائلة المالكة بشكل عام. وتوضح أتوال أن "كل شيء يجب أن يصب في صالح النظام الملكي والعرش والعائلة المالكة البريطانية. لقد كان هذا موضوعا ثابتا عبر التاريخ، وخاصة التاريخ الحديث".

في تلك الحقبة، كانت الصحافة المطبوعة تقف بالمرصاد لهؤلاء الأبناء في حال أرادوا التخلي عن مكانتهم، أو بدرت عنهم تصرفات من شأنها أن تمس من تلك الصورة النموذجية للعائلة المالكة. بحلول سبعينيات القرن التاسع عشر، كانت الموارد المالية لدوليب سينغ تتضاءل بعد سنوات من عيش حياة البذخ، وأدى غضبه المتزايد من ضم البنجاب إلى تآمره من أجل التمرد على الحكم البريطاني.

تقول أتوال، التي تبحث حاليا في حياة دوليب سينغ: "عندما تم نشر ذلك في الصحافة، حدثت ضجة هائلة في صفوف الرأي العام وانهالت عليه وسائل الإعلام البريطانية بالانتقادات التي تهدف إلى تشويه سمعته". كما ظهرت رسوم كاريكاتورية للسخرية منه في الصحافة، من بينها التشبيهات التي تنشرها الدعاية الاستعمارية لتصويره في صورة سلبية.

وتؤكد أتوال أن تاريخ العنصرية والتشبيهات التي طبقت أيضا على ميغان تعود جذورها إلى تلك الفترة، وقد ترسخت وتفاقمت مع تطور وسائل الإعلام اليوم، وتضخمت التشبيهات نفسها والتعليقات العنصرية فيما بعد على مواقع التواصل الاجتماعي. وتوضح أتوال أننا "في كثير من النواحي، مازلنا نتعامل مع المشاكل القديمة نفسها، التي تراكمت بشكل كبير، بسبب الطريقة التي تطور بها المشهد الإعلامي".

وأشارت المجلة إلى أن الصحافة الشعبية تطورت لتصبح عنصرا أساسيا في المجتمع البريطاني على مدار القرن العشرين، وشاركت في العديد من الفضائح والمآسي في العقود الأخيرة، بما في ذلك تورط المصورين في مطاردة السيارات التي قتلت الأميرة ديانا في نهاية سنة 1997، وفضيحة القرصنة الهاتفية، حيث تبين أن العديد من الصحفيين البارزين تورطوا في اختراق هواتف بعض الأشخاص للحصول على معلومات، بما في ذلك هواتف أفراد من العائلة المالكة.