يصادف اليوم الأحد ذكرى استقلال ما سيعرف لاحقا بالولايات المتحدة الأمريكية عن بريطانيا؛ قبل ما يقرب من قرنين ونصف القرن من الزمن.

فقبل 245 عاما من الآن، اتخذت 13 ولاية أمريكية قرارها بالاستقلال عن الإمبراطورية البريطانية، لتفتح بذلك الباب؛ أمام قيام الولايات المتحدة؛ لكن خطوات وإرهاصات ذلك، كانت وئيدة، وضريبة انتقال المستعمرات الثلاث عشر كانت ثقيلة على الأمريكيّين حينها.

فلم يكن لسكان هذه الولايات قبل أن ينتفض "رجال الاستقلال" سوى الاحتفال بعيد ميلاد ملك بريطانيا العظمى، بقرع الأجراس والألعاب النارية، وتسيير والمواكب الاحتفالية، وإلقاء الخطب العصماء.

فمنذ دخلت بريطانيا أرض أمريكا البكر بدءا من 1606، ظل الأمريكيون المستعمرون في حالة خضوع تام للإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس، لشساعة المستعمرات التابعة لها.

بيد أن الخنوع الدائم لم يكن قدَر المستعمرات الأمريكية الأبدي، فبدأت أولى إرهاصات البحث عن الحرية بالتئام الولايات المتفرقة في اتحاد كونغرسي عام 1754.

الكونغرس الوليد الذي تأسس رغما عن الإمبراطورية، وفي ظل معارضتها الشنيعة، شكّل إطارا لمطالبة أعضائه بمزيد من الحقوق تحت قبضة المستعمر، إلى أن أعلن الاستقلال عن بريطانيا العظمى، عام 1776، لتنمو بذرة أمة جديدة ستسمى لاحقا الولايات المتحدة.

في الثاني من يوليو صوت الكونغرس المذكور على إعلان استقلال الولايات الثلاث عشر عن بريطانيا بعد عام من حرب لن تنتهي قبل ثماني سنوات، لكنها فتحت أعين الأمريكيّين حينها على إمكان التحرر من نير المستعمِر.

لم يكن للأمريكيّين أن يخرجوا في احتجاجات ما قبل الاستقلال منددين بالمستعمر سوى بإرادة لا تلين، من رجال كان لهم دور ملموس في كتابة تاريخ الولايات المتحدة، ويطلق عليهم في أدبيات تاريخ هذا البلد "الآباء المؤسسون".

ففي 7 يونيو / حزيران 1776، كسر عضو مجلس نواب فرجينيا ريتشارد هنري لي، تابوه التبعية لبريطانيا، باقتراح الاستقلال على الكونغرس، أثناء اجتماعه بفيلادلفيا، فألقى حجرا في يمّ نقاش حاد انتهى بإقرار تصويت حول إعلان الاستقلال خلال أسابيع فقط.

وبدأت فورا الخطوات العملية لنيل الاستقلال، فلم ينته الاجتماع آنف الذكر حتى كٌلف أعضاء الكونغرس لجنة من أعضائه تضم توماس جيفرسون من ولاية فرجينيا وجون أدامز من ماساتشوستس وروجي شيرمان من كونيتيكت وبنجامين فرانكلين عن ولاية بنسلفانيا وروبرت ليفنغستون، ممثلا لولاية نيويورك بشرف إعداد وثيقة الاستقلال.

ويرتبط هذا الاستقلال عاطفيا بتوماس جيفرسون؛ الذي سيصبح لاحقا رئيسا للولايات المتحدة، على غرار زميله في اللجنة بنجامين فرانكلين ؛ إذ لعبت بلاغة توماس دورا مشهودا، في إعداد وثيقة الاستقلال التي كتبها بيده؛ معتمدا لغة ملهبة لحماس الأمريكيّين حتى الساعة، أهّله أيضا لكتابة بيان حقوق الأمريكيين عام 1774.

ولم يكتمل شهر على عمل اللجنة حتى انعقد كونغرس الولايات؛ وصوّتت 12 من المستعمرات الثلاث عشرة على اعتماد وثيقة الاستقلال في الأول من يوليو من نفس العام، وفي الرابع من الشهر ذاته اعتمد الكونغرس وثيقة الاستقلال رسميا، ووقّع عليها في الثاني من الشهر الموالي.

قابلت بريطانيا الخطوة الجريئة برفض قاطع، ورفضت إعلان الاستقلال من جانب واحد؛ ودخلت مع المستعمرات الأمريكية المتمردة في حرب دامت سنوات؛ دخلت فيها كل من فرنسا وإسبانيا وهولندا على الخط؛ لتنتهي بانتصار المستعمَر على محتله، شهر أكتوبر من عام 1781.

غير أن بريطانيا لم تركن لاستقلال مستعمراتها حتى عام 1783، حيث وقعت الإمبراطورية العظمى مع الولايات المتحدة اتفاقية سلام في باريس، تتضمن اعتراف لندن بالاستقلال الأمريكي.

لم يستقرّ احتفال الولايات المتحدة في الرابع من يوليو بالاستقلال إلا بعد عقود طويلة؛ فبعد توسّعها إلى شكلها الحالي؛ وتحديدا عام 1941، اعتبرت هذا اليوم عطلة فيدرالية رسمية؛ احتفاء بجهود الآباء المؤسسين في إعلان انتهاء التبعية لبريطانيا في القرن الثامن عشر.