إن قضية الاتجار بالبشر قضية عابرة الحدود، ومن الجرائم القديمة المطورة التي تدخل ضمن جرائهما جرائم الاتجار بالأعضاء البشرية، حالها كحال قضايا المخدرات وقضايا الإرهاب التي تؤثر في المجتمع وتخلق من ورائها مخلفات مجتمعية مسيئة للإنسانية، حيث يستغل مجرمو هذا النوع من الجرائم ضحاياهم من الفقراء من جميع الأعمار والمناطق في العالم، وبالتحديد العناصر النسائية والأطفال من الدول الفقيرة التي عانت من الحروب والأزمات السياسية والطبيعية كمنتج رئيسي لهم، فهي تشكل خطورة دولية لما يترتب عليها من جرائم أخرى مرتبطة بشكل كبير بالوضع المجتمعي في الدول لكونها من الجرائم الصامتة الناعمة التي تجري في الخفاء.

إن جريمة الاتجار بالأعضاء البشرية تحرم الضحايا من كرامتهم وحقوقهم الأساسية، لما يقع عليهم من عنف نفسي وجسدي واستغلال قسري وجنسي، ومنها لنزع الأعضاء وبيعها كتجارة مربحة تدر الأموال الطائلة لمجرمي هذا النوع من التجارة السوداء الذين يزداد نشاطهم أكثر وأكثر بتتبع الطفرات العلمية التي طالت جميع المجالات، ومنها المجال الطبي الذي شهد تطوراً هائلاً في عمليات زراعة الأعضاء البشرية كزرع الكبد، والرئة، والقلب، والكلية وغيرها من الأعضاء ودورها في إنقاذ العديد من مرضى قوائم الانتظار لإعادة الأمل، فكانت الحيرة في مدى مشروعية التبرع بالأعضاء البشرية ما بين إعادة الأمل للبعض ونزع كرامة الآخرين من خلال خروج عمليات زرع الأعضاء والأنسجة والخلايا البشرية عن إطارها المشروع في التنازل عن الأعضاء لقاء مقابل مادي أو أخذها دون الحصول على موافقة صاحبها، فكان استغلال حاجات الفقراء واليتامى، والقيام بعمليات الخطف وسرقة الأعضاء البشرية في أثناء العمليات الجراحية، وانتهاك حرمة أجساد الموتى. إفرازات سلبية أدت إلى التحول غير المشروع لعمليات التبرع بالأعضاء البشرية، حيث أصبح الجسم البشري مخزوناً إستراتيجياً لعناصر وقطع غيار تدر أموالاً طائلة، والأعضاء البشرية سلعة تخضع لمؤشرات السوق وأسعارها تحددها مافيات العصابات المنظمة الدولية، الأمر الذي يتعارض مع قدسية وكرامة الإنسان وحرمة جسده.

مسألة الاتجار بالأعضاء البشرية لها مؤيدون ومعارضون تتبين وجهاتهم من خلال القوانين والتشريعات الوطنية التي أخذت بها، ومنها مملكة البحرين التي ترجمت فعلياً وجهتها في هذه القضية من خلال قوانينها التي تعزز حقوق الإنسان وتحفظ كرامته وتجرم كل من يستغل ويسيء معاملة البشر بموجب القانون رقم (1) لسنة 2008 بشأن مكافحة الاتجار بالأشخاص وغيره من القوانين المتوافقة مع انضمام المملكة إلى سبعة من الصكوك الدولية التسعة الرئيسة لحقوق الإنسان، وما تقوم به من جهود إعلامية توعوية بالتعاون مع السفارات والقنصليات، والمنبثقة عن جهود اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص، والتي تقام بالتنسيق بين وزارات الداخلية والعدل والخارجية والتنمية الاجتماعية والإعلام وهيئة تنظيم سوق العمل وتعاونها مع السلطة القضائية ممثلة في المجلس الأعلى للقضاء ونيابة الاتجار بالأشخاص والمجتمع المدني في مكافحة الاتجار بالأشخاص واحترام حقوق الإنسان.

كما أن هناك أيضاً القوانين التي تخص نقل وزراعة الأعضاء البشرية، ومنها القانون رقم (166) لسنة 1998 في المادة الأولى منه، وغيرها من القوانين التي طبقت في عدد كبير من الدول ضمن التعاون الدولي، حيث أصدرت العديد من المراسيم والإعلانات والبروتوكولات.

جرائم أبعادها مدمرة على الأصعدة جميعها، تحول الضحايا من حال سيئ إلى أسوأ فتتدهور حالاتهم، وتعيق قدراتهم حتى الموت، حقيقة موجعة لا يمكن تجاهلها من الضرورة مواجهتها للتعامل معها، بضرورة توفير الحماية الخاصة لهؤلاء الأشخاص المانحين ليكونوا تحت رعاية مستمرة، حتى لا يتحولوا من ضحايا إلى مجرمين، حيث تشير الدراسات إلى أن الوسطاء هم في الغالب كانوا ضحايا سابقين، ولقطع هذه السلسلة المتتالية وإضعاف قوتها لا بد من فرض عقوبات دولية وقومية لمن يثبت تورطه في عمليات الوساطة، حيث هو رأي اللجنة الإيطالية القومية لأخلاقيات علم الأحياء والبحث، وما يؤكده شعار اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالبشر لهذا العام وهو «أصوات الضحايا تقود الطريق» وسيلة فاعلة في مكافحة الاتجار بالأشخاص لكونهم يشكلون دوراً حاسماً في وضع تدابير فاعلة لمنع هذه الجريمة وإنقاذ الضحايا لتحويل المقترحات إلى إجراءات قانونية ملموسة ونهج فاعل أكثر فاعلية.

إضاءة

إن التحرك الإعلامي في توعية المواطنين بخطورة هذا النوع من الجرائم وأثرها المجتمعي والدولي له دور كبير في منع انتشارها والحد منها، وإجراء الرقابة المشددة على المراكز الطبية المرخصة بالقيام بعمليات زراعة الأعضاء للكشف عن مدى تطبيقها والتزامها بالقوانين يحقق الأمن ويضمن الأمل، وتوفير فرص عمل للأفراد يحد من الوقوع فريسة في يد الشبكات الإجرامية.