كان النهار آخذاً في التلاشي منتصف فبراير/شباط الماضي، حينما سقطت قذيفة حوثية على منزل في مدينة حيس جنوب الحديدة اليمنية.

كان يوماً دموياً آخر يدفع ثمنه الأبرياء، إذ ذهبت ضحية ذلك الهجوم امرأة مع طفلتها ذات الثماني سنوات، وتركت ابنتها الثانية الرضيعة شذوان تقاسي آلام الفراق والحرمان.

كانت شذوان وهيب رضوان، حينها في الأربعين يوماً من عمرها، وجاءت ولادتها في مدينة يتقاسم فيها وميض القذائف الحوثية مع أضواء النجوم التي لم يعد بريقها يبعث عن طمأنينة للسكان المنهكين من القصف الحوثي المتواصل.

أحدثت الجريمة الحوثية صدمة في أوساط مَن حضروا تفاصيل مشهدها الدموي، ومع مضي الأيام وسقوط ضحايا جدد أتيح للحضور نسيان ذلك المشهد الأليم باستثناء الرضيعة التي كُتِب لها بداية مأساة كبيرة.

لم تجد جدتها "سعيدة ثابت سقيم" بداً في إرسالها إلى عمتها في حي مجاور لإرضاعها، فالفقر الذي تعيشه تلك العجوز لا يتيح لها شراء الحليب الكافي لسد جوع الطفلة الوليدة.

في رحلة العذاب الجديدة لم يكن الحليب كافياً من ثديي عمتها المرضعة البديلة ليبدأ جسد الطفلة بالهزال الذي وصل بعد نحو ستة أشهر إلى مرحلة مخيفة.

كان لزاماً لجدتها التي تقاسمها آلام الفقدان بوفاة ابنتها وحفيدتها، نقلها إلى مستشفى حيس الريفي، لكن ذلك الهزال كان ينبئ بقدوم محنة أخرى.

نقلت المرأة العجوزة حفيدتها إلى المستشفى ووضعتها على سرير داخل غرفة علّق بداخلها عددٌ من الإرشادات التعليمية الخاصة بتغذية الأطفال.

أبلغتها الطبيبة، إصابتها بمرض سوء التغذية، وقالت سعيدة، لنفسها بصوت منخفض: ما هو سوء التغذية؟، إذ شعرت بالارتياب من تلك التسمية، وأحسّت أن الطفلة على وشك أن تفارق الحياة في الحال، لكن حديث الطبيبة معها أعاد إلى نفسها الطمأنينة، حينما قالت لها إنّه مرض ناجم عن حرمان الأطفال من الحصول على الغذاء الكافي.

تقول سعيدة لـ"العين الإخبارية" إنها تبكي باستمرار كلما رأتها على تلك الحالة، وكلما تنحني لتقبيلها، ترى في عينيها تفاصيل المأساة التي تدفع ثمنها حفيدتها البالغة من العمر حالياً نحو سبعة أشهر.

تضيف بحسرة أن معالجتها في مركز مكافحة سوء التغذية في مستشفى حيس الريفي منحها القليل من الأمل في استعادة عافيتها، لكن الفترة التي استغرقتها المعالجة تبدد تلك الآمال وترسم فصولاً جديدة قد تكون أكثر وقعاً مما حدث.

تُحمِّل تلك العجوز مليشيا الحوثي مسؤولية ما جرى لحفيدتها وتقول إنَّ السكان الفقراء مثلها ليس بوسعهم مغادرة مدينتهم التي عاشوا فيها طوال عمرهم.

وتقول إن كل ما هو مطلوب أن تكف المليشيات عن إطلاق قذائفها اللعينة على المنازل.