مع تسارع دول منطقة الشرق الأوسط في انتقالها نحو اقتصادات قائمة على المعرفة، أصبح بناء بنية تحتية بحثية متينة ضرورة متزايدة الأهمية. وبينما تواصل المؤسسات الفردية إنتاج أعمال أكاديمية، لا يزال هناك فجوة أساسية تتمثل في غياب المنصات الموحّدة التي تربط الباحثين، وتتحقق من جودة الأبحاث، وتوسع أثرها عبر الحدود.

ومن هذا المنطلق، برز مركز باحثي الإمارات للبحوث والدراسات، الذي تأسس عام 2019 كأحد فروع مؤسسة الإمارات للعلوم والبحوث، ليطرح استجابة طموحة تتمثل في ترسيخ موقعه كمهندس للبنية التحتية البحثية في المنطقة.

يعمل المركز كمؤسسة شاملة للنشر والفهرسة الأكاديمية، حيث يشرف على مجلات علمية محكمة تغطي مجالات الأعمال، والطب، والهندسة، والدراسات الاجتماعية، والتحول الرقمي، إضافةً إلى تنظيم مؤتمرات دولية.

واستناداً إلى هذا الأساس، أطلق المركز ثلاث مبادرات استراتيجية في يونيو 2024.

تمثلت الأولى في خمسة مؤتمرات دولية متخصصة تناولت الذكاء اللغوي، والطب، والتسامح، والمسؤولية الاجتماعية، والاستدامة.

أما المبادرة الثانية، فهي منصة CiteScholar التي تُعد أول نظام مؤتمت لإدارة المؤتمرات والمجلات باللغتين العربية والإنجليزية، لمعالجة التحدي المتمثل في محدودية خدمة الأبحاث باللغة العربية. بينما جاءت المبادرة الثالثة لتأسيس رابطة الخليج للباحثين باعتبارها أول هيئة مكرسة لفهرسة البحوث في المنطقة، واضعةً معايير تحقق تتكامل مع الخدمات العالمية.

جوهر هذه المبادرات هو الابتكار القائم على الشراكات، وخاصة في مجال دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث ركز المركز على مشروعات تعاونية تُبرز القدرات بدلاً من مجرد إعلان التحول الداخلي.

ومن أبرز هذه المبادرات المشروع المشترك مع مجمع اللغة العربية في الشارقة: المعجم التاريخي للغة العربية المدعوم بالذكاء الاصطناعي، وهو منصة تضم أكثر من 20 مليون كلمة تتيح للمستخدمين التفاعل مع بيانات لغوية تاريخية.

يجسد هذا المشروع دمج خبرات البنية التحتية البحثية مع القدرات التخصصية للشركاء لتوليد حلول عملية، مقدماً نموذجاً قابلاً للتكرار، مع خطط للتوسع من خلال شراكات إضافية على المستويين الإقليمي والدولي.

تتوافق هذه الشراكات مع أولويات التنمية الوطنية، حيث تُؤطر المبادرات ضمن رؤية دولة الإمارات لجعل البحث العلمي أداة رئيسية لصنع القرار المستنير. ويمتد هذا التموضع إلى مستوى التنفيذ العملي، إذ يصف المركز مهمته بأنها تعمل كـ«عالِم افتراضي متكامل، ويخلق هذا الجمع بين الرؤية والتطبيق إطاراً يتناغم مع مختلف فئات أصحاب المصلحة.

من خلال بناء بنية تحتية يمكن للمؤسسات الأخرى الاستفادة منها، ينفذ مركز الإمارات استراتيجية ذات آثار شبكية قوية. فكلما زاد استخدام الباحثين لمنصة CiteScholar، وتقديم الأبحاث للمجلات المدارة من المركز، والمشاركة في المؤتمرات، أصبح الفهرس أكثر شمولاً وموثوقية.

وهذا يمنح المركز القدرة على التأثير في كيفية تقييم المخرجات العلمية إقليمياً، مع إبراز فرص لمزودي التكنولوجيا لتطوير أدوات ذكاء اصطناعي مهيأة للعربية، وتعزيز قدرات المنصات، وبناء أنظمة بحث ملائمة للسياقات الإقليمية.

أما بالنسبة للمجتمع البحثي الأوسع، فيُظهر نموذج مركز الإمارات كيف يمكن للمؤسسات استثمار الشراكات لبناء البنية التحتية دون الحاجة إلى استثمارات مستقلة ضخمة.

ومع سعي الشرق الأوسط إلى التحول نحو اقتصاد المعرفة بما يتماشى مع الرؤى الوطنية مثل «مئوية الإمارات 2071»، تصبح هذه البنية التحتية حجر الأساس في تشكيل اتجاهات البحث، وجودته، وأثره العالمي للأجيال القادمة.