لم تعد العدالة الجنائية تقتصر على المواجهة بين الخصوم ولا على فرض عقوبات لتحقيق الردع بالمفهوم العام والخاص، بل إن السياسة الجنائية التي تبناها المشرّع البحريني، ولاسيما في قضايا الجُنَح أصبحت تأخذ منحنى التيسير والتبسيط وإعطاء مجال أكبر لإنهاء الخصومة الجنائية في مهدها وفقاً لنُظُم أكثر تقدّماً يُختصر فيه الوقت والجهد وإجراءات المحاكمة المطولة، بهدف النهوض بمنظومة العدالة الجنائية وإبراز السياسة الإجرائية الحديثة المتقدّمة للمشرّع البحريني من خلال استحداث نظام المحاكمة العاجلة مقابل اعتراف المتهم بالجريمة، وذلك وفقاً للمادة الجديدة برقم (226) مكرراً من قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالمرسوم بقانون رقم 46 لسنة 2002.
حيث يتم تطبيق هذا النظام في مواد الجُنَح فقط، إذ يقوم نظام المحاكمة العاجلة على صدور اعتراف من المتهم يُشترط فيه أن يكون كاملاً عن جميع الجرائم المسندة إليه وبظروفها المشدّدة إن وُجدت دون استبعاد اتهام دون آخر، وأن يُبدي المتهم رغبته في تطبيق هذا النظام في شأن محاكمته، فإذا أبداها أمام النيابة العامة فيتم تحديد جلسة لمحاكمته خلال ثلاثة أيام، وإذا أبدى هذه الرغبة أثناء المحاكمة يتم إثباتها في محضر الجلسة، وفي كلتا الحالتين تُصدِر المحكمة حكمها في الدعوى بالحَدّ الأدنى للعقوبة المقرّرة في ذات الجلسة دون حاجة للبحث أو التطرّق إلى أية أدلة أخرى اكتفاء بالاعتراف.
وبجانب ذلك يحقّ للمحكمة نظر الدعوى وفق الإجراءات العادية إذا عدل المتهم أو أحد المتهمين، في حالة تعدّدهم، عن رغبته في المحاكمة وفق هذا النظام أو عدل عن اعترافه أو بعضه أو تخلّف دون عذر أو وكيله عن حضور الجلسة المحددة، أو رأت المحكمة من تلقاء نفسها أن تلتفت عن هذا النظام إذا أرت عدم صلاحية الدعوى لتطبيقه عليها.
ولعلّه من المفيد التأكيد على أن السياسة الجنائية الحديثة التي تبنّاها المشرّع البحريني في سَنّ نظام المحاكمة العاجلة مقابل الاعتراف الكامل، تصبّ في مصلحة المتّهم وسلطة الاتهام، إذ يترتب على اعترافه اختصار إجراءات الدعوى الجنائية دون إخلال بالعدالة وبمراعاة عدم المساس بضمانات المتّهم في المحاكمة العادلة.