كنت أقرأ في سيرة الديكتاتور الإسباني فرانسيسكو فرانكو حين أُعلن عن وفاة ميخائيل غورباتشوف آخر زعيم سوفيتي، ولوهلة، تتعلق بالمفاجأة، حاول عقلي الظاهر والباطن وما بينهما ربط علاقة بين الزعيمين مستفيداً من خاصية (تغيير مسار التاريخ) التي تميز بها كليهما. واحدة من المؤثرات النفسية البالغة التي نتعرض لها حين يعمد الدماغ، أثناء صدفة ما، إلى ملء فراغ قد لا يكون موجوداً أصلاً، فيربط التداخلات المفاجئة وغير الواعية لبعض الأحداث، الأمر الذي يسبب لنا الخلط في الذاكرة، وسوء الفهم والظن، وكثيراً من الأوهام.
بكى الإعلام الغربي غورباتشوف بمرارة، ومجّد دوره العظيم في إنهاء الحرب الباردة. إنه الزعيم السوفيتي الذي فتح البلاد على الثقافة الغربية، وأنعش المؤسسات الديمقراطية، وأعطى الشعب السوفيتي، لأول مرة، حرية التعبير عن الرأي. لكن التقارير الإعلامية الغربية ذاتها كانت تفشل في ربط هذه الإنجازات العظيمة بأي انعكاس حقيقي على استقرار ورخاء السوفيت أو روسيا فيما بعد، فلا يمكن إنكار أن البلاد تفككت، والحروب دبت بين الجمهوريات، وأن الاقتصاد انهار وعاش الناس حقبة عصيبة من الفقر وتغلب المافيات وانهيار المنجزات التاريخية السابقة. نقل مراسلو BBC وCNN بكل وضوح وشفافية رأي الروس بأن غورباتشوف تسبب في خسارتهم لدولتهم العظمى، وبالكاد تمكن مراسل الـBBC من العثور على مواطن روسي واحد يقف في الطابور المتواضع لإلقاء النظرة الأخيرة على جثمان غورباتشوف، قائلاً للكاميرا «غوراتشوف زعيم عظم، لقد منحنا الحرية التي سُلبت منا اليوم»، وكان الغرب مستاء من عدم تنظيم الحكومة الروسية جنازة كبيرة لغورباتشوف تليق بدوره التاريخي المؤثر في العالم.
أما فرانسيسكو فرانكو فهو شخصية سياسية مثيرة فعلاً، كان له دور بارز في موقعه العسكري في الحرب الأهلية الإسبانية التي وقعت في ثلاثينيات القرن الماضي. بعد الحرب عين رئيساً للدولة وللحكومة وامتد حكمه حتى بداية السبعينات. عُرف عن فرانكو التنقل بين الحلفاء والمواقف، خصوصاً في الحرب العالمية الثانية، مما جعل الغرب يحكم على إسبانيا سنين طويلة بالعزلة عقاباً لفرانكو على حياده وتذبذبه تجاه دول الحلفاء، لكنه تمكن من كسب ثقة الأمريكان، وتفكيك القيود ضد إسبانيا. مارس فرانكو الديكتاتورية في أبشع صورها وأعدم الآلاف ممن كان يشتبه بهم، ففر مئات الآلاف من الإسبان نحو الأمريكتين، لكنه في الحقبة الثانية من حكمة اهتم بالتنمية الاقتصادية والتعليم، وحقق ما عرف بـ«المعجزة الإسبانية»، حيث صارت إسبانيا تنافس اليابان والغرب في التقدم العلمي ومستويات التنمية، وكانت خاتمة عهده تمهيداً لعودة الملكية الدستورية لإسبانيا واستئناف الحياة الديمقراطية. كيف جمع فرانكو هذه التناقضات في رجل واحد؟ إنه السؤال الذي طرح الإثارة في سيرة الديكتاتور فرانكو.
ما العلاقة بين شخصيتي غورباتشوف وفرانكو؟ لا شيء. إنها حالة وهم مر بها دماغي نتيجة تجاور حدثين: قراءة سيرة فرانكو وإعلان وفاة غورباتشوف، تماماً كحالة الوهم التي حاول الإعلام الغربي تمريرها؛ بأن انفتاح الاتحاد السوفيتي وإنهاء الحرب الباردة هي إنجازات عظيمة غيرت تاريخ روسيا والعالم للأفضل.
بكى الإعلام الغربي غورباتشوف بمرارة، ومجّد دوره العظيم في إنهاء الحرب الباردة. إنه الزعيم السوفيتي الذي فتح البلاد على الثقافة الغربية، وأنعش المؤسسات الديمقراطية، وأعطى الشعب السوفيتي، لأول مرة، حرية التعبير عن الرأي. لكن التقارير الإعلامية الغربية ذاتها كانت تفشل في ربط هذه الإنجازات العظيمة بأي انعكاس حقيقي على استقرار ورخاء السوفيت أو روسيا فيما بعد، فلا يمكن إنكار أن البلاد تفككت، والحروب دبت بين الجمهوريات، وأن الاقتصاد انهار وعاش الناس حقبة عصيبة من الفقر وتغلب المافيات وانهيار المنجزات التاريخية السابقة. نقل مراسلو BBC وCNN بكل وضوح وشفافية رأي الروس بأن غورباتشوف تسبب في خسارتهم لدولتهم العظمى، وبالكاد تمكن مراسل الـBBC من العثور على مواطن روسي واحد يقف في الطابور المتواضع لإلقاء النظرة الأخيرة على جثمان غورباتشوف، قائلاً للكاميرا «غوراتشوف زعيم عظم، لقد منحنا الحرية التي سُلبت منا اليوم»، وكان الغرب مستاء من عدم تنظيم الحكومة الروسية جنازة كبيرة لغورباتشوف تليق بدوره التاريخي المؤثر في العالم.
أما فرانسيسكو فرانكو فهو شخصية سياسية مثيرة فعلاً، كان له دور بارز في موقعه العسكري في الحرب الأهلية الإسبانية التي وقعت في ثلاثينيات القرن الماضي. بعد الحرب عين رئيساً للدولة وللحكومة وامتد حكمه حتى بداية السبعينات. عُرف عن فرانكو التنقل بين الحلفاء والمواقف، خصوصاً في الحرب العالمية الثانية، مما جعل الغرب يحكم على إسبانيا سنين طويلة بالعزلة عقاباً لفرانكو على حياده وتذبذبه تجاه دول الحلفاء، لكنه تمكن من كسب ثقة الأمريكان، وتفكيك القيود ضد إسبانيا. مارس فرانكو الديكتاتورية في أبشع صورها وأعدم الآلاف ممن كان يشتبه بهم، ففر مئات الآلاف من الإسبان نحو الأمريكتين، لكنه في الحقبة الثانية من حكمة اهتم بالتنمية الاقتصادية والتعليم، وحقق ما عرف بـ«المعجزة الإسبانية»، حيث صارت إسبانيا تنافس اليابان والغرب في التقدم العلمي ومستويات التنمية، وكانت خاتمة عهده تمهيداً لعودة الملكية الدستورية لإسبانيا واستئناف الحياة الديمقراطية. كيف جمع فرانكو هذه التناقضات في رجل واحد؟ إنه السؤال الذي طرح الإثارة في سيرة الديكتاتور فرانكو.
ما العلاقة بين شخصيتي غورباتشوف وفرانكو؟ لا شيء. إنها حالة وهم مر بها دماغي نتيجة تجاور حدثين: قراءة سيرة فرانكو وإعلان وفاة غورباتشوف، تماماً كحالة الوهم التي حاول الإعلام الغربي تمريرها؛ بأن انفتاح الاتحاد السوفيتي وإنهاء الحرب الباردة هي إنجازات عظيمة غيرت تاريخ روسيا والعالم للأفضل.