أحمد حبزبز، كان أحد ظرفاء بغداد وأشقيائها، عاش في الفترة بين القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، في إحدى الليالي دخل إلى إحدى الخمارات، فشرب حتى أدركه السكر، وخرج بعدها إلى الطريق وتصرف كما يتصرف فاقد العقل حتى ألقت دورية «العسس» أي الشرطة الليلية، القبض عليه وألقته في السجن، في تلك الفترة كان رئيس العسس «حجي أحمد آغا» وهو شخصية مشهورة وقوية، كان أشبه بالحاكم العسكري، فوسع سلطاته وأخذ يطبق القانون على مزاجه، ساعده في ذلك انشغال المسؤولين في ولاية بغداد آنذاك بالتمتع بحياتهم، فذاع صيته واشتهر في أرجاء الدولة العثمانية قاطبة، وفي صباح اليوم التالي وصل أحمد آغا إلى السجن ليطلع على موقوفي الليلة السابقة وقضاياهم، وقبل كل شيء أمر بالفلقة وعصي السفرجل والرمان، لتنفيذ العقوبات التي سيقررها، واستدعى الموقوفين ومنهم أحمد حبزبز، فقدموا له الموقوف الأول، وأبلغوه مخالفته، فسأله، ما عملك؟ فقال: أنا عسكر، فأجابه الآغا: وأنا رئيس العسكر، فطرحوه وأشبعوه ضرباً، ثم قدموا له الثاني، فسأله عن عمله، فقال: أنا محاسب في المالية، فقال له الآغا: وأنا مدير المالية، فطرحوه وأشبعوه ضرباً، ثم عرضوا عليه الثالث وأيضاً سأله فقال: أنا تاجر، فقال له: وأنا شيخ التجار، وجرى له ما جرى لمن سبقه، جرت تلك الأحداث تحت أنظار أحمد حبزبز وهو ينتظر دوره، ويشاهد التعذيب بعينيه، فانتبه إلى أن الآغا عندما يسأل كل واحد عن مهنته، يرد عليه بأنه رئيس المهنة، ويحكم بتعذيبه، وفي وقتها لم يكن لأحمد مهنة وكان عاطلاً، فجاء دوره، وأبت الظرافة أن تفارقه، فسأله الآغا عن مهنته، فأراد أحمد أن يوقع به لأنه عرف إجابته مسبقاً فقال له: مولاي أنا أعمل نزّاحاً في سوق الغزل، والنزاح رجل لديه دلو مهمته استخراج مياه الصرف الصحي للبيوت من الحفرة الخاصة بها آنذاك، فانتبه الآغا، وقال له: اخرج أيها المنحط، يمكن أن أكون رئيس كل شيء، إلا رئيس النزاحين، وبهذه الطريقة تخلص أحمد من العقوبة.
تتأثر العدالة وتطبيقها بالبيئة السياسية والاجتماعية المحيطة بها، فإذا ضعفت الرقابة على منظومة العدالة وتركت لمن ينفذها، سنجد أن العوامل النفسية والشخصية تعلب دورها في تطبيق العدالة في أغلب الأحيان، فيبدأ ذوو السلطة بتأويل القوانين وطرق تنفيذها لتعكس قيماً معينة. وفي الواقع حتى في الظروف الطبيعية يظهر التأثير الشخصي والثقافي على القوانين، من خلال تفسيرها وتطبيقها في المجتمعات المختلفة تبعاً لطبيعة المجتمع وثقافته وتقدير الأشخاص المعنيين في تطبيق القانون ولكن بصورة مقبولة، فالعاملون في المنظومة القضائية من قضاة ومحامين وشرطة وحتى المشرعين في أي مكان في العالم، تتجلى قناعاتهم وخلفياتهم الشخصية، ومعتقداتهم وثقافاتهم على تفسير وتطبيق القانون، وهي مسألة تزداد مع التفرد في اتخاذ القرار وغياب الرقابة وشيوع الاستبداد، لتصل إلى تحديد ما هو جريمة من عدمها إلى العقوبة وكيفية تطبيقها.
في المثال الواقعي السابق تظهر جلياً التقديرات الشخصية لتطبيق العدالة، ويظهر بوضوح كيف أن غياب الرقابة على النظام القضائي يؤدي إلى الانحراف في النظام ويصبح القانون مرناً قابلاً للتعديل والتغيير فتطبق العقوبة بطريقة معينة على مجموعة ويعفى منها آخر كي يتجنب من نصّب نفسه قاضياً ومنفذاً للعقوبة الوقوع في فخ المراد عقوبته خير مثال على ذلك.
* عميد كلية القانون – الجامعة الخليجية
تتأثر العدالة وتطبيقها بالبيئة السياسية والاجتماعية المحيطة بها، فإذا ضعفت الرقابة على منظومة العدالة وتركت لمن ينفذها، سنجد أن العوامل النفسية والشخصية تعلب دورها في تطبيق العدالة في أغلب الأحيان، فيبدأ ذوو السلطة بتأويل القوانين وطرق تنفيذها لتعكس قيماً معينة. وفي الواقع حتى في الظروف الطبيعية يظهر التأثير الشخصي والثقافي على القوانين، من خلال تفسيرها وتطبيقها في المجتمعات المختلفة تبعاً لطبيعة المجتمع وثقافته وتقدير الأشخاص المعنيين في تطبيق القانون ولكن بصورة مقبولة، فالعاملون في المنظومة القضائية من قضاة ومحامين وشرطة وحتى المشرعين في أي مكان في العالم، تتجلى قناعاتهم وخلفياتهم الشخصية، ومعتقداتهم وثقافاتهم على تفسير وتطبيق القانون، وهي مسألة تزداد مع التفرد في اتخاذ القرار وغياب الرقابة وشيوع الاستبداد، لتصل إلى تحديد ما هو جريمة من عدمها إلى العقوبة وكيفية تطبيقها.
في المثال الواقعي السابق تظهر جلياً التقديرات الشخصية لتطبيق العدالة، ويظهر بوضوح كيف أن غياب الرقابة على النظام القضائي يؤدي إلى الانحراف في النظام ويصبح القانون مرناً قابلاً للتعديل والتغيير فتطبق العقوبة بطريقة معينة على مجموعة ويعفى منها آخر كي يتجنب من نصّب نفسه قاضياً ومنفذاً للعقوبة الوقوع في فخ المراد عقوبته خير مثال على ذلك.
* عميد كلية القانون – الجامعة الخليجية