د. توفيق السباعي

إن تصَدُّر مملكة البحرين قائمة الدول العربية في «مؤشر القانون والنظام» هو دلالةٌ بارزة على رسوخِ دولةِ المؤسسات، وارتفاع معدل الثقة المجتمعية، وجودة السياسات الأمنية والعدلية. فبحسب آخر تحديثات «غالوب» ضمن «التقرير العالمي للسلامة 2025»؛ حازت مملكة البحرين 91 نقطة من أصل 100، إلى جانب سلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية، وهو أعلى مستوى عربي في المؤشر لعام 2024. وتستند هذه النتيجة إلى قياسات إدراكية مباشرة لسلامة الأفراد وثقتهم بالأجهزة الشرطية وتجاربهم؛ أي أنها تقيس شعور الناس بالأمان لا النصوص القانونية وحدها.

تنبع أهمية هذا التتويج من ثلاثة أبعاد رئيسية. أولاً، موثوقية الأداة القياسية: تستند «غالوب» في بناء المؤشر إلى أربعة أسئلة جوهرية تقيس شعور الأفراد بالأمان ليلاً، وثقتهم بالشرطة، وتجاربهم خلال العام السابق (مثل التعرّض للسرقة أو الاعتداء). كما تعتمد «غالوب» على «World Poll» بمعايير منهجية موحدة تغطي أكثر من 140 بلدًا، وتستخدم الأمم المتحدة أحد أسئلتها كمؤشر مرجعي ضمن الهدف 16.1 من أهداف التنمية المستدامة. وهذا كله يُرسّخ مصداقية القراءة، ويجعل المقارنة بين الدول عادلة، وهي نقطة نعتز بها كباحثين يدققون في المصدر والمنهج قبل النتيجة.

ثانياً، السياق الوطني: إنّ بلوغ مملكة البحرين هذه المكانة يعكس ترجمة حيّة للرؤية الملكية السامية لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، في جعل الأمن والاستقرار ضمانةً للحياة الكريمة للمواطنين والمقيمين، وتشييد مناخ جاذب للاستثمار قائم على قيم التعايش والانفتاح. وتتكامل هذه الرؤية مع جهود الحكومة الموقّرة برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله، عبر تطوير المنظومة التشريعية، وترسيخ مبادئ العدالة والشفافية والمساءلة في إطار دولة القانون والمؤسسات. كما تتجلّى النتائج العملية في كفاءة التشغيل الأمني؛ إذ تقود وزارة الداخلية، برئاسة الفريق أول معالي الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة، نموذجاً عصرياً وإنسانياً في إنفاذ القانون وتعزيز الشراكة المجتمعية؛ لتصبح «الثقافة الأمنية» ممارسةً يومية يتقاسمها المواطن والمقيم مع رجل الأمن. هذه المعادلة المتوازنة تفسّر لماذا أصبح شعور الناس بالأمان وثقتهم بالمؤسسات الأمنية رأسمالاً اجتماعيّاً متنامياً في البحرين.

ثالثاً، الأثر التنموي: لا تُقاس قيمة الرقم (91 من 100) بذاته فحسب؛ بل بما يعكسه من ثقة عامة متصاعدة، ومن بيئة استثمار وسياحة تتغذّى على الأمان وتعيد إنتاجه. فالمناخ الآمن يقلّل المخاطر، ويُحسّن تكلفة رأس المال، ويزيد قابلية الاقتصاد لالتقاط الفرص، الأمر الذي ينسجم مع مستهدفات رؤية البحرين 2030 في التنويع وخلق القيمة المضافة. لذا، فإن صدارة المملكة عربيًّا تُعد إشارة ائتمانية إيجابية للأسواق العالمية ورسالة ثقةٍ متجدّدة لروّاد الأعمال والمستثمرين بأن البحرين بيئةٌ صديقةٌ للنمو والابتكار.

تجدر الإشارة إلى أنّ ثلاثة مسارات متكاملة أسهمت فعليّاً في صون هذا المكسب وتعظيم أثره: (1) ترسيخ نهج التحسين المستمر لكفاءة أجهزة إنفاذ القانون مقروناً بقياسات منتظمة لتجربة المتعاملين وجودة الخدمات؛ (2) اتساع برامج الشراكة المجتمعية والوقاية المسبقة، بما في ذلك التوعية الرقمية ومبادرات العدالة الإصلاحية التي رسّخت صورة البحرين نموذجًا يحتذى به؛ (3) تعميق التحليل البياني لبلاغات الجريمة وأنماطها وارتباطاتها الاقتصادية والاجتماعية، مما نقل العمل الأمني من حدود «الاستجابة» إلى آفاق «التنبؤ والاستباق». هذا النهج شدّد الصلة بين الشعور بالأمان وثقة المجتمع في مؤسساته، فازدادت متانة العقد الاجتماعي بين الدولة والمواطن.

إنّ تصدّر البحرين عربياً في «القانون والنظام» شهادة دولية راسخة على صلابة المنظومة المؤسسية وفاعلية الرؤية الوطنية. إنها ثمرة رؤية ملكية سامية، وعملٍ حكوميٍ مُحكم، وجهدٍ أمنيٍ محترف، وشراكةٍ مجتمعيةٍ واعية. الحفاظ عليها يتطلب منا جميعاً أن نواصل مسار الالتزام بالقانون؛ لأنه الطريق لأمنٍ مزدهرٍ واقتصادٍ جاذبٍ وإنسانٍ مطمئن.