استهلّت وزارة التربية والتعليم في فرنسا بداية السنة الدراسية الراهنة بتشريع مثير للجدل، بل صَادم، إذ هو ليس من قبيل تلك التّشريعات الداعمة للمخرجات التّعليمية والتَّمَيُّز، وإنّما هو يتَعلَّق بالتَّمييز بين رِداء وآخر، بحظرِ رِداءٍ وتقبُّلِ آخَر!
فرنسا تركت التَّحديات التي تواجهها المنظومة التّعليمية واكتظاظ الصفوف، وأضافت على كاهلها، إلى جانب الأزمة الاقتصادية الخانقة وارتفاع الأسعار ونسبة التضخم وتَبِعات الانخراط بحزم مساندة أوكرانيا، ودعم رئيس النيجر المطاح، وإدانة الانقلاب في الغابون، بأعبَاءَ حَظر العَباءة والقميص الطويل في المدارس!
فقد دعا الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى اتباع الحزم في منع ارتداء العباءة، قبل 3 أيام من بدء العام الدراسي الجديد، وأكد أن السلطات ستكون «حازمة» في تطبيق القانون الجديد عند استئناف الدراسة. وفي هذا الشأن أرسل وزير التربية الفرنسي، غابرييل أتال، مذكرة إلى رؤساء المؤسسات التعليمية أكد فيها أن ارتداء العباءة والقميص الطويل يعبر عن انتماء ديني في البيئة المدرسية ولا يمكن التسامح معه فيها.
هذا ولم يُعطَ قبل ذلك إخطار مسبقاً للطلبة ولأوليائهم يمنحهم مهلة من الزّمن كافية لاتخاذ التّدابير اللاّزمة للامتثال لهذا القرار الذي أصدر مع قَيدَ التَّنفيذ قُبيل برهة زمنية قصيرة من مباشرة الطلبة صفوفهم. إضافة إلى ذلك فإن الجهات الفرنسية المعنية بحظر العباءة وطول القمصان، اكتفت بأن تعزي هذا القرار إلى العمل على الحفاظ على مبدأ العلمانية للجمهورية الفرنسية، ولم تعمل على إعطاء هؤلاء الطلبة البديل المقبول أو المدلول المقبول لأي خيار قد يذهبون إليه، وذلك بالأخذ في الاعتبار المدلول المادي والمعنوي إلى جانب المدلول الوظيفي للعباءة أو القميص الطويل في خيار ارتداء الطلبة ذلك، سواء من منطلق الحرية الشخصية أو الإرث الثقافي.
للعباءة مدلولها المادي والمعنوي وكذلك الوظيفي، فهي كِساء لدى الأفراد من الإناث والذّكور أيضاً، مُكوناً مِنْ قِطْعَةٍ وَاحِدَةٍ، مفتُوح من الأمام، واسع بلا كُمّين، يُلبس فَوْق الثّياب، وهناك عباءة لمهن معينة مثل عَبَاءةُ الْمُحَامِي وهي الرِّداء الذي يرتَديه الْمحَامي عند المُرافعة، ويرتَديه الأُستاذ الْجامعِي في المحافلِ الرَسميَة كما هو مُتَعارَفٌ عليه في بعض البلدان الأوروبية والبلدان العربية.
العباءة في الزّي العربي ترمز إلى الأصالة والأناقة والرّفعة، فقد كان العرب قديماً يعدون العباءة أغلى من الذهب والأموال، والعباءة في الموروث الثقافي للقبائل العربية كانت ترمز إلى الفخر والرفعة وحين يتم إهداء العباءة لشخص ما فهذا يعني تكريماً ورفعة له، كما أنّ العباءة تعتبر رمزاً للوجاهة ومقياساً لرقي المكانة الاجتماعية، كما تحمل في مدلولها الحمى والانتماء حينما يخلع أحدهم عباءته ويكسيها لأحد ما، ويعني ذلك أنه قد أجاره، أو أصبح من عشيرته أو أهله.
علماً بأن للعباءة وظائف عدة ومنطلقات مختلفة بين الأفراد لارتدائها، قد تكون دينية، أو رسمية وفق طبيعة العمل، أو الجانب العملي تأقلماً مع الوقت أو تأقلماً مع الوضع المادي أو المظهر الشّخصي. والوظيفة المعنية بالحظر هي الوظيفة الدينية إذ يستند في ذلك على أن مبدأ لائكية البلد، ولكن يتغاضى في الوقت نفسه على مبدأ الحرية الذي هو المكون الأول لشعار الجمهورية الفرنسية، وفق ما تنصّ على ذلك المادة 2 من الدستور الفرنسي الصادر في 4 أكتوبر 1958.
وفي سياق هذا المكوِّن الأول، نتطرق إلى سائر المكوّنات التي تبدو مكمِّلة في ذات السِّياق النّاقِض والمُناقِض، تشريعياً، لحظر العباءة، حيث يشير مبدأ المساواة إلى وجوب المساواة بين الأفراد على اختلاف عقائدهم وألوانهم وأذواقهم، فالطلبة الذين لم يتِم التّدخل في شكل أو مدلول لبسهم، من قصر تنورة أو طولها، أو شفافية فستان أو كسامته، أو أي شكل من الأشكال، بما يوحي بطبيعة تدينهم، أو يوحي أيضاً بعدم تدينهم إذ يعدّ هذا في حدّ ذاته تديّناً باللّادين، يجب أن يكونوا على قدم المساواة مع الطلبة الذين تعرضوا للحظر على مَلبسهم.
ويتوجب في ذات السِّياق أيضاً أن نعرّج كذلك على المبدأ الثالث لشعار الجمهورية الفرنسية ألا وهو «الأخوة أو التّآخي» وهنا يعني التّعايش والتغاضي، فمبادئ ومقومات شعار الجمهورية جميعها يتعارض مع هذا الحظر وإن كان لا يتعارض مع عباءة اللّائكية التي تم إسدالها عليه. فالعلمانية أو اللائكية هي المبدأ القائم على فصلِ الحكومة ومؤسساتها والسّلطة السّياسيّة عن السّلطة الدّينيّة أو الشّخصيّات الدّينيّة، والهوية المدنية لطلبة المدارس لا تشكل أي سلطة سياسية أو تحمل تمثيلاً للحكومة ومؤسساتها، بل هم، إلى غاية ما قبل انتهاء المرحلة الثّانوية، تعريفهم بالحالة المدنية قُصَّ.
إنّ حظر العباءة بناء على الوظيفة الدينية كإحدى وظائفها، بحجة منع المظهر الدّيني، فإنّ هذا المظهر يمكن أن يتحقّق دون العباءة، بأي شكل من أشكال الّبس المحتشم، بينما حظر العباءة، هنا، يكون قد منع وظائف أخرى للعباءة، مثل وظيفة النَّاحية العَمليّة لها وتكمن في سهولة وسرعة الارتداء، فضلاً عن وظيفة الرّاحة النّفسية التي تتحقق لدى بعض الطلبة الذين يَعسُر عليهم مواكبة قوالب رشاقة الأجسام، ونذكر على وجه الخصوص والأهمّية، الوظيفة التي لا يتسنى لبعض الطلبة تعويضها بِإيجاد اللّبس البديل لهذه الوظيفة، ونتكلم هنا عن الطلبة المعوزين الذين تمنعهم ظروفهم المادية من توفير الزّاد الكافي من اللّبس اليومي اللّائق.
وباعتبار أنّ في المطلق، المبدأ، يقتضي بأنّ حظر أمر ما يستوجب توفير بدائلُه، فهل ستولي وزير التعليم الفرنسي توفير البدائل الوظيفية للعباءة للطلبة المعنيين بها في المدارس الفرنسية خاصة المعوزين منهم؟!
إنّ واقع الحال يقول إن حَظر العباءة لا يحظر التّديُن ولا يمكن أن يحظرُ كلَّ شكلٍ آخر من أشكاله، فلِم إحداث البلبلة والاختلاف في الرأي العام وكذلك السياسي؟
كما يقول إن ما لا يقبل في المدارس الحكومية من باب أولى وأحرى أن لا يقبل في المحافل الرسمية والوزارات، فهل سيتم حظر العباءة في هذا الإطار على رجال الدين ورجال السياسة؟
ويبقى السُّؤال المطروح، إذا اليوم العلمانية الفرنسية تحظر العباءة فهل ستَحظر أيضاً الأسماء الإسلامية باعتبارها مظهراً دينياً؟
فرنسا تركت التَّحديات التي تواجهها المنظومة التّعليمية واكتظاظ الصفوف، وأضافت على كاهلها، إلى جانب الأزمة الاقتصادية الخانقة وارتفاع الأسعار ونسبة التضخم وتَبِعات الانخراط بحزم مساندة أوكرانيا، ودعم رئيس النيجر المطاح، وإدانة الانقلاب في الغابون، بأعبَاءَ حَظر العَباءة والقميص الطويل في المدارس!
فقد دعا الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى اتباع الحزم في منع ارتداء العباءة، قبل 3 أيام من بدء العام الدراسي الجديد، وأكد أن السلطات ستكون «حازمة» في تطبيق القانون الجديد عند استئناف الدراسة. وفي هذا الشأن أرسل وزير التربية الفرنسي، غابرييل أتال، مذكرة إلى رؤساء المؤسسات التعليمية أكد فيها أن ارتداء العباءة والقميص الطويل يعبر عن انتماء ديني في البيئة المدرسية ولا يمكن التسامح معه فيها.
هذا ولم يُعطَ قبل ذلك إخطار مسبقاً للطلبة ولأوليائهم يمنحهم مهلة من الزّمن كافية لاتخاذ التّدابير اللاّزمة للامتثال لهذا القرار الذي أصدر مع قَيدَ التَّنفيذ قُبيل برهة زمنية قصيرة من مباشرة الطلبة صفوفهم. إضافة إلى ذلك فإن الجهات الفرنسية المعنية بحظر العباءة وطول القمصان، اكتفت بأن تعزي هذا القرار إلى العمل على الحفاظ على مبدأ العلمانية للجمهورية الفرنسية، ولم تعمل على إعطاء هؤلاء الطلبة البديل المقبول أو المدلول المقبول لأي خيار قد يذهبون إليه، وذلك بالأخذ في الاعتبار المدلول المادي والمعنوي إلى جانب المدلول الوظيفي للعباءة أو القميص الطويل في خيار ارتداء الطلبة ذلك، سواء من منطلق الحرية الشخصية أو الإرث الثقافي.
للعباءة مدلولها المادي والمعنوي وكذلك الوظيفي، فهي كِساء لدى الأفراد من الإناث والذّكور أيضاً، مُكوناً مِنْ قِطْعَةٍ وَاحِدَةٍ، مفتُوح من الأمام، واسع بلا كُمّين، يُلبس فَوْق الثّياب، وهناك عباءة لمهن معينة مثل عَبَاءةُ الْمُحَامِي وهي الرِّداء الذي يرتَديه الْمحَامي عند المُرافعة، ويرتَديه الأُستاذ الْجامعِي في المحافلِ الرَسميَة كما هو مُتَعارَفٌ عليه في بعض البلدان الأوروبية والبلدان العربية.
العباءة في الزّي العربي ترمز إلى الأصالة والأناقة والرّفعة، فقد كان العرب قديماً يعدون العباءة أغلى من الذهب والأموال، والعباءة في الموروث الثقافي للقبائل العربية كانت ترمز إلى الفخر والرفعة وحين يتم إهداء العباءة لشخص ما فهذا يعني تكريماً ورفعة له، كما أنّ العباءة تعتبر رمزاً للوجاهة ومقياساً لرقي المكانة الاجتماعية، كما تحمل في مدلولها الحمى والانتماء حينما يخلع أحدهم عباءته ويكسيها لأحد ما، ويعني ذلك أنه قد أجاره، أو أصبح من عشيرته أو أهله.
علماً بأن للعباءة وظائف عدة ومنطلقات مختلفة بين الأفراد لارتدائها، قد تكون دينية، أو رسمية وفق طبيعة العمل، أو الجانب العملي تأقلماً مع الوقت أو تأقلماً مع الوضع المادي أو المظهر الشّخصي. والوظيفة المعنية بالحظر هي الوظيفة الدينية إذ يستند في ذلك على أن مبدأ لائكية البلد، ولكن يتغاضى في الوقت نفسه على مبدأ الحرية الذي هو المكون الأول لشعار الجمهورية الفرنسية، وفق ما تنصّ على ذلك المادة 2 من الدستور الفرنسي الصادر في 4 أكتوبر 1958.
وفي سياق هذا المكوِّن الأول، نتطرق إلى سائر المكوّنات التي تبدو مكمِّلة في ذات السِّياق النّاقِض والمُناقِض، تشريعياً، لحظر العباءة، حيث يشير مبدأ المساواة إلى وجوب المساواة بين الأفراد على اختلاف عقائدهم وألوانهم وأذواقهم، فالطلبة الذين لم يتِم التّدخل في شكل أو مدلول لبسهم، من قصر تنورة أو طولها، أو شفافية فستان أو كسامته، أو أي شكل من الأشكال، بما يوحي بطبيعة تدينهم، أو يوحي أيضاً بعدم تدينهم إذ يعدّ هذا في حدّ ذاته تديّناً باللّادين، يجب أن يكونوا على قدم المساواة مع الطلبة الذين تعرضوا للحظر على مَلبسهم.
ويتوجب في ذات السِّياق أيضاً أن نعرّج كذلك على المبدأ الثالث لشعار الجمهورية الفرنسية ألا وهو «الأخوة أو التّآخي» وهنا يعني التّعايش والتغاضي، فمبادئ ومقومات شعار الجمهورية جميعها يتعارض مع هذا الحظر وإن كان لا يتعارض مع عباءة اللّائكية التي تم إسدالها عليه. فالعلمانية أو اللائكية هي المبدأ القائم على فصلِ الحكومة ومؤسساتها والسّلطة السّياسيّة عن السّلطة الدّينيّة أو الشّخصيّات الدّينيّة، والهوية المدنية لطلبة المدارس لا تشكل أي سلطة سياسية أو تحمل تمثيلاً للحكومة ومؤسساتها، بل هم، إلى غاية ما قبل انتهاء المرحلة الثّانوية، تعريفهم بالحالة المدنية قُصَّ.
إنّ حظر العباءة بناء على الوظيفة الدينية كإحدى وظائفها، بحجة منع المظهر الدّيني، فإنّ هذا المظهر يمكن أن يتحقّق دون العباءة، بأي شكل من أشكال الّبس المحتشم، بينما حظر العباءة، هنا، يكون قد منع وظائف أخرى للعباءة، مثل وظيفة النَّاحية العَمليّة لها وتكمن في سهولة وسرعة الارتداء، فضلاً عن وظيفة الرّاحة النّفسية التي تتحقق لدى بعض الطلبة الذين يَعسُر عليهم مواكبة قوالب رشاقة الأجسام، ونذكر على وجه الخصوص والأهمّية، الوظيفة التي لا يتسنى لبعض الطلبة تعويضها بِإيجاد اللّبس البديل لهذه الوظيفة، ونتكلم هنا عن الطلبة المعوزين الذين تمنعهم ظروفهم المادية من توفير الزّاد الكافي من اللّبس اليومي اللّائق.
وباعتبار أنّ في المطلق، المبدأ، يقتضي بأنّ حظر أمر ما يستوجب توفير بدائلُه، فهل ستولي وزير التعليم الفرنسي توفير البدائل الوظيفية للعباءة للطلبة المعنيين بها في المدارس الفرنسية خاصة المعوزين منهم؟!
إنّ واقع الحال يقول إن حَظر العباءة لا يحظر التّديُن ولا يمكن أن يحظرُ كلَّ شكلٍ آخر من أشكاله، فلِم إحداث البلبلة والاختلاف في الرأي العام وكذلك السياسي؟
كما يقول إن ما لا يقبل في المدارس الحكومية من باب أولى وأحرى أن لا يقبل في المحافل الرسمية والوزارات، فهل سيتم حظر العباءة في هذا الإطار على رجال الدين ورجال السياسة؟
ويبقى السُّؤال المطروح، إذا اليوم العلمانية الفرنسية تحظر العباءة فهل ستَحظر أيضاً الأسماء الإسلامية باعتبارها مظهراً دينياً؟