إرم نيوز ”لم يعد يعنيني من الوطن إلا أنه مكان تولدي“، عبارة قالها الشاب السوري فادي.ع (31 عاماً)، الذي يعيش في اليونان منذ 3 أعوام.وأضاف: ”أنا لا أنكر أن سوريا بلاد لها حضارتها وإرثها وعراقتها، لكنني لا أشعر بالانتماء لها، والسبب هو كمية النفاق والتناقضات التي نعيشها في سوريا، والهوة بين ما نقدّسه ونتغنى به وبين ما يظهر في سلوكياتنا..“.يقيم فادي، الذي يعمل طباخاً، في أثينا، ويعيش حالة من عدم الانسجام مع أقرانه خلال زياراته المتقطعة إلى سوريا.وأوضح لـ“إرم نيوز“: ”أشتاق كثيراً لأهلي وأصدقائي لكنني أشعر بالغربة بينهم، أحاديثهم واهتماماتهم لم تعد تستهويني، وكل ما يجري في تلك البلاد من أفراح وأتراح لم أعد أشعر بالألفة نحوه“.وعرّفت الاختصاصية النفسية رندا زرق الله الانتماء بأنه ”شعور الإنسان بوجود أرض ومجتمع ينتمي إليهم ويربطه به تاريخ ولغة وواقع مشترك“.وأضافت، في حديثها لـ ”إرم نيوز“: ”الإنسان ينتمي للمجتمع الذي يشعر بأنه يشترك معه في هذه القواسم، ويفقد الإنسان شعوره بالانتماء بفقدان الوطن لهذه العناصر، أي عندما يصبح العيش فيه مصدر ألم وعندما لا يجد الشخص من يشاركه فرحه ووجعه ويواسيه ويتعاطف معه“.وأكدت رزق الله، التي تعمل في مجال الدعم والعلاج النفسي للمهجرين العراقيين والسوريين منذ عام 2003، أن ”الانتماء يضعف وربما يزول عندما يُضرب مفهوم العيش المشترك وتتصدع المسلمات والثوابت التي يقوم عليها هذا الوطن“.وتابعت: ”عند فقدان الانتماء يقع الفرد في حالة انفصال عن الواقع لأنه يفقد منظومة الانتماءات التي تضمن له الوقاية من التشتت والذهان واللاجدوى“.خسائر حرب معنويةبينما أوضحت الشابة الفلسطينية هيا. ص (27 عاماً) لـ ”إرم نيوز“ عند سؤالها عن سبب فقدانها الانتماء لوطنها قائلة إن ”السبب هو أن أبسط حقوقي لا يقدمها لي هذا الوطن.. أتحدث هنا عن الماء والكهرباء والوقود“.وأضافت: ”المواطن أصبح يشعر بالسعادة إذا تنعّم بالكهرباء لنصف ساعة متواصلة، أية حياة هذه! لذلك تحولت مشاعر الانتماء للوطن إلى خليط من مشاعر الخوف والحزن والتوتر“.فيما لا تشعر هيا الفلسطينية – السورية بالانتماء أيضاً لهولندا التي اغتربت فيها رغم أنها تقدم لها كل مستلزمات الحياة، وقالت: ”شعور الغربة أصبح هنا وفي الشام، أما فلسطين فلم أرها قط.. هو شعور مؤلم جداً، خاصة عندما ترى نظراءك الأجانب هنا يتغنون ببلادهم وينظمون قصائد الحنين إلى الوطن“.وتقع المسؤولية على عاتق الحرب بحسب رأي المحللة النفسية رزق الله: ”شظايا الحرب تطال العيش المشترك والرموز والتاريخ كما تعصف بالعادات والتقاليد فتحول شعور الانتماء إلى مشاعر عدوانية وكره وغضب على الوطن والمجتمع مما ينتج مزيد من التهشيم والتحطيم لفكرة الانتماء“.وقالت كريستينا. ر (29 عاماً)، وهي عراقية حاصلة على الجنسية الهنغارية منذ 7 أعوام لـ ”إرم نيوز“: ”أنتمي للوطن عبر عاداته وتقاليده وطقوسه التي ما زلت أمارسها حتى الآن، لكن بعد عامين على الغربة، وخلال أول زيارة، بتّ أشعر بأنني غريبة، لا أنتمي إلى طريقة تفكير العراقيين، والاهتمامات لم تعد مشتركة“.وتابعت: ”أما المجر بلدي الثاني فرغم أنني أتحدث لغته وأختلط بشعبه منذ سنوات، لكنني لا أنتمي له ولا لعاداته ولا حتى لجلسات مجتمعه، أشعر أن انتمائي في حالة انفصام حقيقي“.إلى ماذا ننتمي؟اعتاد المغترب أن ينظر إلى غربته على أنها مكان معجون بصخب العمل وسكينة الوحدة، يهرب منه بالسفر حنيناً إلى الوطن على جناح الخيال، لكن خلال السنوات الأخيرة أصبح بلد الغربة بالنسبة للكثيرين هو الاستقرار والأمان، أما الوطن السقيم فلا تقوى مقوماته على جعله مكاناً صالحاً للعيش.يفضل داني. م (35 عاماً) العيش في برلين وعدم العودة إلى وطنه سوريا، لكنه لا يشعر بالانتماء لأي من البلدين، يقول لـ ”إرم نيوز“: “ تحول شعور الانتماء لسوريا إلى خليط من مشاعر الحزن واليأس، لذلك اخترت قضاء بقية سني حياتي في ألمانيا، البلاد التي أمنت لي حياة كريمة وفرصة عمل جيدة، لكنها ليست وطنا بالنسبة لي رغم استقراري فيها لمدة 20 عاماً“.ويختم المهندس الدمشقي حديثه: ”المحزن حقاً عندما ترى أقرانك في الغربة ينتظرون العطلة ليعودوا إلى وطنهم والفرحة تغمر وجههم، في الوقت الذي تسأل نفسك فيه... لماذا سأحزم أمتعتي..!؟ إلى أين أنا ذاهب..!؟ هو شعور اليتيم فعلاً..“.هل من علاج؟تجيب الاختصاصية النفسية رزق الله: ”في النهاية لا يوجد حياة بدون انتماء والأفضل عند فقدان الانتماء للوطن أن نحيي ذكرى الانتماء للوطن، على هيئة ذكريات بالحد الأدنى.. وأن نمضي نحو الانتماء للإنسانية والعالمية بدل التحول إلى الانتماءات الضيقة التي تؤدي بنا إلى التعصب والعدائية“.