عندما تصف الأمم المتحدة غزة بالمكان الأكثر جوعاً في العالم، فلنعلم أننا أمام مأساة إنسانية لا يمكن وصفها، فغزة تجاوزت مناطق في آسيا وأفريقيا كنا نعتقد أنها هي الأكثر مجاعة وحاجة للمساعدات والإغاثية.
ووصف غزة بالأكثر جوعاً في العالم هو بحد ذاته كارثة، سببها إسرائيل التي لم تكتفِ حكومتها بقصف غزة ونسف كل ما فيها، وسفك دماء أهلها وحسب، بل ها هي تتمادى في عدوانها، وتصل لمستويات ربما غير مسبوقة، خاصة استخدامها سياسة تجويع أهلها ومنعهم من الحصول على المساعدات الإنسانية أو الحصول على الفتات منها، وهذا كله تقوم به إسرائيل أمام مسمع ومرأى من العالم كله، والتحركات التي تصب في صالح وقف هذا التمادي الإسرائيلي يكاد يكون ملحوظاً.
الأمم المتحدة، وعبر تصريح مندوبها «ينس لاركه» المتحدث باسم مكتبها لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، قال جملة هي الأخطر في تصريحه هذا، حيث قال وأقتبس: ((100% من سكان غزة معرّضون لخطر المجاعة)) انتهى.. هذه الجملة كفيلة بقرع أجراس الخطر، فعندما تكون النسبة تامة لأمر سلبي، فهذا يعني أن هناك كارثة قادمة، وأن الموضع تجاوز الدعوات والمطالبات من الأمم المتحدة أو الدول الكبرى لأن تتدخل في غزة، وتضع حداً للبطش الإسرائيلي.
نقدر للمجموعة العربية في الأمم المتحدة دورها الكبير وجهدها الملحوظ وسعيها المشكور في محاولاتها لرفع الحصار عن أهالي غزة وإنهاء الحرب الإسرائيلية، ولكن اليد الواحدة لا تصفق، والأمر تجاوز - مثلما أشرنا- الدعوات والمطالبات، ولابد من ردع إسرائيل أو من يساندها عن استخدامها تجويع أهالي غزة كسلاح حرب أو وسيلة ضغط لتهجير الأهالي من قطاعهم، فإسرائيل ليست من النوع الذي يستمع المطالبات، أو يقبل الدعوات في هكذا أمور.
إن استخدام إسرائيل لسياسة التجويع هي نوع آخر من الحروب التي تشنها على أهالي غزة الذين لم يستسلموا لمدافع إسرائيل وأسلحتها الثقيلة، ولم يتخلوا عن أرضهم رغم أن الموت يحاصرهم من كل مكان، وهذا هو الاعتزاز بالانتماء للوطن وعدم التخلي عنه تحت أي ظرف، ولكن عندما يتعلق الأمر بالجوع الكافر، واستخدامه وسيلة ضغط لنزوح أهالي غزة عن قطاعهم، فهنا لنا وقفة جادة، وهذه الجدية تتطلب معها تنفيذ قرارات حازمة وحاسمة تجاه إسرائيل، ونعلم جيداً من القادر عليها بعد الله تعالى، ولكن هذا لن يتحقق إلا بمشيئة الله أولاً ثم بجهود دولنا العربية التي لا بد من استخدامها سياسة «المصالح» التي تُسير بها دول كبرى ضد إسرائيل.