ليس لغزاً، وليست أحجية، وليس «ترياقاً سحرياً» أخذه هذا الموصوف بـ«الفشل» لينجح! بل هي عملية بسيطة جدا، لا ترتبط بهذا الموظف، بل ترتبط بمن وسمه بـ«الفشل».
في إحدى محطاتي المهنية، وقبل أن أمسك مسؤولية إدارية في مكان ما، تواصل معي أحد الأشخاص الذين أعرفهم في مكان العمل الجديد. جاءني مسرعاً، وقال لي: مبروك على تولي المهمة. ونصيحة مني «فلان فنشه» و«فلان ما منه فايدة»!
إحدى النصائح الذهبية التي مازلت أطبقها، وحصلت عليها من أناس لهم خبرة في الحياة، وهي «لا تحكم على شخص بمجرد الاستماع لشخص آخر يتحدث عنه». والتي سأضعها كمعادلة هنا لأي شخص يتولى مسؤولية ويرتبط عمله بالتحكم في مصائر البشر، إذ «لا تحكم على الأشخاص، وفق أحكام غيرك».
ليس الجميع منزهاً في صفاته وسلوكاته، بالتالي هناك نوعية تهرع إليك إن كنت مسؤولاً جديداً لـ«تصفي حساباتها»، ولتفعيل هذه التصفية لا بد من وجود «حقائق مغلوطة، وأكاذيب، ومبالغات، وتشويه لأشخاص، وتغييب للشفافية».
دائماً أقول: إن «الفيصل» في الأمور هذه يكمن في «رجاحة المسؤول» وفي «خبرته الإدارية»، إذ الإداري المحنك والذي بنى مسيرته وفق استراتيجيات الإدارة النموذجية، يعرف تماماً أن «القرار قراره»، وهذا القرار لا يجب أن يتأثر بكلام أحد، أو محاولات إقناع أحد، بل القرار مبني على «التجربة والمتابعة والتقييم».
ووفق هذه المعادلة، يقول لي أحد المسؤولين: عندما مسكت زمام أمور أحد القطاعات وجدت نوعيات من هؤلاء، أعني الذين تقصدهم بمجموعات تتسابق لتقديم نفسها والحديث معي والخوض في تفاصيل ومعلومات هدفها تشويه صورة آخرين. معلومات لم أطلبها منهم أبداً.
سألته: ماذا فعلت إذاً أمام هذا الكم الهائل من التسابق لتقديم المعلومات، بغض النظر عن صحتها أو خطئها؟!
أجابني: ببساطة شديدة، أولاً لا يجب أن ننسى المعادلة الأصيلة التي ذكرت في قرآننا الكريم، وأعني الآية التي تتحدث عن «التبين» حينما يأتينا أي شخص بنبأ، حتى لا نصيب أحداً بظلم عن جهالة وعن دراية. وثانياً في علم الإدارة تعلمنا أنه لا بد من «إثبات» الكلام بالفعل، وعليه بدأت أركز على الأشخاص الذين سعوا للتقليل من شأنهم أو تشويه صورتهم، وكان الاكتشاف مذهلاً بالفعل.
صديقي الإداري هذا اكتشف أن الأشخاص الذين وصفوا بـ«الفشل» وسعى آخرون لتشويه صورتهم المهنية هم أشخاص «منسيون» بل «مهمشون بالتعمد»، بمعنى أن الإدارة التي سبقته تعمدت إهمال هذه النوعية من البشر لأسباب غير سوية إدارية. اكتشف أنهم أشخاص لديهم العلم والدراية، لكن تمت محاربتهم بـ»طرق غير مباشرة»، فقط لأنهم لم «يتحزبوا» أو «يتحلقوا» حول الإدارة السابقة، ولم يتحولوا إلى «بطانة مستفيدة»، بل كانوا أصحاب صوت يتحدث بالحقيقة والصدق ولا يقبل بالخطأ. ولذلك وضعوا في «خانة سوداء»، رغم أنهم «أصحاب أيادٍ بيضاء».
المذهل بشكل أكبر، كانت تلك الفئة التي سعت لتشويه صورة هؤلاء، إذ بالبحث وجد صديقي أن هؤلاء أقل مستوى علمياً وحتى مهنياً ولا يملكون التجربة الصحيحة التي تشكل شخصية الفرد إدارياً ومهنياً، بل اكتشف أن تلك الفئة ارتقت إلى ما هي عليه ووصلت إلى ما هي عليه لأنها كانت «جوقة وبطانة» للإدارة السابقة ومشاركة إياها في الأخطاء والتبرير لها، لأنها مستفيدة.
اليوم، هذا المسؤول الإداري القدير في عمله وخبرته يعتمد بشكل أساسي على تلك الفئة التي تعرضت لـ«التهميش» و«تشويه السمعة المهنية»، اليوم هو يثق بمن وصفوهم بـ»الفاشلين» لأن فحص المعلومات التي قام بها، ولأن التدقيق الذي ركز عليه، ولأنه لم يقبل بأن يستمع لمن يهمسون في أذنيه بالتلفيق والكذب، بل جرب بنفسه الأشخاص ومنحهم الثقة واختبر قدراتهم، فاكتشف أن من تم وصفهم بـ»الفاشلين» هم في الأساس «أنجح الناجحين» وهم الكفاءات المغيبة والمخفية، وسبب تعرضها لذلك لأنها بكل بساطة «لم تكن حسب المزاج» و«لم تكن جوقة» لمن سبق.
النصيحة الإدارية هنا: لا تصدق أي كلام، تأكد بنفسك، وعندها ستعرف هل كانوا صادقين معك، أم حاولوا تضليلك. وحاسب هنا من التضليل، فنتيجته ظلم للبشر، وهذا أشد ما يعاقب عليه رب العالمين.