تلفزيون الشرق
هل عانيت في السابق من حادث أليم وتريد نسيانه؟ هل تتذكر في المساء مجموعة من الذكريات وتبقى حتى الصباح غير قادر على النوم؟ هل تعاني من اضطراب ما بعد الصدمة وتريد العودة إلى حياة أكثر توازناً وسعادة؟ هذه الدراسة ربما تساعدك.
الدراسة الجديدة قُدمت، السبت، في مؤتمر الجمعية الأوروبية لعلوم الأدوية النفسية والعصبية المقام في العاصمة البرتغالية لشبونة، وحضرته "الشرق" عن بعد.
اكتشف الباحثون إمكانية استخدام نوع محدد من البروتينات كعلامة دماغية للإشارة إلى ما إذا كان يمكن تغيير الذكريات العاطفية أو نسيانها.
وعلى الرغم من أن الدراسة نُفّذت على حيوانات التجارب، إلا أن الباحثين يأملون نقل نتائجها قريباً لعلاج البشر الراغبين في نسيان ذكريات محددة.
بحسب العلماء، يمكن تقسيم الذكريات طويلة المدى إلى نوعين: الذاكرة القائمة على الحقائق ومن خلالها نتذكر أشياء مثل الأسماء والأماكن والأحداث وما إلى ذلك؛ والنوع الثاني هو ذاكرة غريزية تمكننا من تذكر أشياء مثل العواطف والمهارات.
فمثلًا، إذ قُدت سيارة في الحي الذي تسكنه، فإنك تستخدم أثناء العملية الذاكرة القائمة على الحقائق لتذكر المنعطفات الموجودة في الحي، كما تستخدم في الوقت ذاته الذاكرة الغريزية في عملية القيادة نفسها.
توصل العلماء إلى الاعتقاد بأن الذكريات العاطفية يمكن تعديلها، وهو الأمر الذي ربما يسمح بمعالجة الصدمة الكامنة وراء اضطراب ما بعد الصدمة.
في عام 2004 أظهر بعض العلماء الأميركيين أنه إذا عولجت الحيوانات بمادة تسمى "مانع بيتا بروبرانولول" فإن هذا قد يسمح لها بنسيان الصدمة المكتسبة، ومع ذلك كان من الصعب أحياناً إعادة إنتاج النتائج، ما أدى إلى شكوك حول ما إذا كانت الذكريات قابلة للتعديل على الإطلاق.
الآن، بعد 17 عاماً من تلك الدراسة، أظهر العلماء في جامعة "كامبريدج" أن وجود بروتين معيّن يُطلق عليه اسم Shank، يعمل بمثابة سقالة للمستقبلات التي تحدد قوة الروابط بين الخلايا العصبية، وهو ما يعني أنه يحدد بالتبعية ما إذا كان يمكن تعديل الذكريات في الحيوانات المعالجة بالبروبرانولول.
وقال الباحثون إن تدهور مستويات هذا البروتين أو انعدام إفرازه يجعل الذكريات قابلة للتعديل. وإذا وجد هذا البروتين، فهذا يدل على أن الذكريات لم تكن قابلة للنسيان. ويشرح ذلك الاكتشاف سبب عدم فعالية مادة البروبرانولول دائماً في فقدان الذاكرة.
وقالت الباحثة الرئيسية في الدراسة، إيمي ميلتون، إن الفريق البحثي قام بتدريب الفئران على ربط آلة النقر بصدمة كهربائية خفيفة لخلق ذاكرة خوف. فكلما سمعت الفئران صوت النقر تلقت صدمة كهربائية بسيطة. تلك الطريقة ابتكرها العالم الكبير إيفان بافلوف منذ أكثر من 100 عام وتسمى بالاستجابة الشرطية للمثيرات. فحين يسمع الفأر صوت النقر يتوقع أن يتلقى صدمة كهربائية، وهذا أمر كفيل بجعل الفأر يخاف من صوت النقر (وهو أمر غير مُخيف أو مؤذٍ في الأساس).
عزل الباحثون الفئران لفترة من الزمن، ثم قاموا بإعادة تنشيط ذاكرتها عن طريق سماع صوت جهاز النقر، وبعد هذا التذكير مباشرة، أعطوها حقنة من حاصرات بيتا بروبرانولول. ولكنهم لم يلاحظوا أي فقدان للذاكرة، تم الإبلاغ عنه سابقاً في الدراسات العلمية التي أجريت في الولايات المتحدة قبل 17 عاماً.
بعد ذلك، استخدم الباحثون مجموعة من الأدوية التي تساعد على تقليل مستويات بروتين Shank ليجدوا أن ذكريات الفئران المرتبطة بجهاز النقر أصبحت غير مستقرة. فحين أعطوها الدواء نفسه لم يلاحظوا علامات الخوف حين تعرّضت لصوت الجهاز.
هذا يعني أنه يمكن استخدام ذلك البروتين كمؤشر حيوي لتغيير الذكريات. تقول "ميلتون" إنها "لا تعرف حتى الآن ما إذا كان البروتين متورطاً بشكل مباشر في تدهور الذاكرة، أو إذا كان نتيجة ثانوية لرد فعل أعمق. ما يفعله هو منحنا طريقاً، مفتاحاً لواحد من الأبواب الأولى في فهم الكيمياء الحيوية للذاكرة".
وتُعد آليات التذكر والنسيان من أعقد العمليات البشرية. وعلى الرغم من أن هذا البحث أُجري على الحيوانات، إلا أدمغة البشر متشابهة ولكنها أكثر تعقيداً.
وقالت ميلتون "لا نرى أن هذا يؤدي الموقف الذي يظهر في الأفلام على سبيل المثال (Eternal Sunshine of the Spotless Mind) حيث يمكن للأبطال اختيار الذكريات التي يريدون محوها، ولكننا نأمل أنه بمرور الوقت سنتمكن من تحديد العوامل التي تجعل الذكريات قابلة للتعديل في الحيوانات وترجمتها إلى البشر المرضى".
تُقربنا تلك الدراسة خطوة من فهم كيفية الاحتفاظ بالذكريات وتغييرها. هناك طريق طويل لنقطعه في هذه العملية، وبالطبع سيكون نقل هذه الخطوات إلى البشر أمراً صعباً. ولكن هذا يعطينا بعض الأمل في أننا في النهاية قد نكون قادرين على مساعدة الأشخاص الذين يعانون من ذكريات الإجهاد الناتج عن الصدمة، وفق ما تؤكد الباحثة المشاركة في الدراسة، ليفيا دي بيكير.
في النهاية، يأمل الباحثون تقليل التأثير اللاواعي للذكريات العاطفية المؤلمة، وهو نوع الصدمة التي يمكن أن تدمر حياة الأشخاص المصابين باضطراب ما بعد الصدمة. كما في الأسطورة اليونانية القديمة التي تتحدث عن وجود دواء يسمى "نيبينثي" يجعل البشر ينسون الذكريات المؤلمة.
وقالت ميلتون إنها تأمل أن يكون ذلك خطوة على طريق علاج يشبه الموجود في الأساطير اليونانية.
{{ article.visit_count }}
هل عانيت في السابق من حادث أليم وتريد نسيانه؟ هل تتذكر في المساء مجموعة من الذكريات وتبقى حتى الصباح غير قادر على النوم؟ هل تعاني من اضطراب ما بعد الصدمة وتريد العودة إلى حياة أكثر توازناً وسعادة؟ هذه الدراسة ربما تساعدك.
الدراسة الجديدة قُدمت، السبت، في مؤتمر الجمعية الأوروبية لعلوم الأدوية النفسية والعصبية المقام في العاصمة البرتغالية لشبونة، وحضرته "الشرق" عن بعد.
اكتشف الباحثون إمكانية استخدام نوع محدد من البروتينات كعلامة دماغية للإشارة إلى ما إذا كان يمكن تغيير الذكريات العاطفية أو نسيانها.
وعلى الرغم من أن الدراسة نُفّذت على حيوانات التجارب، إلا أن الباحثين يأملون نقل نتائجها قريباً لعلاج البشر الراغبين في نسيان ذكريات محددة.
بحسب العلماء، يمكن تقسيم الذكريات طويلة المدى إلى نوعين: الذاكرة القائمة على الحقائق ومن خلالها نتذكر أشياء مثل الأسماء والأماكن والأحداث وما إلى ذلك؛ والنوع الثاني هو ذاكرة غريزية تمكننا من تذكر أشياء مثل العواطف والمهارات.
فمثلًا، إذ قُدت سيارة في الحي الذي تسكنه، فإنك تستخدم أثناء العملية الذاكرة القائمة على الحقائق لتذكر المنعطفات الموجودة في الحي، كما تستخدم في الوقت ذاته الذاكرة الغريزية في عملية القيادة نفسها.
توصل العلماء إلى الاعتقاد بأن الذكريات العاطفية يمكن تعديلها، وهو الأمر الذي ربما يسمح بمعالجة الصدمة الكامنة وراء اضطراب ما بعد الصدمة.
في عام 2004 أظهر بعض العلماء الأميركيين أنه إذا عولجت الحيوانات بمادة تسمى "مانع بيتا بروبرانولول" فإن هذا قد يسمح لها بنسيان الصدمة المكتسبة، ومع ذلك كان من الصعب أحياناً إعادة إنتاج النتائج، ما أدى إلى شكوك حول ما إذا كانت الذكريات قابلة للتعديل على الإطلاق.
الآن، بعد 17 عاماً من تلك الدراسة، أظهر العلماء في جامعة "كامبريدج" أن وجود بروتين معيّن يُطلق عليه اسم Shank، يعمل بمثابة سقالة للمستقبلات التي تحدد قوة الروابط بين الخلايا العصبية، وهو ما يعني أنه يحدد بالتبعية ما إذا كان يمكن تعديل الذكريات في الحيوانات المعالجة بالبروبرانولول.
وقال الباحثون إن تدهور مستويات هذا البروتين أو انعدام إفرازه يجعل الذكريات قابلة للتعديل. وإذا وجد هذا البروتين، فهذا يدل على أن الذكريات لم تكن قابلة للنسيان. ويشرح ذلك الاكتشاف سبب عدم فعالية مادة البروبرانولول دائماً في فقدان الذاكرة.
وقالت الباحثة الرئيسية في الدراسة، إيمي ميلتون، إن الفريق البحثي قام بتدريب الفئران على ربط آلة النقر بصدمة كهربائية خفيفة لخلق ذاكرة خوف. فكلما سمعت الفئران صوت النقر تلقت صدمة كهربائية بسيطة. تلك الطريقة ابتكرها العالم الكبير إيفان بافلوف منذ أكثر من 100 عام وتسمى بالاستجابة الشرطية للمثيرات. فحين يسمع الفأر صوت النقر يتوقع أن يتلقى صدمة كهربائية، وهذا أمر كفيل بجعل الفأر يخاف من صوت النقر (وهو أمر غير مُخيف أو مؤذٍ في الأساس).
عزل الباحثون الفئران لفترة من الزمن، ثم قاموا بإعادة تنشيط ذاكرتها عن طريق سماع صوت جهاز النقر، وبعد هذا التذكير مباشرة، أعطوها حقنة من حاصرات بيتا بروبرانولول. ولكنهم لم يلاحظوا أي فقدان للذاكرة، تم الإبلاغ عنه سابقاً في الدراسات العلمية التي أجريت في الولايات المتحدة قبل 17 عاماً.
بعد ذلك، استخدم الباحثون مجموعة من الأدوية التي تساعد على تقليل مستويات بروتين Shank ليجدوا أن ذكريات الفئران المرتبطة بجهاز النقر أصبحت غير مستقرة. فحين أعطوها الدواء نفسه لم يلاحظوا علامات الخوف حين تعرّضت لصوت الجهاز.
هذا يعني أنه يمكن استخدام ذلك البروتين كمؤشر حيوي لتغيير الذكريات. تقول "ميلتون" إنها "لا تعرف حتى الآن ما إذا كان البروتين متورطاً بشكل مباشر في تدهور الذاكرة، أو إذا كان نتيجة ثانوية لرد فعل أعمق. ما يفعله هو منحنا طريقاً، مفتاحاً لواحد من الأبواب الأولى في فهم الكيمياء الحيوية للذاكرة".
وتُعد آليات التذكر والنسيان من أعقد العمليات البشرية. وعلى الرغم من أن هذا البحث أُجري على الحيوانات، إلا أدمغة البشر متشابهة ولكنها أكثر تعقيداً.
وقالت ميلتون "لا نرى أن هذا يؤدي الموقف الذي يظهر في الأفلام على سبيل المثال (Eternal Sunshine of the Spotless Mind) حيث يمكن للأبطال اختيار الذكريات التي يريدون محوها، ولكننا نأمل أنه بمرور الوقت سنتمكن من تحديد العوامل التي تجعل الذكريات قابلة للتعديل في الحيوانات وترجمتها إلى البشر المرضى".
تُقربنا تلك الدراسة خطوة من فهم كيفية الاحتفاظ بالذكريات وتغييرها. هناك طريق طويل لنقطعه في هذه العملية، وبالطبع سيكون نقل هذه الخطوات إلى البشر أمراً صعباً. ولكن هذا يعطينا بعض الأمل في أننا في النهاية قد نكون قادرين على مساعدة الأشخاص الذين يعانون من ذكريات الإجهاد الناتج عن الصدمة، وفق ما تؤكد الباحثة المشاركة في الدراسة، ليفيا دي بيكير.
في النهاية، يأمل الباحثون تقليل التأثير اللاواعي للذكريات العاطفية المؤلمة، وهو نوع الصدمة التي يمكن أن تدمر حياة الأشخاص المصابين باضطراب ما بعد الصدمة. كما في الأسطورة اليونانية القديمة التي تتحدث عن وجود دواء يسمى "نيبينثي" يجعل البشر ينسون الذكريات المؤلمة.
وقالت ميلتون إنها تأمل أن يكون ذلك خطوة على طريق علاج يشبه الموجود في الأساطير اليونانية.