في أربعة مقالات استعرضت جوانب متعددة لملف التركيبة السكانية الذي يشكل خطراً على هوية وثقافة الدول الخليجية ويقف حجر عثرة في وجه حصول مواطنيها على فرص عمل في القطاع الخاص المحرك الرئيس للاقتصاد. في مقال اليوم أحاول أن أتطرق لبعض الحلول المتاحة لتقليل تبعات هذا الملف. وقبل ذلك أذكر أن البحرين وفي خبر طازج أعلنت ارتفاع عدد التصاريح الجديدة الصادرة للعمالة الوافدة خلال الربع الأخير من العام 2021 إلى 50.4 ألف بزيادة نسبتها 45.3% مقارنة بنفس الفترة في 2020. وجاء هذا الرقم في سياق مؤشرات النمو الاقتصادي بعد الجائحة. وعلى الرغم من إيجابية أخبار التعافي الاقتصادي وتحسن النمو إلا أن وجود هذا العدد الكبير في بلد صغير للغاية ذي كثافة سكانية مرتفعة تعد الأعلى خليجياً «مساحة البحرين تبلغ 780 كيلومتراً مربعاً، وحجم الكثافة السكانية 1.924.6 نسمة لكل كيلومتر مربع» أمر يثير القلق خاصة إذا أخذنا في الحسبان صعوبة ترحيل هذه الأعداد في حال انتهت الحاجة لهم.

إذاً، ما الحل لمعضلة ملف التركيبة السكانية؟

فعلياً لا توجد حلول سريعة. فالوافد جاء ليبقى ولم تعد فكرة الترحيل الجماعي قائمة كما يتصور البعض، فلا الدول المصدرة للعمالة تقبل برجوعها الجماعي ولا حتى المجتمع الدولي ومنظماته الحقوقية سيسمحان بذلك. وأعود بتذكير القارىء بمقالات وزير العمل السابق عبدالنبي الشعلة «مأزق العمالة الوافدة» عام 2020 عندما ذكر أن سفيري الهند وباكستان رفضا عودة مواطنيهما خلال الجائحة واستنتج من خبرته أن هاتين الدولتين وغيرهما من الدول المصدرة للعمالة لن يقبلوا عودة العمال سواء أمس أو اليوم أو غداً؛ فهي دول تستفيد من المليارات من الدولارات جراء التحويلات النقدية من مواطنيها في الخليج ولن تقبل أن ينقطع هذا السيل من الأموال عنها. بل وصل الحد إلى أن يعتبر أحد أساتذة الجامعات في الهند أن مجرد التفكير في ترحيل العمالة الهندية من دول الخليج يعتبر بمثابة إعلان حرب.

ولعل أفضل الحلول النظرية التي ذكرتها سابقاً هو استحداث سياسة عامة تتعلق بالسكان تبدأ فيها دول الخليج في تنظيم هذا الملف الخطير بحيث تحمي مجتمعاتها ومواطنيها واقتصادياتها من تبعات تفوق عدد الوافدين على عدد المواطنين وسيطرتهم على عملية الإنتاج الاقتصادي من كل ناحية على أن تراعي هذه السياسة مصالح القطاع الخاص وتضمن استمراريته ونموه.

ولعله من المهم أيضاً أن تعمل دول الخليج حسب ما هو متاح من إمكانيات دون اللجوء إلى قفزات وحرق للمراحل في محاولات للحاق بركب دول كبيرة وذات ثقل اقتصادي. يعني ببساطة تتجنب أن تكون صاحبة المشاريع الأضخم والأوسع والأفضل على مستوى العالم ككل لما تتطلبه هذه المشاريع من أيدٍ عاملة كثيرة لا تملكها في الوقت الحالي. والأهم أن نستبدل كلمة وافد إلى مهاجر اقتصادي في كلامنا وأطروحاتنا لنستوعب جميعاً أن الموجودين ليسوا ضيوفاً كما نظن بل أناساً انتقلوا للعيش هنا إلى الأبد وهنا يدق ناقوس الخطر.

وللعلم من المرجح أن تزداد الضغوط الدولية على دول الخليج من باب حقوق الإنسان وحقوق المهاجرين لتجنيس العمالة الوافدة وتمثيلها سياسياً في البرلمانات. وهذه الخطوة متوقعة في أي وقت.