هكذا نحن البشر.. تتراوح العلاقة بيننا بين مد وجزر، علاقات إيجابية وتارة سلبية، بين محبة وكره، بين تعاون وحسد، وبين غضب ورحمة، وكم من أحبة وأصدقاء تحولت علاقاتهم إلى عداوة، وكم من أعداء تحولت علاقاتهم إلى محبة.
هو لغز كبير، طبيعة هذا الإنسان؟ حير علماء النفس وعلماء الاجتماع على السواء، رغم العديد من الدراسات التي استغرق بعضها سنوات من البحث، اكتشفت أن علاقات البشر لا تخضع لنمط واحد، وإنما لها العديد من الأنماط وتتسم بسرعة التغير، خاصة إذا تغلغلت بين هذه العلاقة الخلافات، فنجد تغير المشاعر بشكل معاكس خاصة مع غياب ثقافة التسامح.
ولعلنا لو حللنا بعض الأمثال الشعبية والتي عادة ما تنم عن ثقافة المجتمع وتعبر عن تجارب الشعوب، وترصد خصائص العلاقات بين أفراد المجتمع، وتبين تنوعها حيث لخصت في شكل أمثال تلخص نوع العلاقة وكيفيتها، فنجد المثل القائل «لا محبة إلا بعد عداوة»، و»يا بخت من قدر وعفي» بمعنى عدم مقابلة الإساءة بالإساءة وإنّما العفو والصّفح والإحسان لمن أساء، والعديد من الأمثال التي حاولت من خلالها إصلاح الخلافات بين افراد المجتمع بشكل ودي.
فمن الطبيعي أن تشهد العديد من المجتمعات الخلافات بين أفراد المجتمع، حيث تتحول العلاقة بينهم لعلاقة سلبية كحال الخلافات بين الأخوة والأقارب، والخلافات الزوجية وحتى الخلافات المالية، سواء الميراث، أو الديون أو الأمانات وغيرها، وهنا يكون حل النزاع أحياناً بالرجوع لمراكز الشرطة، أو الاحتكام لدى القضاء، وعندما يلجأ الطرفان للجهات الرسمية سواء الشرطة أو القضاء غالبا ما تؤثر سلباً على العلاقة الاجتماعية والإنسانية بين الطرفين المتخاصمين، وربما امتد هذا التأثير إلى عناصر أخرى في عائلة الطرفين، ويقع المحذور وهو أن تنقطع العلاقة الاجتماعية فقد تكون علاقة رحم أو صداقة أو جيرة، وهو محذور يؤثر سلبا على الترابط الاجتماعي، وتنقطع شعرة معاوية فتصعب عودة المياه لمجاريها وصفاء النفوس مرة أخرى.
ولكننا نجد أن مجتمعنا الخليجي يتسم بنظام اجتماعي متماسك، ويرجع ذلك لأحد الممارسات وهي وجود «الكبير»، وهو ذلك الرجل الذي يحتكم إليه الناس في خلافاتهم، ويستشيرونه في أمور حياتهم، ويثقون برأيه لرجاحة عقله، وهو شخص مسؤول تجاه قومه، يحمل همهم ويخلص المشورة لهم دون مقابل، فهمه هو الهم العام، فمجتمعاتنا ترسخ دور الكبير، وتعظم من شأن الكبير وتعطيه الحق في اتخاذ العديد من القرارات نيابة عن أفراد مجتمعه، فلا يضيع حق في وجوده، فنجد داره هي دار للجميع يلجأ إليها المظلوم والمحتاج، والمهموم.
والكبير هو من يفرض احترامه على الجميع فتتوفر فيه العديد من السمات، مثل رجاحة العقل ومهارة الاستماع الجيد، والقدرة على حسم الأمور، لذا تجد الجميع يمتثل لرأيه ويحترمه، مرجحين المثل القائل «اللي ما له كبير يشتري له كبير»، وكذلك «اللي ما له كبير ما له تدبير». ونجد أن الناس يرجعون لهذا الكبير في جميع أمورهم، الزواج سواء في مرحلة اختيار الزوج، فيتم حضور الكبير لكي يرعى الاتفاق ويشهد على تفاصيله، كما يرجعون إليه في حالة الخلافات الزوجية، وقضايا تربية الأبناء وهمومها وغيرها، ويعدو ذلك الأمر إلى الرجوع في حالة العلاقات المالية من ديون ورهن وغير ذلك، كما يلجأ له المحتاج والمحتار والمظلوم فيعين المحتاج ويرشد الحيران إلى الطريق السليم ويأخذ حق المظلوم ممن ظلمه.
إن الرجوع إلى الكبير يعتمد على مبدأ احترام الكبير والثقة فيه، فتجد الناس يتقبلون حكمه ورأيه، ويحرص الكبير على ألا يترك رأيه صدع في العلاقة بين الطرفين، فتجده يهتم بإعادة العلاقة الاجتماعية والمودة بين الطرفين، وتجد الطرفان يتقبلان رأيه ويتقبلان عودة العلاقة لمجاريها مهما كان أحد الطرفين غير راضٍ عن رأي الكبير، فهو يتقبل الرأي احتراماً للضوابط الاجتماعية وثقة في الكبير، لذا غالبا ما تكون هناك قطيعة بين الطرفين قبل الرجوع لهذا الكبير، في حين نجد تعذر عودة العلاقة الإنسانية بعد الرجوع للقضاء أو ما شابه، وتنقطع سبل الترابط بين الناس حتى ولو كانوا أخوة وتنكسر علاقات الترابط الأسري.
تلك منظومة اجتماعية تساعد على الترابط الاجتماعي، وتحد من المشاكل في ساحات القضاء، وتسهم في تقليل حالات الطلاق، وتقلل من المشاكل الأسرية، وتبقى أسئلة تفرض نفسها على المجتمع، هل لا زالت ثقافة «كبير القوم» موجودة؟ وهل لغيابها أضرار على الترابط الاجتماعي؟ وهل وجودها ضرورة؟
وأقول، كم أتمنى العودة لقيمنا الاجتماعية الأصيلة. ودمتم أبناء قومي متحابين مترابطين.
هو لغز كبير، طبيعة هذا الإنسان؟ حير علماء النفس وعلماء الاجتماع على السواء، رغم العديد من الدراسات التي استغرق بعضها سنوات من البحث، اكتشفت أن علاقات البشر لا تخضع لنمط واحد، وإنما لها العديد من الأنماط وتتسم بسرعة التغير، خاصة إذا تغلغلت بين هذه العلاقة الخلافات، فنجد تغير المشاعر بشكل معاكس خاصة مع غياب ثقافة التسامح.
ولعلنا لو حللنا بعض الأمثال الشعبية والتي عادة ما تنم عن ثقافة المجتمع وتعبر عن تجارب الشعوب، وترصد خصائص العلاقات بين أفراد المجتمع، وتبين تنوعها حيث لخصت في شكل أمثال تلخص نوع العلاقة وكيفيتها، فنجد المثل القائل «لا محبة إلا بعد عداوة»، و»يا بخت من قدر وعفي» بمعنى عدم مقابلة الإساءة بالإساءة وإنّما العفو والصّفح والإحسان لمن أساء، والعديد من الأمثال التي حاولت من خلالها إصلاح الخلافات بين افراد المجتمع بشكل ودي.
فمن الطبيعي أن تشهد العديد من المجتمعات الخلافات بين أفراد المجتمع، حيث تتحول العلاقة بينهم لعلاقة سلبية كحال الخلافات بين الأخوة والأقارب، والخلافات الزوجية وحتى الخلافات المالية، سواء الميراث، أو الديون أو الأمانات وغيرها، وهنا يكون حل النزاع أحياناً بالرجوع لمراكز الشرطة، أو الاحتكام لدى القضاء، وعندما يلجأ الطرفان للجهات الرسمية سواء الشرطة أو القضاء غالبا ما تؤثر سلباً على العلاقة الاجتماعية والإنسانية بين الطرفين المتخاصمين، وربما امتد هذا التأثير إلى عناصر أخرى في عائلة الطرفين، ويقع المحذور وهو أن تنقطع العلاقة الاجتماعية فقد تكون علاقة رحم أو صداقة أو جيرة، وهو محذور يؤثر سلبا على الترابط الاجتماعي، وتنقطع شعرة معاوية فتصعب عودة المياه لمجاريها وصفاء النفوس مرة أخرى.
ولكننا نجد أن مجتمعنا الخليجي يتسم بنظام اجتماعي متماسك، ويرجع ذلك لأحد الممارسات وهي وجود «الكبير»، وهو ذلك الرجل الذي يحتكم إليه الناس في خلافاتهم، ويستشيرونه في أمور حياتهم، ويثقون برأيه لرجاحة عقله، وهو شخص مسؤول تجاه قومه، يحمل همهم ويخلص المشورة لهم دون مقابل، فهمه هو الهم العام، فمجتمعاتنا ترسخ دور الكبير، وتعظم من شأن الكبير وتعطيه الحق في اتخاذ العديد من القرارات نيابة عن أفراد مجتمعه، فلا يضيع حق في وجوده، فنجد داره هي دار للجميع يلجأ إليها المظلوم والمحتاج، والمهموم.
والكبير هو من يفرض احترامه على الجميع فتتوفر فيه العديد من السمات، مثل رجاحة العقل ومهارة الاستماع الجيد، والقدرة على حسم الأمور، لذا تجد الجميع يمتثل لرأيه ويحترمه، مرجحين المثل القائل «اللي ما له كبير يشتري له كبير»، وكذلك «اللي ما له كبير ما له تدبير». ونجد أن الناس يرجعون لهذا الكبير في جميع أمورهم، الزواج سواء في مرحلة اختيار الزوج، فيتم حضور الكبير لكي يرعى الاتفاق ويشهد على تفاصيله، كما يرجعون إليه في حالة الخلافات الزوجية، وقضايا تربية الأبناء وهمومها وغيرها، ويعدو ذلك الأمر إلى الرجوع في حالة العلاقات المالية من ديون ورهن وغير ذلك، كما يلجأ له المحتاج والمحتار والمظلوم فيعين المحتاج ويرشد الحيران إلى الطريق السليم ويأخذ حق المظلوم ممن ظلمه.
إن الرجوع إلى الكبير يعتمد على مبدأ احترام الكبير والثقة فيه، فتجد الناس يتقبلون حكمه ورأيه، ويحرص الكبير على ألا يترك رأيه صدع في العلاقة بين الطرفين، فتجده يهتم بإعادة العلاقة الاجتماعية والمودة بين الطرفين، وتجد الطرفان يتقبلان رأيه ويتقبلان عودة العلاقة لمجاريها مهما كان أحد الطرفين غير راضٍ عن رأي الكبير، فهو يتقبل الرأي احتراماً للضوابط الاجتماعية وثقة في الكبير، لذا غالبا ما تكون هناك قطيعة بين الطرفين قبل الرجوع لهذا الكبير، في حين نجد تعذر عودة العلاقة الإنسانية بعد الرجوع للقضاء أو ما شابه، وتنقطع سبل الترابط بين الناس حتى ولو كانوا أخوة وتنكسر علاقات الترابط الأسري.
تلك منظومة اجتماعية تساعد على الترابط الاجتماعي، وتحد من المشاكل في ساحات القضاء، وتسهم في تقليل حالات الطلاق، وتقلل من المشاكل الأسرية، وتبقى أسئلة تفرض نفسها على المجتمع، هل لا زالت ثقافة «كبير القوم» موجودة؟ وهل لغيابها أضرار على الترابط الاجتماعي؟ وهل وجودها ضرورة؟
وأقول، كم أتمنى العودة لقيمنا الاجتماعية الأصيلة. ودمتم أبناء قومي متحابين مترابطين.