في أحد أزقة المحرق القديمة، حيث تتعانق الجدران البيضاء، وتتناثر النوافذ الخشبية بزخارفها البحرينية الجميلة، يقف بيت سيادي شامخاً كأنه يحرس أسرار البحرين. هذا البيت، الذي بناه أحمد بن جاسم سيادي، أحد أبرز تجار اللؤلؤ في القرن التاسع عشر، يُعد جزءاً من «طريق اللؤلؤ» المُدرج ضمن مواقع التراث العالمي لليونسكو.

في داخله، تُخبئ إحدى الغرف سراً صغيراً؛ جميع نوافذها متشابهة، لكن واحدة منها تُخفي منفذاً سرياً لا يُرى إلا لمن يعرف القصة. كأنها تُشير إلى أن في كل نظامٍ أو إدارة، هناك دائماً منفذٌ خفيٌّ يُمكن أن يُحدث الفرق، إذا ما استُخدم بحكمة.

في عالم التقنية، كثيراً ما نجد أنفسنا محاطين بجدرانٍ من البيروقراطية، تُشبه تلك الجدران القديمة المحيطة ببيت سيادي. لكن كما أن هناك نافذةً تُخفي منفذاً سرياً، فإن في كل تحدٍّ تقنيٍّ فرصةً لحلٍّ مبتكر.

تخيل أن تكون في موقعٍ تجد فيه فرصةً لتطوير نظامٍ يُحدث ثورةً في العمل، لكنك تُواجه بمعارضةٍ من أولئك الذين لا يرون أبعد من حدود اختصاصاتهم. تُحاول شرح الفكرة، تُواجه بالرفض، تُعيد المحاولة، تُقابل بالتجاهل. لكن إيمانك بالفكرة، ورغبتك في مساعدة من يحتاجون إليها، يدفعانك للاستمرار.

في مسارك هذا، قد تصادف شخصيات عديدة؛ بعضهم يشبه كبار السن في أزقة المحرق، الذين اعتادوا الجلوس عند أبواب منازلهم يتبادلون القصص والحكايات، ويعتقدون أن التغيير قد يفسد رونق المكان. بينما أنت، في ذهنك صورة واضحة لمستقبلٍ رقمي أكثر كفاءة وذكاء، مستقبلٍ يُشبه بيت سيادي الذي حافظ على تاريخه، لكنه فتح بابه للسياح والباحثين عن الجمال والمعرفة.

وفي لحظةٍ ما، تُقرر أن تستخدم «المنفذ السري»؛ تُقدم الفكرة على أنها خدمةٌ لإدارةٍ أخرى، تُخفي التفاصيل التقنية، تُركز على الفائدة العملية. وفجأةً، يُفتح الباب، ويُصبح المشروع واقعًا. يُبهر الجميع، ويُسارع الكثيرون للظهور الإعلامي، بينما تظل أنت في الظل، تراقب من بعيد بابتسامة هادئة، مدركاً أن ما قدمته من قيمة حقيقية أكبر من الأضواء العابرة.

ولكن الأكثر إثارة للدهشة، هو حين تقرر بكل هدوء الانتقال نحو أفق جديد أكثر اتساعاً، مكان يُدرك جيداً كيف يمكن لمواهبك وإبداعاتك أن تضيف إليهم التغيير والتميّز. وحين تُبادر بمشاركة الخبر مع من كانت إبداعاتك سببًا في نجاحه، يقابلك بنبرة اعتراضٍ وتحدٍّ، وكأنك اصطدمت فجأة بأحد جدران بيت سيادي بدلًا من أن تجد الباب مفتوحاً للخروج.

ربما لأنهم يدركون معنى فقدانك، فالتغيير بطبعه مُقلقٌ للبعض، وربما لأنهم لا يعلمون أن الأفكار والطاقات المبدعة تشبه تيار الماء؛ لا تقبل القيود، ولا تستقر إلا في المكان الذي يمنحها فرصةً حقيقيةً للتدفق والانطلاق.

القصص التقنية مثل هذه، تشبه كثيراً قصص المحرق القديمة، لا تنتهي، مليئة بالشغف والصمود. التقنيات الحديثة ليست مجرد تطبيقات أو أنظمة معقدة، بل هي امتداد حقيقي لعلاقاتنا الإنسانية، ومقياس لعمق رؤيتنا للمستقبل. تماماً كما يُخفي بيت سيادي منفذاً سرياً في إحدى نوافذه، فإن في كل منا نافذةً تُطل على مستقبل واعد، ومنفذاً سرياً يُمكن أن يُحدث الفرق، إذا ما استُخدم بحكمة.

* خبير تقني