خلال فترة الحرب العالمية الثانية، عاش العالم على وقع العديد من الكوارث البحرية التي أسفرت عن سقوط عشرات آلاف الضحايا. ففي خضم هذا النزاع العالمي، عمدت معظم الأطراف المتحاربة، عن قصد أو دون قصد، لاستهداف سفن خصصت لإجلاء المدنيين وإسعاف المصابين.

وإضافة لسفينة فيلهلم غوستلوف (Wilhelm Gustloff) التي قُتل 9000 من ركابها عقب استهدافها من قبل السوفيت أواخر الحرب العالمية الثانية، يذكر التاريخ اسم السفينة المستشفى السوفيتية أرمينيا (Armenia) التي عرفت مصيراً مشابهاً عام 1941 قرب منطقة القرم.

وقد دخلت سفينة "أرمينيا" الخدمة رسمياً عام 1928 عقب نهاية أشغال بنائها بحوض بناء السفن في لينينغراد المعروفة حالياً بسان بطرسبرغ. وفي البداية، خصصت هذه السفينة للاستخدام المدني واعتُمدت لنقل البضائع والركاب بالبحر الأسود. وعلى حسب تصاميمها، بلغ وزن السفينة "أرمينيا" أكثر من 4500 طن، بينما قدرت سرعتها القصوى بحوالي 24 كلم في الساعة. وكانت هذه السفينة قادرة على نقل حمولة بألف طن إضافة لنحو 450 راكب في حال تنقلها لمسافات طويلة. وعند اعتمادها لمسافات قصيرة، تحدّث المسؤولون السوفيت عن قدرتها على نقل 4500 راكب على سطحها.

مع بداية الغزو الألماني للأراضي السوفيتية يوم 22 يونيو 1941، صادرت البحرية السوفيتية سفينة "أرمينيا" واتجهت لتحويلها لسفينة مستشفى خصصت بالأساس لنقل الجنود المصابين.

مع تقدم الجيش الحادي عشر الألماني بقيادة الجنرال إريش فون مانشتاين (Erich von Manstein) نحو شبه جزيرة القرم ونجاحه في فرض الحصار على سيفاستوبول (Sevastopol)، رسم السوفيت صليباً أحمر على السفينة "أرمينيا" واتجهوا لاستخدامها لإجلاء أكبر عدد ممكن من الجنود المصابين والمدنيين من المنطقة.

خلال الليلة الفاصلة بين يومي 6 و7 نوفمبر 1941، غادرت السفينة "أرمينيا" سيفاستوبول حاملةً على متنها الآلاف من المصابين والمدنيين والطواقم الطبية باتجاه مدينة توابسي (Tuapse) بالشمال الشرقي للبحر الأسود. وفي طريقها، حلّت هذه السفينة بيالطا (Yalta) قبل أن تواصل الإبحار شرقاً برفقة سفينتين صغيرتين وطائرتين حربيتين.

بالنسبة للألمان لم يكن نوع حمولة السفينة "أرمينيا" واضحاً على الرغم من علامة الصليب الأحمر المرسومة عليها. ففي السابق، نقلت الأخيرة على متنها العديد من الجنود السوفيت والعتاد العسكري. وفي حدود الساعة الحادية عشرة والنصف صباح يوم 7 نوفمبر 1941، هاجمت طائرة حربية ألمانية من نوع "هنكل هي 111" (Heinkel He 111) السفينة المستشفى السوفيتية المحملة بالجرحى والمدنيين. وقد عمدت الطائرة الألمانية حينها إلى إطلاق طربيدين. وبينما أخطأ الأول هدفه، أصاب الثاني السفينة "أرمينيا" بشكل مباشر متسبباً في انقسامها لنصفين وغرقها على بعد نحو 45 كلم من يالطا.

وعلى حسب مصادر تلك الفترة، أسفرت هذه الكارثة البحرية عن مقتل ما بين 5000 و7000 شخص من المدنيين والجرحى الذين كانوا على متن السفينة "أرمينيا" حيث لم يتمكن سوى 8 أشخاص فقط من النجاة من الحادثة. وبسبب عدد الضحايا المرتفع، صنّفت كارثة السفينة "أرمينيا" كثالث أسوأ كارثة بحرية بالتاريخ بعد حادثتي السفينتين الألمانيتين "فيلهلم غوستلوف" و"غويا" (Goya).