أعلنت الأمم المتحدة في 7 يونيو 2024، أن عام 2025 هو العام العلمي للعلوم والتكنولوجيا الكمية. وفي هذا الصدد يسعدنا أن نقدم لماذا هذا الاهتمام من قِبل الأمم المتحدة بهذا المجال من العلوم بعد مرور 100 عام على اكتشاف ميكانيكا الكم.
من المعروف أن الميكانيكا الكلاسيكية، المستندة إلى قوانين نيوتن، والكهروديناميكيا الكلاسيكية، المبنية على معادلات ماكسويل، تقدمان تنبؤات دقيقة للغاية للأنظمة الفيزيائية في حياتنا اليومية، مثل حركة الكواكب السيارات، والطائرات، والسفن أو سلوك الدوائر الكهربائية.
إلا أنه، مع بداية استكشاف العلماء للعالم المجهري في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، ظهرت ظواهر متعددة عجزت النظريات الكلاسيكية عن تفسيرها، مما استدعى إلى تطوير إطار نظري جديد.
فمثلاً عند تسخين الذرات أو إثارتها، فإنها تصدر ضوءاً عند أطوال موجية منفصلة، وليس ضمن طيف مستمر كما توقعت الفيزياء الكلاسيكية مما أدى ذلك إلى ظهور ما يُعرف بالأطياف الخطية (مثل طيف ذرة الهيدروجين)، وهي ظاهرة لم تتمكن النظرية الكلاسيكية من تفسيرها.
أيضاً وفقاً للكهروديناميكا الكلاسيكية، فإن الإلكترون الذي يدور حول نواة الذرة يجب أن يُصدر إشعاعاً باستمرار، مما يؤدي إلى فقدان طاقته تدريجياً ثم سقوطه في النواة، لكن هذا لا يحدث فعلياً؛ فالذرات مستقرة، والإلكترونات لا تنهار إلى داخل النواة. وهذا يتعارض مع الواقع العملي.
ومن الظواهر التي فشلت في تفسيرها النظرية الكلاسيكية «ظاهرة الإشعاع من جسم أسود» حيث توقعت الفيزياء الكلاسيكية أن شدة الإشعاع ستزداد بلا حدود عند الترددات العالية، فيما يُعرف بكارثة الأشعة فوق البنفسجية.
قام ماكس بلانك بحل هذه المشكلة من خلال فرض أن الطاقة تُشع في حزم منفصلة (كوانتا)، وليس بشكل مستمر. وهذا الاكتشاف كان أول مؤشر على أن الطاقة ليست مستمرة عند المستويات الذرية، بل تأتي في كميات.
وعلى ذلك، تُعَدّ ميكانيكا الكم من أنجح النظريات الفيزيائية على الإطلاق، وهي تُشكّل الأساس العلمي للعديد من التقنيات التي نعتمد عليها في حياتنا اليومية فهي تستخدم في تشغيل الشرائح الدقيقة في الحواسيب والهواتف الذكية. تعتبر أداة محورية في مجالات الاتصال، والطب، والصناعة، كما أن خاصية اللف المغزلي الكمومي تستخدم في التصوير بالرنين المغناطيسي.
أما عن المبادئ الأساسية التي تعتمد عليها ميكانيكا الكم هي مبدأ عدم التحديد ومبدأ التراكب الكمومي والتي كانت سبباً في اكتشاف ما يسمى بالحواسب الكمية، ونقل الجسيمات بطريقة آمنة وعمليات التشفير والترميز الكمي. كما كانت سبباً في اكتشاف خلايا شمسية كمية وبطاريات كمية مما يساعد على تطوير أنظمة الطاقة النظيفة وتوفيرها.
وظاهرة التشابك الكمي لعبت دوراً أساسياً في تكنولوجيا التوجيه الكمي عن بعد بطريقة دقيقة ولا يمكن أن نفقد الجسم الموجّه مهما بعدت المسافات أو تغيرت الظروف البيئة.
وأخيراً، ما تم ذكره عن ميكانيكا الكم وبعض تطبيقاتها هو غيث من فيض. فمازال هناك العديد في جعبة هذا العلم.
ولذلك كان حقاً علينا الاحتفال بميكانيكا الكم وإلقاء الضوء على أهمية هذا الفرع من العلم وتشجيع الباحثين في الغوص في هذا المجال والذي يعتبر دائماً متجدداً ومواكباً للتطورات التكنولوجية الحديثة.
* أستاذ الرياضيات المشارك - كلية العلوم - جامعة البحرين