لم أتخيل كيف عصفت بي الحياة، كنت أتمنى النجاة ولم يستطع أحد مد يد العون لي حتى أقرب الناس. هكذا عبرت س.ف عن معاناتها مع تجربة الطلاق والصمود في وجه الحياة والافتراق عن أطفالها، فكيف حولت حياتها من ألمٍ إلى أمل؟
هناك قصص كثيرة في الحياة، فمنها ما يُروى ومنها قصص تموت مع أبطالها، منها الذي يلهمنا ومنها الذي يؤلمنا، لن نكون في هذه الدنيا إلى الأبد فستبقى العواصف بينما نرحل، تبدأ في هذه الأثناء قصة البطلة س.ف عندما تزوجت في سن الـ16، كانت تبدو الحياة مزهرة ومليئة بالسعادة والحب، فكانت س.ف طيبة القلب، مخلصة، صادقة، مرحة.
الزواج
تزوجت س.ف رغماً عنها تحت ضغط من والدها بسبب ظروف اجتماعية من رجل قاسي القلب لا يحب إلا نفسه، عديم المسؤولية، لا يمتلك ذكاء عاطفياً. لم تكن س.ف تمتلك خبرة في الحياة أو الحياة الزوجية، فكان هناك اختلاف بيئي وفكري وتعليمي، إذ كان يعتدي جسدياً ولفظياً عليها.
ما بعد الأطفال
عندما أنجبت الطفل الأخير، كان مريضاً فاضطر المستشفى إلى عزلهما عن بعضهما، فمرضت الأم وأصيبت باكتئاب ما بعد الولادة، عندها وضعت اللوم على نفسها بما أُصيبَ ولدها، لم تجد حلاً سوى الابتعاد عن الأطفال لكيلا ترمي سهامها وتؤذيهم. نتج عن هذا فقدان الشغف بالأمومة.. الصادم أنها لم تدرك معاناتها النفسية إلا بعد الطلاق ومراجعة أطباء نفسيين.
الطلاق ومعضلة الافتراق
بعد أن ازداد سوء حال الأم قرّرت الطلاق، فلم يكن قرار الأب إلا المطالبة بالمال وترك حضانة الأطفال له، ولربما كانت هذه المعضلة الوحيدة التي أثقلت قلب الأم حزناً. كانت تسمع س.ف بعد طلاقها بتعرض أطفالها لجميع أنواع الأذى، وكانت تحاول المساعدة لكنها كانت قليلة الحيلة أمام قوة الأب، فلا تمتلك الدافع لأخذ إجراءات ضده، ولا كانت تمتلك قلبها الذي انفطر حزناً على أطفالها.
أصيبت س.ف بالخذلان فجعلها الأمر تستسلم وتوقفت عن المحاولة، فكانت تبدو قاسية أمام أطفالها، وباردة المشاعر.. فقدت إحساس الأمومة جزئياً، وفقدت الإحساس بكل ما يحيط بها، أصبح واقعها مريراً، مظلماً.
المرأة المطلقة و"كلام الناس"
كانت تعبر س.ف عن تجربتها مع الطلاق فقالت إن المرأة المطلقة "منبوذة اجتماعياً" ويلحقها هذا الظل أينما ذهبت، فيبتعد عنها المحيطون وكأنه مرض معد، يشيرون بأصابع الاتهام إليها، ظناً منهم أنها قصرت وأخطأت في حق الرجل، ولا ينظرون إلى الجانب العاطفي من حياتها، وأن أصعب ما يمر على المرأة المطلقة هو كلام ونظرة الناس، فلا تجد الأم المطلقة ما يجمع شتات قلبها المنكسر ولا الاحتواء من الناس في مجتمع لا يجد الرجل مخطئاً ولو كان!
حضانة الأطفال
عندما أخذت س.ف حضانة الطفلين لم يكن الأمر سهلاً في الثلاث سنوات الأولى؛ إذ كانوا لا يثقون بها وينكرون وجودها ولم يتقبل أي أحد منهما الآخر، فلقد كان الأب يقول لهم إنها ماتت، وما قد يكون أقسى حين تسمع الأم كلمة "لماذا أتيت؟" أو "ليش رحت، كنت ميتة؟" فكانت تقول ليتني مت ولم أسمع من أطفالي هذه الكلمات.. اكتشفت س.ف مرض طفلتيها بأمراض نفسية خطيرة.
من الضعف إلى القوة
نفضت الأرض القوية الرماد ووقفت لتجمع الشتات، فكان حينئذ موسم التجدد لبطلتنا، إذ تعالجت من الاكتئاب بمساعدة أبنائها وبناتها بعضهم البعض والوقوف في وجه الحياة، فركزت على حياتها وتطوعوا في أعمال إنسانية، وكانت تعمل فترات متأخرة من اليوم واجتهدت في عملها.. والآن تعتبر إحدى النساء الناجحات في عملهن، قوية بوجود أولادها معها، تعوضهم ما فاتهم من حنانها، وتسعدهم لترى ما فقدت من ابتسامة على وجوههم.
ما بعد القوة؟
لم تجعل هذه الرحلة من س.ف شخصاً ضعيفاً، فجعلتها أقوى وأكثر حكمة في تعاملها مع صعوبات الحياة، حتى أصبحت تريد مساعدة النساء الذين مروا في مثل هذه التجربة.. لا تتنازلين عن حقوقك لأي سبب، كوني حذرة أثناء اختياركِ شريك حياتك، إن في الحياة ما يستحق التجربة، اختاري التجربة الفضلى لأطفالكِ قبل أن تكون لكِ.. تبدين أماً رائعة اليوم، أحيطي نفسكِ بمن يقدرك.