عبدالله صويلح

في زمنٍ تتسارع فيه وتيرة التطور وتتعدد فيه الوسائل والإمكانات، لم يعد هناك مبرر للتقصير أو التهاون في أداء المهام والمسؤوليات. لقد أصبحت الأعذار جزءاً من لغتنا اليومية، نستخدمها كدروع نختبئ خلفها لتفادي اللوم أو تبرير تقصير لا داعي له. ورغم أن بعض المواقف القهرية قد تبرر الغياب أو التأخر، فإن معظم أعذارنا اليوم ما هي إلا وسيلة سهلة للتهرب من الالتزام. إذا ما قارنا حاضرنا بالماضي، نجد مفارقة عجيبة. ففي القرون السابقة، لم يكن هناك ما لدينا اليوم من وسائل راحة وتقنية وتسهيلات. ومع ذلك، كان الناس أكثر التزاماً وجدية في أداء واجباتهم، سواء على الصعيد الاجتماعي أو المهني. كانوا يدركون قيمة الوقت والمسؤولية، ويؤدون أعمالهم بإخلاص، دون أن يبحثوا عن مبررات للتقاعس أو التأجيل، إلا إذا كان الأمر خارجاً تماماً عن إرادتهم.

أما اليوم، فنحن نعيش في عصر يتيح لنا الوصول إلى كل ما نحتاجه بلمسة زر. ومع هذا التقدم الهائل، أصبحنا نختلق الأعذار في أبسط المواقف. لا نقول إن الجميع كذلك، لكن النسبة الأكبر من الناس باتت تفضل التبرير على المبادرة، والاعتذار على الإنجاز. أصبح العذر حاضراً قبل الفعل، وكأننا نُعدّه سلفاً لأي تقصير قد يصدر عنا.

العلاقات الاجتماعية مثال آخر على هذا التراجع. في الماضي، رغم صعوبة المواصلات وقلة الوسائل، كانت الروابط أقوى، والتواصل أصدق. أما اليوم، ومع سهولة الاتصال وتعدد الوسائل، بات التواصل ضعيفاً، والعلاقات هشة، يغيب عنها الالتزام والحرص، وتغلفها أعذار لا تنتهي، وحتى على مستوى الإنجازات الفردية، نجد مفارقة مؤلمة. فبالرغم من توفر كل ما يحتاجه الفرد من أدوات ومعرفة وتقنيات، إلا أن نتائج الجهد أحياناً تكون أقل بكثير مما كان يحققه أفراد عاشوا في بيئة تفتقر لكل ذلك، لكنهم عوضوا النقص بالإرادة والعمل الجاد.

ما نحتاجه اليوم ليس المزيد من الأعذار، بل مزيد من الجدية وتحمل المسؤولية. علينا أن نستفيد من تطورات عصرنا لا أن نجعلها ذريعة لتراجعنا. فالتقنية ووفرة الإمكانيات ليست بديلاً عن الالتزام، بل هي عوامل مساعدة لمن يملك النية والعزيمة.إن الحكمة التي ينبغي أن نعيها جيداً هي: لا عذر في عصرنا الحديث. لم تعد لدينا حجة لعدم الإنجاز أو التقصير في أداء الواجب. فلا بد أن نتحلى بالمسؤولية، ونمسح الأعذار من قاموسنا، إلا في الحالات القهرية التي تخرج عن طاقة الإنسان، بهذا فقط، يمكننا أن ننهض بمجتمعنا ونكون جديرين بعصرٍ أتاح لنا كل شيء، ولم يبقَ علينا سوى أن نُحسن استخدامه.