يعطل "أبو أسعد" عمله منذ 3 شهور، حتى يجلس في منزله في بغداد يراقب عن قرب سلوك ولده الذي فشل في الانتحار أكثر من مرة خشية تكرار ذلك.
حاول "أسعد"، وهو الابن الثاني، لعائلة مكونة من أربعة أنفار، شنق نفسه داخل غرفته قبل عام، ولكن تداركته والدته قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، ولكنه عاد مجدداً بعد بضعة شهور باستخدام عقاقير سمية لم يكتب لها أن تنهي حياته.
"أسعد" ذو الـ(25) عاماً، يعيش في كنف عائلة ذات دخل بسيط، لأب يملك محلاً لبيع العطاريات في إحدى الأسواق الشعبية شرقي العاصمة.
يحدثنا الوالد، عن فكرة الانتحار التي رافقت ولده "أسعد" منذ نحو عام والظروف التي قادته إلى ذلك التفكير والإصرار على إنهاء حياته اليافعة بهذه الطريقة.
"أسعد" كان قد أكمل دراسته الجامعية حديثاً وكبقية أغلب الخريجين في العراق يواجه مصير البطالة وعدم وجود فرص توظيف تستوعب أصحاب تلك الشهادات، كما يقول والده.
كان "أسعد" تصادف خلال حياته الجامعية مع فتاة زميلة له سرعان ما تطورت علاقة بينهما، خطط لها الطرفان بالزواج، غير أن ظروف "أسعد" حالت دون التقدم إليها بعد أن خطف يدها أحد أقاربها، مما حدا به الذهاب نحو محاولات متكررة من الانتحار.
يؤكد الأب الذي يعيش مكابدات القلق والخوف على ولده من الانتحار أنه "يعيش وسط دار مؤجرة ولا يملك لعائلته سوى حد توفير لقمة العيش لا أكثر"، ويستدرك بالقول: "كيف أخطب لولدي، ونحن في خضم تلك الظروف القاهرة".
تلك واحدة من حالات بدأت تتصاعد خلال العقد الأخير في العراق وتضرب بفواجعها بين الحين والآخر العشرات من العوائل والتي غالبا ما تبوب على أنها حوادث انتحار بدوافع العوز والفقر والاضطراب النفسي.
وتنذر جهات رقابية وحقوقية من ارتفاع معدلات الانتحار في العراق وتصاعد وتيرتها خشية أن تصبح ظاهرة اجتماعية.
وخلال العام الماضي وعلى لسان مفوضية حقوق الإنسان، سجلت 644 حالة انتحار، بارتفاع بلغت نسبته 8.5%، مقارنة بـ594 حالة انتحار في عام 2019.
ووفق تلك الإحصائية كانت بغداد أكثر المحافظات تسجيلا لحالات الانتحار بـ139 حالة، تلتها محافظة البصرة (جنوب) بـ86، ومحافظة ذي قار (جنوب) بـ80، ومحافظة نينوى (شمال) بـ69 حالة، فيما توزعت بقية الحالات على المحافظات الأخرى.
ويسجل العراق ازديادا في حالات الانتحار للعام الخامس على التوالي؛ إذ سجلت البلاد وفاة 519 شخصاً بسبب الانتحار في 2018، و422 حالة في 2017، وفق أرقام المفوضية.
2021.. أرقام مخفية وأخرى معلنة
قبل نحو شهرين، أعلن عضو مفوضية حقوق الإنسان، فاضل الغراوي، عن توثيق (٨٧) حالة ومحاولة انتحار منهم (٤٧) من الذكور و (٢٧) من الاناث و( ١٣) من الأحداث، خلال النصف الأول من العام الحالي.
وأكد "الغراوي"، خلال بيان، أن انتشار جائحة كورونا وتردي الأوضاع الاقتصادية والبطالة وخط الفقر والصدمات النفسية وضعف المنظومة القيمية والواعز الديني والاستخدام السيء للاتصالات والعنف الأسري قد تكون أسباب ضاغطة لارتفاع معدلات الانتحار في عموم محافظات العراق، إلا أن بعض المنظمات والمؤسسات المعنية بتوثيق حالات الانتحار في العراق تؤكد أن الأرقام أعلى من ذلك بكثير ولكن يعمد إلى إخفائها أو التكتم عليها بسبب عوامل وظروف تتعلق بالقيم والعادات الاجتماعية.
وفي هذا الصدد، يقول مسؤول مكتب حقوق الإنسان في محافظة كركوك سجاد جمعة، إن المحافظة سجلت ارتفاعاً كبيراً في حالات انتحار النساء، خلال ستة أشهر الماضية، ويؤكد خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أنه "تم تسجيل 60 حالة انتحار بينها 40 من النساء وهو ما يؤشر على خطورة تلك الحوادث التي باتت أصبحت ظاهرة متفشية في المجتمع العراقي".
والخميس الماضي، دقت قيادة شرطة ذي قار، ناقوس الخطر، بعد تسجيل ارتفاع بنسب حالات الانتحار في المحافظة مقارنة بالأعوام السابقة.
وقال مدير إعلام وعلاقات القيادة العميد الحقوقي فؤاد كريم، في تصريح تابعته "العين الإخبارية"، إن "نسبة الانتحار ارتفعت عن العام الماضي بحوالي 30%، وتتراوح أعمار المنتحرين ما بين الـ18- 25 عاما".
وأوضح أن "أسباب الانتحار متنوعة منها اجتماعي وعائلي، وتتركز في الاقضية والمناطق الريفية للمحافظة".
من جانبه، يرى الباحث الاجتماعي، أمجد العطواني، أن الإحصائيات الرسمية التي تعلنها الدوائر المختصة في العراق تحاول قضم الكثير من الأرقام الحقيقية المسجلة وتقديمها على أنها عند ذلك الحدود.
ويضيف "العطواني" خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أن المجتمع العراقي له عادات وتقاليد تتعامل مع حالات الانتحار بالتكتم وعدم الإشهار خشية "الفضيحة"، بحكم منظورهم العشائري والقبلي.
ويشير إلى أن الدولة كمؤسسات مازالت إلى الآن عاجزة عن وضع المعالجات التي من شأنها تخفيف نسب الانتحار التي باتت تفتك بالمجتمع وخصوصا الفئات الشبابية منه.
ويستدرك بالقول: "لا توجد في العراق مشافي ومراكز مختصة للتعامل مع الاشخاص الذين جربوا الانتحار زو ممن يعانون من أمراض نفسية قد تؤدي إلى النتائج ذاتها"، فيما يكشف مصدر أمني يعمل ضمن مراكز تسجيل حالات الانتحار، أن "الكثير من تلك الحوادث في أصلها جرائم غسل العار".
ويوضح المصدر لـ"العين الإخبارية" أن "العديد من حالات الانتحار التي يتم التبليغ عنها وتسجلها الدوائر الأمنية المختصة وبعد التحقيق يتأكد أنها وقعت بدوافع الشرف والتعنيف الأسري وليس كما يروج لها تحت دوافع نفسية وأسباب فقر وسوء أوضاع معاشية".
وكان مدير الشرطة المجتمعية العراقية، غالب العطية، أكد مؤخراً أن محافظات ذي قار وديالى وكركوك هي الأعلى نسبة من بين المحافظات العراقية الأخرى من ناحية حالات الانتحار.
وأرجع أسباب ارتفاع تلك الحالات إلى الفقر والعوز والبطالة والأمراض النفسية فضلاً عن سوء استخدام لوسائل الاتصال التكنولوجية الحديثة التي تنتهي بعض منها عند عمليات ابتزاز.
وكشف عن دراسة أجرتها الشرطة المجتمعية تبين من خلالها أن هناك مواقع إلكترونية على الإنترنت تقوم بالترويج والتشجيع على "ثقافة" الانتحار.فيما يكشف مصدر أمني يعمل ضمن مراكز تسجيل حالات الانتحار، أن "الكثير من تلك الحوادث في أصلها جرائم غسل العار".
{{ article.visit_count }}
حاول "أسعد"، وهو الابن الثاني، لعائلة مكونة من أربعة أنفار، شنق نفسه داخل غرفته قبل عام، ولكن تداركته والدته قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، ولكنه عاد مجدداً بعد بضعة شهور باستخدام عقاقير سمية لم يكتب لها أن تنهي حياته.
"أسعد" ذو الـ(25) عاماً، يعيش في كنف عائلة ذات دخل بسيط، لأب يملك محلاً لبيع العطاريات في إحدى الأسواق الشعبية شرقي العاصمة.
يحدثنا الوالد، عن فكرة الانتحار التي رافقت ولده "أسعد" منذ نحو عام والظروف التي قادته إلى ذلك التفكير والإصرار على إنهاء حياته اليافعة بهذه الطريقة.
"أسعد" كان قد أكمل دراسته الجامعية حديثاً وكبقية أغلب الخريجين في العراق يواجه مصير البطالة وعدم وجود فرص توظيف تستوعب أصحاب تلك الشهادات، كما يقول والده.
كان "أسعد" تصادف خلال حياته الجامعية مع فتاة زميلة له سرعان ما تطورت علاقة بينهما، خطط لها الطرفان بالزواج، غير أن ظروف "أسعد" حالت دون التقدم إليها بعد أن خطف يدها أحد أقاربها، مما حدا به الذهاب نحو محاولات متكررة من الانتحار.
يؤكد الأب الذي يعيش مكابدات القلق والخوف على ولده من الانتحار أنه "يعيش وسط دار مؤجرة ولا يملك لعائلته سوى حد توفير لقمة العيش لا أكثر"، ويستدرك بالقول: "كيف أخطب لولدي، ونحن في خضم تلك الظروف القاهرة".
تلك واحدة من حالات بدأت تتصاعد خلال العقد الأخير في العراق وتضرب بفواجعها بين الحين والآخر العشرات من العوائل والتي غالبا ما تبوب على أنها حوادث انتحار بدوافع العوز والفقر والاضطراب النفسي.
وتنذر جهات رقابية وحقوقية من ارتفاع معدلات الانتحار في العراق وتصاعد وتيرتها خشية أن تصبح ظاهرة اجتماعية.
وخلال العام الماضي وعلى لسان مفوضية حقوق الإنسان، سجلت 644 حالة انتحار، بارتفاع بلغت نسبته 8.5%، مقارنة بـ594 حالة انتحار في عام 2019.
ووفق تلك الإحصائية كانت بغداد أكثر المحافظات تسجيلا لحالات الانتحار بـ139 حالة، تلتها محافظة البصرة (جنوب) بـ86، ومحافظة ذي قار (جنوب) بـ80، ومحافظة نينوى (شمال) بـ69 حالة، فيما توزعت بقية الحالات على المحافظات الأخرى.
ويسجل العراق ازديادا في حالات الانتحار للعام الخامس على التوالي؛ إذ سجلت البلاد وفاة 519 شخصاً بسبب الانتحار في 2018، و422 حالة في 2017، وفق أرقام المفوضية.
2021.. أرقام مخفية وأخرى معلنة
قبل نحو شهرين، أعلن عضو مفوضية حقوق الإنسان، فاضل الغراوي، عن توثيق (٨٧) حالة ومحاولة انتحار منهم (٤٧) من الذكور و (٢٧) من الاناث و( ١٣) من الأحداث، خلال النصف الأول من العام الحالي.
وأكد "الغراوي"، خلال بيان، أن انتشار جائحة كورونا وتردي الأوضاع الاقتصادية والبطالة وخط الفقر والصدمات النفسية وضعف المنظومة القيمية والواعز الديني والاستخدام السيء للاتصالات والعنف الأسري قد تكون أسباب ضاغطة لارتفاع معدلات الانتحار في عموم محافظات العراق، إلا أن بعض المنظمات والمؤسسات المعنية بتوثيق حالات الانتحار في العراق تؤكد أن الأرقام أعلى من ذلك بكثير ولكن يعمد إلى إخفائها أو التكتم عليها بسبب عوامل وظروف تتعلق بالقيم والعادات الاجتماعية.
وفي هذا الصدد، يقول مسؤول مكتب حقوق الإنسان في محافظة كركوك سجاد جمعة، إن المحافظة سجلت ارتفاعاً كبيراً في حالات انتحار النساء، خلال ستة أشهر الماضية، ويؤكد خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أنه "تم تسجيل 60 حالة انتحار بينها 40 من النساء وهو ما يؤشر على خطورة تلك الحوادث التي باتت أصبحت ظاهرة متفشية في المجتمع العراقي".
والخميس الماضي، دقت قيادة شرطة ذي قار، ناقوس الخطر، بعد تسجيل ارتفاع بنسب حالات الانتحار في المحافظة مقارنة بالأعوام السابقة.
وقال مدير إعلام وعلاقات القيادة العميد الحقوقي فؤاد كريم، في تصريح تابعته "العين الإخبارية"، إن "نسبة الانتحار ارتفعت عن العام الماضي بحوالي 30%، وتتراوح أعمار المنتحرين ما بين الـ18- 25 عاما".
وأوضح أن "أسباب الانتحار متنوعة منها اجتماعي وعائلي، وتتركز في الاقضية والمناطق الريفية للمحافظة".
من جانبه، يرى الباحث الاجتماعي، أمجد العطواني، أن الإحصائيات الرسمية التي تعلنها الدوائر المختصة في العراق تحاول قضم الكثير من الأرقام الحقيقية المسجلة وتقديمها على أنها عند ذلك الحدود.
ويضيف "العطواني" خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أن المجتمع العراقي له عادات وتقاليد تتعامل مع حالات الانتحار بالتكتم وعدم الإشهار خشية "الفضيحة"، بحكم منظورهم العشائري والقبلي.
ويشير إلى أن الدولة كمؤسسات مازالت إلى الآن عاجزة عن وضع المعالجات التي من شأنها تخفيف نسب الانتحار التي باتت تفتك بالمجتمع وخصوصا الفئات الشبابية منه.
ويستدرك بالقول: "لا توجد في العراق مشافي ومراكز مختصة للتعامل مع الاشخاص الذين جربوا الانتحار زو ممن يعانون من أمراض نفسية قد تؤدي إلى النتائج ذاتها"، فيما يكشف مصدر أمني يعمل ضمن مراكز تسجيل حالات الانتحار، أن "الكثير من تلك الحوادث في أصلها جرائم غسل العار".
ويوضح المصدر لـ"العين الإخبارية" أن "العديد من حالات الانتحار التي يتم التبليغ عنها وتسجلها الدوائر الأمنية المختصة وبعد التحقيق يتأكد أنها وقعت بدوافع الشرف والتعنيف الأسري وليس كما يروج لها تحت دوافع نفسية وأسباب فقر وسوء أوضاع معاشية".
وكان مدير الشرطة المجتمعية العراقية، غالب العطية، أكد مؤخراً أن محافظات ذي قار وديالى وكركوك هي الأعلى نسبة من بين المحافظات العراقية الأخرى من ناحية حالات الانتحار.
وأرجع أسباب ارتفاع تلك الحالات إلى الفقر والعوز والبطالة والأمراض النفسية فضلاً عن سوء استخدام لوسائل الاتصال التكنولوجية الحديثة التي تنتهي بعض منها عند عمليات ابتزاز.
وكشف عن دراسة أجرتها الشرطة المجتمعية تبين من خلالها أن هناك مواقع إلكترونية على الإنترنت تقوم بالترويج والتشجيع على "ثقافة" الانتحار.فيما يكشف مصدر أمني يعمل ضمن مراكز تسجيل حالات الانتحار، أن "الكثير من تلك الحوادث في أصلها جرائم غسل العار".