لا شيء يفصل بين حرية التعبير المُطلقة، والعبث بخصوصيات الناس، كلاهما وجهان لعملة واحدة، أو قُل مفسدة مطلقة، قولاً واحداً. شكلت وسائط الاتصال الحديثة على اختلاف أنواعها، عصراً ذهبياً من النادر أن يتكرر، ذلك أنها أتاحت فرصاً غير مسبوقة في التعبير السريع لا يمكن تخيلها، فالمعلومة التي تنبثق الآن بصرف النظر عن أهميتها فإنها تشتعل كالنار في الهشيم خلال ثوانٍ، وتبلغ الآفاق مهما كانت المسافات، بيد أنها قد تُشعل حرائق أيضاً في الجانب الآخر.
كانت حياتنا هادئة هانئة قبل أن تعكرها أنفاس وسائل التواصل الاجتماعي بما تنطوي عليه من قبائح وشرور، وكثيرون خسروا أخلاقهم وفقدوا رصيدهم من الثقة عندما ارتهنوا لهذه «التكنولوجيا السوداء»، وصارت ساحة للصراع والاستقواء، حتى أصبحنا بصدد صِدام في العقليات لدى جيل الإنترنت بعد أن أغرتهم الفكرة والتلذذ في بث الأراجيف والنيل من خصومهم المفترضين من دون رقيب أو حسيب.
ليس بوسع أحد منا اليوم أن يتحرر من «ديكتاتورية» وسائل التواصل الاجتماعي التي تُخضِع الجميع غصباً لحساباتها، فهي أشبه بالأفيون الذي يتمكّن منا دون أن نشعر أو نتفطّن. كلنا يعتبر هذه المخلوقات الإلكترونية جزءاً من شخصيته اليومية وبالتالي لن يستطيع التحرر أو الاستغناء عنها رغم المخاطر التي تتسبب بها، على قاعدة «شر لا بد منه»، ولعمري أن ذلك هو الخطر بعينه، فالاستقواء بهذه الوسائل لن يعصم أحداً بقدر ما يؤدي إلى الخراب والشواهد عديدة لا سبيل لحصرها.
دخلنا مرحلة خطيرة من التحوّل المجتمعي بعد أن تمكّنت هذه «الآفة» من إعادة رسم شخصياتنا وهوياتنا وصارت ترسم كل تفاصيل حياتنا اليومية. فالعادات والأعراف وكثير من التقاليد تبدلت بعد أن ظلت محصنة رغم كل محاولات التغيير وأدوات طمس الهوية، والأخلاق أيضاً جرى استبدالها بأخرى، فالخطوط الاجتماعية الحمراء التي طالما تباهينا بها أصبحت من المباحات، وصار التعدي عليها شيئاً مألوفاً، وبات الجميع يفكر كيف يجمع المال من خلال «الترندات»، مهما كانت النتائج والأساليب.
تنتعش مواقع التواصل الاجتماعي عادة في الأزمات والأحداث المهمة التي تحوم حولها في بعض الأحيان التأويلات وشيء من علامات الاستفهام بسبب نقص المعلومات ربما، أو خطأ في الإدارة، ويغلب على هذه المنصات لهجة النقد وعدم قبول الرأي الآخر واغتيال الشخصية ويصل الأمر إلى حد التشهير والإهانة والتجريح وإلى مستوى العدائية والكراهية والتجنّي الذي تزخر به هذه المنصات حتى لو توفرت كامل المعلومات في وقت لاحق، وبالتالي يصبح من الصعب السيطرة على سيل الشائعات التي لا تجد من يدقق وراءها أو يبحث عن حقيقة ما جرى. هذا الفضاء المفتوح على كافة أشكال السخرية بدون ضوابط، عادة يتجلى في إطار نقد الواقع السياسي والظواهر الاجتماعية السلبية وكذلك الشخصيات العامة، من دون تدقيق قبل إطلاق الأحكام القاسية جزافاً. وفي إطار ذلك أصبح انتشار ثقافة «التصوير المجاني» عادة مقلقة ومفزعة وفيها انتهاك صارخ للخصوصيات، وصار واحدنا يمشي في الشارع وهو يشعر أنه مراقَب وعليه ألف ألف رقيب. في قضايا الوطن هناك دائماً تعدٍّ على المرتكزات من قبل تصرّفات قبيحة وهمجية لا تتوافق مع المبادئ الوطنية تعود لمنصات أغلبها يقيم في الخارج وتستسهل النقد وجلد الذات الوطنية، وهذا ربما يستدعي وضع حدٍّ لهذا «التسونامي الإلكتروني» من خلال نصوص قانونية رادعة تحدّ من المحتويات غير المنضبطة، وحماية خصوصيات الوطن والناس التي يجري العبث بها من دون رادع قانوني أو أخلاقي.
{{ article.visit_count }}
كانت حياتنا هادئة هانئة قبل أن تعكرها أنفاس وسائل التواصل الاجتماعي بما تنطوي عليه من قبائح وشرور، وكثيرون خسروا أخلاقهم وفقدوا رصيدهم من الثقة عندما ارتهنوا لهذه «التكنولوجيا السوداء»، وصارت ساحة للصراع والاستقواء، حتى أصبحنا بصدد صِدام في العقليات لدى جيل الإنترنت بعد أن أغرتهم الفكرة والتلذذ في بث الأراجيف والنيل من خصومهم المفترضين من دون رقيب أو حسيب.
ليس بوسع أحد منا اليوم أن يتحرر من «ديكتاتورية» وسائل التواصل الاجتماعي التي تُخضِع الجميع غصباً لحساباتها، فهي أشبه بالأفيون الذي يتمكّن منا دون أن نشعر أو نتفطّن. كلنا يعتبر هذه المخلوقات الإلكترونية جزءاً من شخصيته اليومية وبالتالي لن يستطيع التحرر أو الاستغناء عنها رغم المخاطر التي تتسبب بها، على قاعدة «شر لا بد منه»، ولعمري أن ذلك هو الخطر بعينه، فالاستقواء بهذه الوسائل لن يعصم أحداً بقدر ما يؤدي إلى الخراب والشواهد عديدة لا سبيل لحصرها.
دخلنا مرحلة خطيرة من التحوّل المجتمعي بعد أن تمكّنت هذه «الآفة» من إعادة رسم شخصياتنا وهوياتنا وصارت ترسم كل تفاصيل حياتنا اليومية. فالعادات والأعراف وكثير من التقاليد تبدلت بعد أن ظلت محصنة رغم كل محاولات التغيير وأدوات طمس الهوية، والأخلاق أيضاً جرى استبدالها بأخرى، فالخطوط الاجتماعية الحمراء التي طالما تباهينا بها أصبحت من المباحات، وصار التعدي عليها شيئاً مألوفاً، وبات الجميع يفكر كيف يجمع المال من خلال «الترندات»، مهما كانت النتائج والأساليب.
تنتعش مواقع التواصل الاجتماعي عادة في الأزمات والأحداث المهمة التي تحوم حولها في بعض الأحيان التأويلات وشيء من علامات الاستفهام بسبب نقص المعلومات ربما، أو خطأ في الإدارة، ويغلب على هذه المنصات لهجة النقد وعدم قبول الرأي الآخر واغتيال الشخصية ويصل الأمر إلى حد التشهير والإهانة والتجريح وإلى مستوى العدائية والكراهية والتجنّي الذي تزخر به هذه المنصات حتى لو توفرت كامل المعلومات في وقت لاحق، وبالتالي يصبح من الصعب السيطرة على سيل الشائعات التي لا تجد من يدقق وراءها أو يبحث عن حقيقة ما جرى. هذا الفضاء المفتوح على كافة أشكال السخرية بدون ضوابط، عادة يتجلى في إطار نقد الواقع السياسي والظواهر الاجتماعية السلبية وكذلك الشخصيات العامة، من دون تدقيق قبل إطلاق الأحكام القاسية جزافاً. وفي إطار ذلك أصبح انتشار ثقافة «التصوير المجاني» عادة مقلقة ومفزعة وفيها انتهاك صارخ للخصوصيات، وصار واحدنا يمشي في الشارع وهو يشعر أنه مراقَب وعليه ألف ألف رقيب. في قضايا الوطن هناك دائماً تعدٍّ على المرتكزات من قبل تصرّفات قبيحة وهمجية لا تتوافق مع المبادئ الوطنية تعود لمنصات أغلبها يقيم في الخارج وتستسهل النقد وجلد الذات الوطنية، وهذا ربما يستدعي وضع حدٍّ لهذا «التسونامي الإلكتروني» من خلال نصوص قانونية رادعة تحدّ من المحتويات غير المنضبطة، وحماية خصوصيات الوطن والناس التي يجري العبث بها من دون رادع قانوني أو أخلاقي.