أيام عصيبة قضاها زعيم تنظيم البوليساريو الانفصالي، إبراهيم غالي، في إحدى مصحات إسبانيا، حيث تسبب وجوده هناك بواحدة من أخطر الأزمات الدبلوماسية بين مدريد والرباط.
وكان غالي يتوقع بين لحظة وأخرى أن يتم اعتقاله في إسبانيا.
ومنذ أن دخل غالي إلى الأراضي الإسبانية، حاملا جواز سفر مزور، وبهوية غير حقيقية، ثار الجدل حول الأصول الحقيقية للزعيم الانفصالي، والأسباب التي جعلته يقبل أن يتم تهريبه إلى هناك بتلك الطريقة.
سوء طالع هو ذاك الذي لا يزال يطارد غالي، فالرجل الذي يقود تنظيما انفصاليا يستهدف إلحاق الضرر بالوحدة الترابية للمغرب، وبمجرد مغادرته إسبانيا خلال الأسبوع الماضي، تحرك القضاء الإسباني مجدد المتابعته، وذلك بعد مثوله أمامه على خلفية تهم موجهة إليه منذ العام 2008، تتعلق بجرائم تعذيب واغتصاب.
وبحسب ما نقلته مصادر إسبانية لموقع "سكاي نيوز عربية"، فإن الزعيم الانفصالي "عاش أياما رهيبة منذ أن اكتشف المغرب دخوله الأراضي الإسبانية بهوية مزورة، وما تلا ذلك من مواقف تصعيدية اتخذتها الرباط، احتجاجا على الإسبان".
وأكدت المصادر أن "بلوغ المشكلة حدودها القصوى، وتواتر الحديث عن وساطة فرنسية، وضع غالي خلال أيام طوال في وضع لا يحسد عليه"، مضيفة أنه "كان متوجسا طيلة مكوثه في المستشفى القريب من إقليم الباسك، حيث يوجد عدد من أنصار تنظيمه الانفصالي، وكان يتوقع أن يحال على القضاء في أي لحظة ويقضي سنوات طوال من عمره في السجون الإسبانية، إذا حدثت أي تسوية".
ونقلت المصادر ذاتها أن غالي "لطالما عبر في اتصالات هاتفية كان يجريها بين الفينة والأخرى مع بعض مقربيه من نشطاء جبهة بوليساريو في إقليم الباسك، عن مخاوفه من أن تمر التسوية المغربية الإسبانية على حسابه، خصوصا حينما تتأخر عنه اتصالات حلفائه الذين دبروا عملية إدخاله إلى إسبانيا بهوية مزورة".
وكان الزعيم الانفصالي، إبراهيم غالي، قد دخل إسبانيا حاملا جواز سفر مزور، لتكون هي المرة السادسة التي يدخل فيها الجارة الشمالية، بحسب صحف إسبانية، وذلك بعدما أصبحت حالته الصحية حرجة جراء إصابته بوباء كورونا، ليحل بمستشفى سان بيدرو في مدينة لوغرونيو، عاصمة منطقة لاريوخا الزراعية، شمال إسبانيا.
وقد اختار غالي العلاج في المستشفى الإسباني العمومي، بحسب ما نقلته عنه ذات المصادر، بسبب قربه من المطار، وكذلك قربه من منطقة الباسك، حيث ينتشر معظم أنصاره في إسبانيا، بالرغم من أن الإدارة الصارمة للمستشفى كانت قد منعت عنه الزيارات، موازاة مع الحراسة الأمنية الإسبانية المشددة.
وفيما تداول نشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي صورة مسربة لجواز السفر المزور الذي دخل به إبراهيم غالي إلى إسبانيا، طغى الجدل بين المتتبعين حول اسم "محمد ابن بطوش" الذي تم إطلاقه على غالي في جواز السفر المزور، والذي تم إرفاقه بصورة لغالي بدا فيها وقد حلق شاربه وقام بصبغ شعر رأسه.
والتزوير الذي اعتبرته مصادر مطلعة، لموقع "سكاي نيوز عربية"، محاولة لتضليل المخابرات المغربية، وسط تواطؤ من الإسبان، أماط اللثام أيضا عن اسم "ابن بطوش" الذي استخدمه غالي مررا كاسم حركي في تنقلاته، التي كان يحيطها بالسرية، قبل أن تنكشف الهوية المزورة التي كان يحملها معه حينما يسافر إلى أي دولة يقصدها.
وفيما تعتمد بوليساريو نماذج خاصة بها لبطاقات الهوية، وجوازات سفر، فإن تلك الوثائق لا يمكن اعتمادها في أي دولة، بسبب عدم اعتراف الأمم المتحدة بدولة بوليساريو الوهمية، ما يجعل تلك الوثائق تستخدم فقط إعلاميا، لتبقى الحاجة قائمة إلى الهويات المزورة كلما أراد أحد قياديي بوليساريو السفر دخول دولة معينة.
وتزوير غالي لهويته من أجل دخول إسبانيا، دفع محللين ومتتبعين إلى التساؤل عن هويته الحقيقية، خصوصا وأن لقب غالي، الذي يحمله الزعيم الانفصالي، هو الآخر "ليس سوى لقب لا علاقة له بانتمائه العائلي"، بحسب مصادر مقربة من منطقة انتماء غالي، في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية".
وغالي المولود في عام 1949، بالأقاليم الجنوبية للمغرب، والذي تولى قيادة البوليساريو منذ عام 2016، عقب وفاة سلفه عبد العزيز المراكشي، ينتمي إلى قبيلة الركيبات، إحدى أهم قبائل بني حسان، الذين هاجروا إلى المغرب من الجزيرة العربية، قبل قرون طويلة، وينتهي نسبهم الأكبر إلى "سيدي عبد السلام بن مشيش"، أحد أشهر أقطاب التصوف بالعالم الإسلامي، والذي يوجد ضريحه قرب مدينة العرائش، شمال المغرب، وينتهي نسبه إلى المولى إدريس الأكبر، مؤسس الدولة الإدريسية بالمغرب الأقصى.
وبحسب مصادر من المحيط القبلي والعائلي للانفصالي غالي، فإن تسميته إبراهيم، جاءت على اسم جده، المولود في "الكنتور"، التي تتوسط قبيلة الرحامنة، إحدى أكبر القبائل التي هاجرت من الجزيرة العربية، واستقرت بالصحراء المغربية، وبوسط المغرب، قرب مراكش، فيما وُلد أبوه "محمد" ومعظم أبناء عمومته في المنطقة ذاتها.
وأضافت المصادر أن "غالي ظل يتردد على مسقط رأس والده وجده لمدة طويلة، قبل عام 1975، قبل أن يتحول إلى مرتزق متنكر لأصله ووطنه"، مشيرة إلى أنه "ابن ركيبات الساحل، من فرع ولاد الشيخ، المعروفون بأنسابهم في قبيلة الرحامنة شمال مراكش، بالقرب من قبيلة ولاد دليم، المغربية الحسانية المعروفة، ولديهم أولياء صالحون راقدون هناك، يترددون عليهم، ولم تنقطع صلاتهم ببعضهم يوما بين مختلف مناطق المغرب".