من ألمانيا إلى الصين، تسببت الفيضانات الشديدة بالموت والدمار، وقتل ما لا يقل عن 180 شخصاً في ألمانيا وبلجيكا وهولندا الأسبوع الماضي عندما هطلت أمطار غزيرة سببت فيضانات وانهيارات طينية.
وفي مقاطعة خنان بوسط الصين، لقي ما لا يقل عن 33 شخصاً مصرعهم بعد أن حوصر ركاب في مترو أنفاق وسط فيضانات كارثية بعد هطول أمطار غزيرة.
ومع أننا في منتصف فصل الصيف إلا أنه قد أثبت فعلاً بأنه موسم الأحداث الشديدة والقاتلة أحياناً، فخلال أكثر من شهر تسببت 4 موجات حرارية كبرى في إثارة الفوضى غرب الولايات المتحدة، بما في ذلك درجات الحرارة القياسية في كل من أوريغون وواشنطن والتي تسببت بمئات الوفيات.
وبحسب صحيفة "لوس أنجليس تايمز"، عادت حرائق الغابات مرة أخرى إلى الغرب، لتحرق مئات الآلاف من الأفدنة في كاليفورنيا وأوريغون وكولومبيا البريطانية في كندا. ولهول الحرائق، انتشر الدخان حتى الساحل الشرقي، مما أدى إلى تحذيرات صحية في ولاية كونيتيكت وماريلاند وجعل السماء فوق مدينة نيويورك ضبابية وحمراء.
تنبؤات علمية
تنبأ العلماء، ممن يدرسون كوكبنا منذ فترة طويلة، بهذه المشاهد المرعبة من جميع أنحاء العالم. قائلين إن درجات الحرارة المرتفعة قد تؤدي لمزيد من موجات الحرارة والجفاف في بعض المناطق بما يترجم لاحقاً بحرائق غابات أكبر وأكثر تواتراً. وبالمقابل، في مناطق أخرى حيث المناخ أكثر دفئاً تحتبس الرطوبة في الغلاف الجوي، مما ينجم عنه هطول أمطار غزيرة خلال العواصف.
التغير المناخي جعل الأحداث المناخية العادية- كموجات الحر والجفاف والعواصف الممطرة والأعاصير- أكثر خطورة وأكثر تدميراً للمجتمعات غير المستعدة لمثل هذه الظروف. بيد أن الأمر الأكثر إثارة للخوف هو أن الوتيرة السريعة التي يضرب بها يحدث بشكل أسرع مما نتوقعه أو نرغب به، وعلى العالم التحرك سريعاً لإبطاء الدمار.
آثار تغير المناخ لا يمكن إنكارها. خلال العام الماضي، حذر تقرير للأمم المتحدة من أن العالم يحتاج لثلاثة أضعاف التخفيضات الموعودة في انبعاثات الكربون للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى درجتين مئويتين منعاً لحدوث عواقب وخيمة، بما في ذلك المجاعة والفيضانات واسعة النطاق.
في افتتاحية لـ "واشنطن بوست"، أوضحت الصحيفة الأمريكية أنه من السابق لأوانه القول على وجه اليقين أن تغير المناخ وراء كل تلك الحوداث الأخيرة للطقس المزعج حول العالم، بيد أن المسألة لا تعني تجاهل البشرية (الاحتمال الواضح) بأنهما أمران مرتبطان. من المؤكد أن تلك الحوادث تنذر بتواتر وزيادة الكوارث الناجمة عن تغير المناخ، وأن المجتمع البشري غير مستعد لذلك.
ذابت منطقة شمال غرب المحيط الهادئ، وهي واحدة من أكثر المناطق تطوراً على هذا الكوكب، في درجات الحرارة المرتفعة الشهر الماضي لأن المنطقة غير معتادة على الظروف الحارة. منطقة راينلاند في ألمانيا -وهي من أكثر المناطق ثراءً في العالم- لم يكن لديها البنية التحتية للتعامل مع الفيضانات التي يُفترض أنها تحدث مرة واحدة في الألفية.
قد يفكر الناس في ظاهرة الاحتباس الحراري على أنها مجرد أيام أكثر سخونة، لكنها أكثر من ذلك بكثير: فهي تعني أن حرائق الغابات الهائلة تؤدي إلى نوبات الربو في مدنٍ بقارةٍ بعيدة، وهي تجربة تفهمها المدن الكبرى مثل نيويورك وواشنطن بشكل عميق بعد هذا الأسبوع. وفي الوقت ذاته، في مدينة تشنغتشو الصينية، هطلت أمطار عام كامل في أقل من أسبوع، متجاوزة الأرقام القياسية التاريخية. مع إجلاء حوالي 200 ألف شخص من منازلهم وإنقاذ حوالي 500 شخص من مترو أنفاق غارق.
بحسب الصحيفة الأمريكية، لقد حدثت موجات الحر والجفاف وحرائق الغابات والأمطار الغزيرة والفيضانات قبل أن تبدأ درجة حرارة الكوكب بالارتفاع بفعل الأنشطة البشرية، ولا يمكن للعلماء تحديد مقدار تغير المناخ في كارثة طبيعية معينة حتى يجرون دراسة تحسب مدى مساهمة الاحترار العالمي في ذلك. واليوم، تساهم قوى الطبيعة ذاتها، التي تآمرت سابقاً لإيجاد مثل فوضى الأحداث هذه بفعلها مجدداً، ولكن داخل نظام عززه البشر بمزيد من الطاقة.
هناك درسان يجب على العالم فهمهما، وهو وجوب وضع حد لانبعاثات الغازات الدفيئة التي تؤدي إلى الاحتباس الحراري. وثانياً حتى قيامنا بذلك، يجب أن يستعد العالم لارتفاع درجة الحرارة الذي لا مفر منه، نتيجة الغازات التي ضختها الدول بالفعل في الغلاف الجوي. وهذا يعني تقوية البنية التحتية لتحمل المناخ الحالي، والمناخ الذي سيتعين على البشر أن يتأقلموا معه مستقبلاً.
لقد نجت مناطق قليلة من الولايات المتحدة من آثار الطقس القاسي، ومع ذلك لا يزال أعضاء الكونغرس يتشاجرون بشأن تمويل مشروعات الطاقة النظيفة وتقليل اعتماد الدولة على الوقود الأحفوري. اقترح الرئيس الأمريكي جو بايدن توسيع التمويل والبرامج للحد من إنتاج النفط والغاز، وتعزيز المركبات عديمة الانبعاثات، والاستثمار في الطاقة المتجددة، لكنه يحتاج إلى كونغرس مدرك ومتعاون لإجراء هذه التحولات طويلة المدى في السياسية، بحسب "لوس أنجلس تايمز".
من جهتهما، اقترح كل من الاتحاد الأوروبي والصين خططاً شاملة للحد من الانبعاثات. ويدرس الاتحاد الأوروبي تشريعات للتخلص التدريجي من سيارات البنزين والديزل وفرض رسوم جمركية على الواردات من الدول المسببة للتلوث. وقد أعلنت الصين عن خطط لنظام شبيه بالحد الأقصى للتجارة للشركات عالية التلوث في البلاد؛ حيث تقلل الشركات من انبعاثاتها بمرور الوقت. ولكن ليس هناك ما يضمن أن تؤتي تلك المقترحات ثمارها أو تؤدي لخفض الانبعاثات سريعاً.
كما أظهرت الأسابيع القليلة الماضية، ليس هناك وقت لإضاعته فقد قدّم فصل الصيف بالفعل لمحةً رهيبة عن المستقبل إذا لم يتغير المسار حالاً بالنسبة للتعامل مع التغير المناخي.
المصدر: البيان