روسيا اليوم + صحيفة الوطن
أكد الخبير الأثري، مجدي شاكر، أن أصل "شجرة الميلاد" هو "فرعوني مصري"، وأن أهم تقاليد عيد الميلاد عند المصريين القدماء كان الاحتفال بشجرة "الحياة"، ويختارونها من أشجار دائمة الخضرة.
وفي تصريحات لصحيفة "الوطن"، قال مجدي شاكر: "ليس غريبا عن الحضارة المصرية التي لا تزال تدهشنا، أن نكتشف أن معظم الحضارات، وحتى الأديان، يقتبسون منها الكثير، فهي أقدم حضارة عرفها التاريخ وأقدم من أي دين، وأهم محطة لمعظم الأديان السماوية كانت من مصر وحضارتها".
وأوضح الخبير الأثري المصري أن "قصة الشجرة بدأت مع أسطورة الثالوث المقدس في الأساطير المصرية القديمة، والتي تمثل صراع البشرية بين الخير والشر، وكان طرفا النزاع فيها هما "ست"، الذي كان رمزا لأخطاء البشرية وشرورها، فعبروا به عن الشر والخيانة والحسد، أما الطرف الثاني فهو "أوزوريس"، الذي كان علما على الحياة المتجددة، وتقول الأساطير إنه كان ملكا صالحا مرسلا من الإله "رع" لإقامة العدل وحمل تعاليم السماء إلى الأرض".
وأشار شاكر إلى ما تحكيه الأسطورة، لافتا إلى أن القصة تروي "كيف غـدر "ست" بأخيه "أوزوريس" الذي كان يبغض فيه الجمال والحكمة والخير، فمكر به ودبر مكيدة للقضاء عليه، فاتفق مع أعوانه من آلهة السوء والشـر، أن يقيموا له حفـلا تمجيدا لأعماله الخالدة وتكريمًا لذاته، وذلك بنية الغدر به، وأنهم أعدوا تابوتا جميلا كسوته من الذهب، وزعم "ست" بأنه يقدم هذا التابوت النفيس هدية منه لأي من الحاضرين الذي يأتي على مقاسه ويناسبه، وهكذا جرب كل الحاضرين حظه في التابوت دون جدوى، حتى جاء دور "أوزوريس"، وما إن رقد فيه حتى أغلق "سـت" وأعوانه عليه الغطاء ثم حملوا التابوت وألقـوه في النيل، فحمله التيار حتى وصل إلى الشاطئ الفينيقي بمدينة بيبلوس بجوار شـجرة ضخمة وارفة الظلال حوت التابوت في أحضانها بأمان، وكانت في بيبلوس هذه ملكة جميلة هي الإلهة "عشتروت" التي خرجت ذات يوم تتريض فبهرتها الشجرة الجميلة النادرة فوقفت مشدودة من الدهشة وأمرت بنقلها إلى حديقة قصرها".
وفي حديثه عن الأسطورة، أكمل الخبير المصري قائلا: "بعد أن عثرت عليه "إيزيس"، طلبت من "عشتروت" أن تهديها جذع الشجرة الذي يضم تابوت زوجها، فأهـدته لها، وأمرت حراسها أن يحملوا جذع الشجرة إلى سفينة أعدتها لها لتحملها هي وشجرتها المقدسة وتبحر بها إلى أرض مصر".
وأضاف: "لما وصلت أرض مصر أخرجت الجثة من تابوتها ونفـخت فيها من أنفاسها فردت إليها الحياة، فباركها "أوزوريس" هي وابنها "حورس"، ثم صعد إلى السـماء ليعتلي العرش ويصير ملكا للعالم الآخر ورئيسها لمحكمة الآخرة، وقيما على الجنة والنار، أما "إيزيس" فقد أطلق عليها المصريون القدماء اسم الأم المقدسة التي تمنح الحـياة وتفرج الكروب وتشرح الصدور"، لافتا إلى أنه "كان للثالوث المقدس من الحب والاحترام في نفوس المصريين، واستمر اعتقادهم بهذه القصة على مدار التاريخ القديم، خصوصا خلال فترات المحن والاضمحلال والأمل في الثالوث المقدس للنجاة، فكان عيد الميلاد، أو عيد "أوزوريس" وتمثيل الإله وقيامته من أعز ما يحتفل به المصريون، ومن أهم أعيادهم الدينية نسبة إلى حورس من روح الإله".
واستطرد: "كان يحتفل بهذا العيد في أول شهر "كيهك"، وهو رابع أشهر التقويم المصري، حين تنحسر مياه الفيضان فتعود الخضرة إلى الأرض، التي ترمز إلى بعث الحياة، وقد اصطلح المصريون القدماء على تهنئة بعضهم البعض بقولهم "سنة خضراء"، وهي من الاصطلاحات العامية التي مازالت تعيش على شفاهنا".
واعتبر الخبير أنه "من أسطورة الثالوث المقدس أو أسطورة الميلاد، نرى أن "أوزريس" قد عاش ومات وردت إليه الحياة ثانية، فأصبح شـجرة خضراء، لذا كان المصريون القدماء يرمزون للحياة المتجددة في مثل هذا اليوم من كل عام، وكان عظماء المصريين يحتفلون في العاصمة المقدسة "أبيدوس" بعيد شجرة "أوزير" أمام معبده، فيأتون بأكثر الأشجار اخضـراراً لنصبها وزرعها في وسط الميدان، الذي يكتظ بالرجال والنساء والأطفال والشباب الفقراء والضعفاء، انتظارا للهدايا والعطايا، حيث يُلقون بطلباتهم وأمنياتهم مكتوبة على الشقافات والبرديات تحت شجرة المعبود "أوزير" فيحققها لهم الكهنة قدر الإمكان".
وأشار مجدي شاكر إلى أن "أهم تقاليد عيد الميلاد عند المصريين القدماء كان الاحتفال بشجرة الحياة التي يختارونها من الأشجار الدائمة الخضرة التي تحتفظ بخضرتها طوال العام، وأنه قد سرت هذه العادة من الشرق إلى الغرب، فخرجت من مصر ومنها إلى بابل، ثم عبرت البحر المتوسط لتظهر في أعياد الرومان، ثم تعود لتظهر مرة أخرى في أعياد ميلاد السيد المسيح وشجرة الكريسماس الخضراء".