سكاي نيوز عربية
يعد العراق حسب الإحصاءات والتقارير الدولية والمحلية المعنية، أكثر دول العالم تلوثا بالألغام ومخلفات الحروب غير المتفجرة، والتي هي بمثابة قنابل موقوتة تحصد تباعا، أرواح عراقيين أبرياء، يقعون في فخاخها الممتدة في طول بلاد الرافدين وعرضها جراء الحروب الداخلية والخارجية الطويلة التي عصفت بها على مدى العقود الماضية.

وفي هذا السياق قال وزير البيئة العراقي، جاسم الفلاحي، لوكالة الأنباء العراقية، والتي جاء فيها: "يؤسفنا أن نقول نتيجة عقود من الحروب وعدم الاستقرار ومواجهة التحديات الإرهابية، إن العراق يعتبر الأول في مجال التلوث في الألغام والعبوات الناسفة والمخلفات الحربية" .

وأضاف أن العراق سيكون خاليا من الألغام والعبوات الناسفة والقذائف الحربية غير المتفجرة بحلول العام 2028، ما يكشف أن معالجة هذه المشكلة المعقدة لا زالت تحتاج لسنوات طوال، خاصة وأن تنظيم داعش الإرهابي، خلال احتلاله مناطق واسعة من البلاد من العام 2014 ولغاية العام 2017 ، أقدم على تفخيخ مساحات كبيرة وزرعها بالمتفجرات والألغام المختلفة، ما تسبب بتأخير السقف الزمني المحدد سابقا لإعلان العراق خاليا من الألغام لعقد كامل، والذي كان مقررا بداية في العام 2018.

ووفق دائرة شؤون الألغام التابعة لوزارة البيئة العراقية، فإن حجم التلوث الكلي في العراق يبلغ نحو 6000 كم مربع، تم تنظيف نصفها تقريبا، وغالبية الألغام مزروعة على الحدود الشرقية للعراق مع إيران، فضلا عن المناطق التي احتلها الدواعش.

وللإحاطة بمدى خطورة تصنيف العراق كأكثر دول العالم تلوثا بالألغام، يقول الكاتب والباحث السياسي العراقي علي البيدر، في لقاء مع سكاي نيوز عربية: "بسبب سلاسل الحروب الدموية التي عاشها العراق من الحرب العراقية الإيرانية، إلى حرب الخليج الثانية في العام 1991، ومن ثم ما سميت حرب تحرير العراق أو الغزو الأميركي في العام 2003، ومن ثم حرب التحرير من تنظيم داعش الإرهابي في العام 2017، لهذا فمن الطبيعي أن يكون العراق أكثر دول العالم احتواء على الألغام والمواد الحربية القابلة للانفجار، والمنتشرة حتى في المناطق السكنية والمأهولة، أو تلك التي يمر من خلالها الناس خاصة الطرق الفرعية الزراعية والصحراوية”.

التعامل مع هذه المعضلة لا زال دون المستوى المطلوب مع الأسف، كما يشرح البيدر بالقول: "حيث لا زال العراق يعتمد طرق قديمة وبالية لمعالجة هذا الخطر الداهم، الذي يتهدد أرواح ملايين العراقيين، وراح ضحيته بالفعل آلاف مؤلفة من الأبرياء ممن فقدوا حياتهم، أو أصيبوا باعاقات وتشوهات دائمة".

ويردف الباحث العراقي :"ليس ثمة اهتمام جدي ومبرمج من قبل مؤسسات الدولة المعنية، لمعالجة هذا الملف الشائك والمتفجر، ليس هذا وحسب بل وثمة حتى حديث عن حالات فساد وتسيب رافقت عمليات ومشروعات ازالة الألغام ومخلفات الحروب وتفكيكها”.

وعن السبل الكفيلة بمعالجة متكاملة لهذا التلوث، يرد البيدر: "من المفترض هنا الاستعانة بخبرات وشركات عالمية مختصة في هذا المجال لديها باع طويل، ومنحها رخص تنفيذ مشاريع جدية وعملية للخروج بنتائج إيجابية، والوصول لنسب صفرية في هذا المضمار، لكن هذا لم يتم لحد الآن بسبب عدم ايلاء الاهتمام الكافي بالملف ككل من قبل الجهات الحكومية، وما يعقد المشهد أكثر ضعف وعي المواطنيين العراقيين لجهة عدم ادراك مدى خطورة ألغام ومخلفات الحروب هذه، فنحن بحاجة ماسة أقله لنشر البوسترات والملصقات الارشادية لتوعية الناس، بضرورة توخي الحذر والتعرف على أشكال وطبيعة هذه المواد المتفجرة الشديدة الخطورة، وتبيان أمكنة ومواقع حقول الألغام والمناطق الملوثة بالتفصيل كي يتجنبها الناس".

ويدعو البيدر لمساعدة دولية لانقاذ العراق من تلوثه الكبير بالمتفجرات والألغام، قائلا: "نحتاج لتبني أممي لهذه القضية الملحة والمساعدة في حلها، وبالعكس ففي حال بقاء الملف معلقا بالمعالجات المحلية، فإنه سيبقى للأسف بلا حلول لسنوات وربما عقود، فهذه المشكلة لطالما شكلت عائقا في وجه حرية حركة المواطنين وتنقلهم انسيابيا في العديد من المناطق العراقية، وهي بحاجة لمعالجة فورية وجذرية".

هذا وتعتبر الألغام والقنابل والقذائف غير المنفجرة، إحدى أكبر التحديات التي تواجه السلطات العراقية لإعادة النازحين لمناطقهم الأصلية بعد تحريرها من تنظيم داعش الإرهابي، في العديد من المحافظات الشمالية والغربية من العراق، لا سيما في محافظات نينوى والأنبار وكركوك، فضلا عن الألغام المنتشرة في محافظات الجنوب العراقي، والتي تعود لعهد الحرب الطويلة مع إيران على مدى 8 سنوات من 1980 ولغاية 1988 .

وبحسب منظمة الأمم المتحدة فإن نحو 100 طفل لقوا حتفهم أو أصيبوا خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري، جراء انفجار ألغام ومتفجرات بهم من مخلفات الحروب في العراق.