"أنتِ ما بتعرفي تمشي.. وعم تمشي متل الرجل الآلي"، كلمات كانت كفيلة بالتأثير في نفس الطفلة السورية ريان وإحساسها بالعجز، بعد تعرضها للتنمّر من قبل طفل تركي في إحدى المدارس التركية، في أثناء انتظارها والدها الذي اعتاد على اصطحابها إلى المنزل كل يوم.
ريان، طفلة سورية حالها حال آلاف الأطفال السوريين الذين أفقدتهم الحرب أغلى ما يملكون ليكملوا حياتهم بأطراف اصطناعية حصلوا عليها بعد رحلة لجوء مريرة، ورغم تحديها وقوتها لم تكن تعلم أنها ستواجه إساءة وإيذاء من نوع مختلف وهو "التنمّر" الذي يتعرض له أطفال سوريون باستمرار في بعض مدارس تركيا.
بساق اصطناعية وأخرى مصابة تعاني من مرارة ألمها بعد تعرضها لانفجار ملغّمة، تحاول ريان إكمال تعليمها للوصول إلى حلمها في بلد اللجوء، ورغم إمكانية ذهابها إلى المدرسة على الكرسي المتحرك، فإنها آثرت المشي على ساقيها المنهمكين من أجل عدم إظهار عجزها أمام زملائها في المدرسة، قبل تعرضها للتنمر.
تقول والدة الطفلة لموقع تلفزيون سوريا إنه في أثناء انتظار ريان لوالدها أمام المدرسة، وجه أحد الأطفال الأتراك كلاما قاسياً إلى طفلتها إذ شبّه خطواتها "بالرجل الآلي"، ما أثر عليها بشكل سلبي لتعود إلى المنزل بغصة واضحة وتنفجر بالبكاء.
رحلة الغربة
تروي والدة الطفلة قصة ريان بعد إصابتها وخضوعها لقرابة 25 عملية جراحية في قدمها المصابة، إلى جانب تجارب قاسية لتصل إلى ماهي عليه اليوم.
وتقول إنه في عام 2014، تعرضت ريان للإصابة إثر انفجار سيارة ملغّمة في منطقة زملكا بغوطة دمشق الشرقية، في أثناء لعبها إلى جانب ابن عمها الذي وافته المنية في اللحظة ذاتها، وفقدت ريان ساقها اليسرى بينما تضرّرت اليمنى بشكل كبير، إضافة لإصابات أخرى في الأمعاء والحوض، لتبدأ معها رحلة من المعاناة في ظل انقطاع العلاج وقلة المواد بسبب الحصار الذي كان مفروضاً على الغوطة الشرقية من قبل قوات الأسد آنذاك.
وبعد سنوات من المعاناة وصلت ريان، عام 2017، إلى مناطق الشمال السوري ومنها انتقلت إلى تركيا مع والدتها فقط، قبل أن يلتحق بها والدها وإخوتها لتبدأ رحلة العلاج، وبفضل العلاج الذي تلقته في المشافي التركية تخلصت من الالتهابات في القدم المصابة إلى جانب تأمين قدم اصطناعية للطرف المبتور، لكن رحلتها لم تنته، فهي مازالت بحاجة للعديد من العمليات الجراحية.
أطفال سوريون
أطفال سوريا من ذوي الاحتياجات الخاصة بين المطلوب والموجود ورغم إصابتها فإنها تميّزت بشكل كبير في دراستها، حسب ما قالت والدتها، فهي طالبة متفوقة في دراستها باللغة التركية منذ دخولها المدارس التركية في الصف الثاني الأمر الذي أدى إلى نقلها إلى الصف السابع الإعدادي بعد انتهائها من الصف الخامس مباشرة نظراً لسنها.
كذلك أنشأت ريان قناة لها على منصة "يوتيوب" تشارك فيها مقتطفات من حياتها، إضافة لدروس تعليم باللغة التركية لتكون بمثابة انطلاقة جديدة لها في الحياة.
أسباب التنمّر
قصة ريان ليست الأولى في حوادث التنمّر التي يتعرض لها الأطفال السوريون في المدارس التركية بحسب ما يشاركه الأهالي - عبر مواقع التواصل الاجتماعي - من قصص تنمّر تعرّض لها أطفالهم في المدراس التركية، لتتفاقم هذه الظاهرة بشكل كبير خلال العام الماضي، خاصة في ظل غياب القوانين والإجراءات الرادعة للتنمّر.
وتعود ظاهرة التنمّر في المدارس إلى عدة أسباب، حسب الناشط طه الغازي الذي عمل لفترة تتجاوز خمس سنوات في مديرية التعليم التركية.
السبب الأول: تنامي حدة وتيرة خطاب الكراهية والعنصرية الذي بات يؤثر على معظم أطياف المجتمع التركي، حيث إن الطالب التركي بدأ يتغذى شيئاً فشيئاً بما يسمعه في محيطه من عائلته ومجتمعه ببعض المشاعر التي فيها نوع من الكراهية، نحو الأجانب بغض النظر عن كونه سوري الجنسية أو غير ذلك، فالأطفال الأتراك في المدارس هم جزء من حالة مجتمعية تركية، فهم مهيؤون ومعرضون للتأثر بهذا الخطاب.
أما السبب الثاني حسب وجه نظر الغازي: فهو غياب الكوادر التعليمية السورية عن المدارس، إذ إنه في السابق كان وجود الكوادر السورية بمثابة أمان وبيئة ضامنة تحمي الطالب السوري من حالات التنمّر، إذ كان في حال حصول أي مشكلة يجد الطالب السوري من يراجعه ويساعده، بينما اليوم وبعد فصل المدرسين السوريين من المدارس، ترك غيابهم فراغاً كبيراً وفرصة لتنامي خطاب الكراهية والعنصرية، إضافة للسلوكيات المسيئة ضد الطلاب السوريين.
وأفاد الغازي أن السبب الثالث: هو جزئي لكنه ملاحظ وموجود في الآونة الأخيرة، ويعود إلى تصرفات وسلوكيات بعض المدرسين وأعضاء الإدارة في المدارس تجاه الطلاب السوريين، حيث تحمل بعض تصرفاتهم في طياتها مشاعر وسلوك كراهية أو عنصرية، وهذا الأمر يكون بمثابة دافع للطالب التركي للتمادي في تصرفات التنمر ضد الطلاب السوريين.
ويرى الغازي أن "الطفل التركي يكون متأثراً بمشاعر وعواطف وتعامل أسرته تجاه ملف السوريين ويترجمها على شكل سلوكيات في المدرسة"، مؤكداً أن حلول هذه القضايا يحتاج إلى جهد كبير وفترة زمنية معينة بحيث لا يمكن معالجتها في فترة زمنية قصيرة.
ويشير تقرير صادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) في العام 2017 بأن 19٪ من الطلاب في عمر 15 عاماً في تركيا يتعرّضون للعنف الجسدي أو اللفظي من قبل أقرانهم في المدارس عدة مرات في الشهر.
آثار نفسية
عقب انتشار قصة الطفلة ريان التي كتبها والدها على حسابه في "فيس بوك"، لاقت القضية تعاطفاً واسعاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي من قبل الأهالي الذين شاركوا تفاصيل لحوادث مشابهة وتداولوها على مواقع التواصل، في تأكيد واضح بأن ظاهرة التنمر عامة وتؤدي إلى آثار نفسية كبيرة في نفس الطالب وبحاجة لحل.
وفي مطلع تشرين الأول 2019، ضجت وسائل التواصل الاجتماعي، بقصة الطفل السوري وائل السعود
ذي التسع سنوات الذي انتحر بسبب العنصرية التي تعرض لها في مدرسته من قبل رفقاء الصف والمدرسين لأنه سوري، بعد معاناته من الإقصاء.
وحول آثار التنمر في نفس الطالب تقول الاختصاصية النفسية، ضحى حزان، لموقع تلفزيون سوريا إنّ "التنمّر هو ممارسة أي نوع من أنواع العنف الجسدي أو اللفظي أو الاجتماعي أو العاطفي النفسي من قبل طفل يشعر أو يمتلك القوة على طفل أضعف، ما يؤدي إلى نتائج وآثار سلبية واضحة ومدمرة نفسياً، تبقى آثارها للمدى البعيد، وينعكس على جميع جوانب حياة الطفل الاجتماعية في المستقبل، ويساهم في تنشئة شخصية غير سوية وعدوانية".
وتؤكد حزان أنه من أحد آثار التنمّر يكون "عدم الرغبة في إتمام عملية التعليم والهروب إلى سوق العمل الحر في سن مبكر وبشكل غير قانوني"، مشيرة إلى أن "البعض من الأطفال الذين تعرضوا للتنمر ستنشأ لديهم رغبة في ممارسة التنمر أيضاً".
وترى حزان أن مكافحة هذه الظاهرة يمكن من خلال جلسات التوعية الجماعية في المدارس من قبل المنظمات الإنسانية أو وسائل الإعلام، وخلق نشاطات تفاعلية مشتركة في المدارس بشكل مكثف توضح آثار التنمر وأضراره وتقديم المساعدة للأطفال الذين تعرضوا للتنمر من قبل متخصصين.
والد الطفلة ريان طالب في ختام حديثه، جميع الأهالي بالاهتمام بتربية الأطفال وتوعيتهم حول بعض الأمور الحسّاسة التي من الممكن أن تكون سبباً في كسر قلوب الآخرين.
ريان، طفلة سورية حالها حال آلاف الأطفال السوريين الذين أفقدتهم الحرب أغلى ما يملكون ليكملوا حياتهم بأطراف اصطناعية حصلوا عليها بعد رحلة لجوء مريرة، ورغم تحديها وقوتها لم تكن تعلم أنها ستواجه إساءة وإيذاء من نوع مختلف وهو "التنمّر" الذي يتعرض له أطفال سوريون باستمرار في بعض مدارس تركيا.
بساق اصطناعية وأخرى مصابة تعاني من مرارة ألمها بعد تعرضها لانفجار ملغّمة، تحاول ريان إكمال تعليمها للوصول إلى حلمها في بلد اللجوء، ورغم إمكانية ذهابها إلى المدرسة على الكرسي المتحرك، فإنها آثرت المشي على ساقيها المنهمكين من أجل عدم إظهار عجزها أمام زملائها في المدرسة، قبل تعرضها للتنمر.
تقول والدة الطفلة لموقع تلفزيون سوريا إنه في أثناء انتظار ريان لوالدها أمام المدرسة، وجه أحد الأطفال الأتراك كلاما قاسياً إلى طفلتها إذ شبّه خطواتها "بالرجل الآلي"، ما أثر عليها بشكل سلبي لتعود إلى المنزل بغصة واضحة وتنفجر بالبكاء.
رحلة الغربة
تروي والدة الطفلة قصة ريان بعد إصابتها وخضوعها لقرابة 25 عملية جراحية في قدمها المصابة، إلى جانب تجارب قاسية لتصل إلى ماهي عليه اليوم.
وتقول إنه في عام 2014، تعرضت ريان للإصابة إثر انفجار سيارة ملغّمة في منطقة زملكا بغوطة دمشق الشرقية، في أثناء لعبها إلى جانب ابن عمها الذي وافته المنية في اللحظة ذاتها، وفقدت ريان ساقها اليسرى بينما تضرّرت اليمنى بشكل كبير، إضافة لإصابات أخرى في الأمعاء والحوض، لتبدأ معها رحلة من المعاناة في ظل انقطاع العلاج وقلة المواد بسبب الحصار الذي كان مفروضاً على الغوطة الشرقية من قبل قوات الأسد آنذاك.
وبعد سنوات من المعاناة وصلت ريان، عام 2017، إلى مناطق الشمال السوري ومنها انتقلت إلى تركيا مع والدتها فقط، قبل أن يلتحق بها والدها وإخوتها لتبدأ رحلة العلاج، وبفضل العلاج الذي تلقته في المشافي التركية تخلصت من الالتهابات في القدم المصابة إلى جانب تأمين قدم اصطناعية للطرف المبتور، لكن رحلتها لم تنته، فهي مازالت بحاجة للعديد من العمليات الجراحية.
من أول ما اجيت على هالبلد وأنا بتحاشى الناس ومابخالطهم الا للحاجة الضرورية تجنباً للمشاكل ومابعامل حدا الا بكل احترام...
Posted by أبو ريان on Tuesday, January 11, 2022
أطفال سوريون
أطفال سوريا من ذوي الاحتياجات الخاصة بين المطلوب والموجود ورغم إصابتها فإنها تميّزت بشكل كبير في دراستها، حسب ما قالت والدتها، فهي طالبة متفوقة في دراستها باللغة التركية منذ دخولها المدارس التركية في الصف الثاني الأمر الذي أدى إلى نقلها إلى الصف السابع الإعدادي بعد انتهائها من الصف الخامس مباشرة نظراً لسنها.
كذلك أنشأت ريان قناة لها على منصة "يوتيوب" تشارك فيها مقتطفات من حياتها، إضافة لدروس تعليم باللغة التركية لتكون بمثابة انطلاقة جديدة لها في الحياة.
أسباب التنمّر
قصة ريان ليست الأولى في حوادث التنمّر التي يتعرض لها الأطفال السوريون في المدارس التركية بحسب ما يشاركه الأهالي - عبر مواقع التواصل الاجتماعي - من قصص تنمّر تعرّض لها أطفالهم في المدراس التركية، لتتفاقم هذه الظاهرة بشكل كبير خلال العام الماضي، خاصة في ظل غياب القوانين والإجراءات الرادعة للتنمّر.
وتعود ظاهرة التنمّر في المدارس إلى عدة أسباب، حسب الناشط طه الغازي الذي عمل لفترة تتجاوز خمس سنوات في مديرية التعليم التركية.
السبب الأول: تنامي حدة وتيرة خطاب الكراهية والعنصرية الذي بات يؤثر على معظم أطياف المجتمع التركي، حيث إن الطالب التركي بدأ يتغذى شيئاً فشيئاً بما يسمعه في محيطه من عائلته ومجتمعه ببعض المشاعر التي فيها نوع من الكراهية، نحو الأجانب بغض النظر عن كونه سوري الجنسية أو غير ذلك، فالأطفال الأتراك في المدارس هم جزء من حالة مجتمعية تركية، فهم مهيؤون ومعرضون للتأثر بهذا الخطاب.
أما السبب الثاني حسب وجه نظر الغازي: فهو غياب الكوادر التعليمية السورية عن المدارس، إذ إنه في السابق كان وجود الكوادر السورية بمثابة أمان وبيئة ضامنة تحمي الطالب السوري من حالات التنمّر، إذ كان في حال حصول أي مشكلة يجد الطالب السوري من يراجعه ويساعده، بينما اليوم وبعد فصل المدرسين السوريين من المدارس، ترك غيابهم فراغاً كبيراً وفرصة لتنامي خطاب الكراهية والعنصرية، إضافة للسلوكيات المسيئة ضد الطلاب السوريين.
وأفاد الغازي أن السبب الثالث: هو جزئي لكنه ملاحظ وموجود في الآونة الأخيرة، ويعود إلى تصرفات وسلوكيات بعض المدرسين وأعضاء الإدارة في المدارس تجاه الطلاب السوريين، حيث تحمل بعض تصرفاتهم في طياتها مشاعر وسلوك كراهية أو عنصرية، وهذا الأمر يكون بمثابة دافع للطالب التركي للتمادي في تصرفات التنمر ضد الطلاب السوريين.
ويرى الغازي أن "الطفل التركي يكون متأثراً بمشاعر وعواطف وتعامل أسرته تجاه ملف السوريين ويترجمها على شكل سلوكيات في المدرسة"، مؤكداً أن حلول هذه القضايا يحتاج إلى جهد كبير وفترة زمنية معينة بحيث لا يمكن معالجتها في فترة زمنية قصيرة.
ويشير تقرير صادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) في العام 2017 بأن 19٪ من الطلاب في عمر 15 عاماً في تركيا يتعرّضون للعنف الجسدي أو اللفظي من قبل أقرانهم في المدارس عدة مرات في الشهر.
آثار نفسية
عقب انتشار قصة الطفلة ريان التي كتبها والدها على حسابه في "فيس بوك"، لاقت القضية تعاطفاً واسعاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي من قبل الأهالي الذين شاركوا تفاصيل لحوادث مشابهة وتداولوها على مواقع التواصل، في تأكيد واضح بأن ظاهرة التنمر عامة وتؤدي إلى آثار نفسية كبيرة في نفس الطالب وبحاجة لحل.
وفي مطلع تشرين الأول 2019، ضجت وسائل التواصل الاجتماعي، بقصة الطفل السوري وائل السعود
ذي التسع سنوات الذي انتحر بسبب العنصرية التي تعرض لها في مدرسته من قبل رفقاء الصف والمدرسين لأنه سوري، بعد معاناته من الإقصاء.
وحول آثار التنمر في نفس الطالب تقول الاختصاصية النفسية، ضحى حزان، لموقع تلفزيون سوريا إنّ "التنمّر هو ممارسة أي نوع من أنواع العنف الجسدي أو اللفظي أو الاجتماعي أو العاطفي النفسي من قبل طفل يشعر أو يمتلك القوة على طفل أضعف، ما يؤدي إلى نتائج وآثار سلبية واضحة ومدمرة نفسياً، تبقى آثارها للمدى البعيد، وينعكس على جميع جوانب حياة الطفل الاجتماعية في المستقبل، ويساهم في تنشئة شخصية غير سوية وعدوانية".
وتؤكد حزان أنه من أحد آثار التنمّر يكون "عدم الرغبة في إتمام عملية التعليم والهروب إلى سوق العمل الحر في سن مبكر وبشكل غير قانوني"، مشيرة إلى أن "البعض من الأطفال الذين تعرضوا للتنمر ستنشأ لديهم رغبة في ممارسة التنمر أيضاً".
وترى حزان أن مكافحة هذه الظاهرة يمكن من خلال جلسات التوعية الجماعية في المدارس من قبل المنظمات الإنسانية أو وسائل الإعلام، وخلق نشاطات تفاعلية مشتركة في المدارس بشكل مكثف توضح آثار التنمر وأضراره وتقديم المساعدة للأطفال الذين تعرضوا للتنمر من قبل متخصصين.
والد الطفلة ريان طالب في ختام حديثه، جميع الأهالي بالاهتمام بتربية الأطفال وتوعيتهم حول بعض الأمور الحسّاسة التي من الممكن أن تكون سبباً في كسر قلوب الآخرين.