لا هو استهداف للدين ولا هو تقصد لمذهب، إنما هو تعزيز لدولة القانون والمؤسسات، وسعي للمساواة في المراكز القانونية بين أصحاب الأديان والمذاهب، لهذا جاء المرسوم رقم 21 بشأن تنظيم جمع المال للأغراض العامة، دون استهداف مذهب معين بل ساوى بذلك بين الجميع.

ففي المادة الأولى حدد القانون ما هي الأغراض العامة «جميع أوجه النفع العام المشروعة سواء أكانت خيرية أو اجتماعية أو تعليمية أو ثقافية أو دينية».

جمْع المال: كل نشاط يقوم به شخص طبيعي أو اعتباري يكون الغرض منه جمع الأموال أو قبول التبرعات النقدية أو العينية بأية وسيلة من وسائل جمع المال وذلك من أي شخص طبيعي أو اعتباري داخل المملكة أو خارجها».

هذه المادة تطبق على الجميع، وعلى كل مسميات جمع المال سواء على الخمس أو على الزكاة أو على أي جمع للتبرعات والإعانات والمساعدات وغيرها في المساجد أو في المآتم أو في الكنائس، والجميع قابل بتلك الضوابط التي لم تمس جوهر الحق إنما نظمته فحسب و جعلته معلنا و بكل شفافية.

ثم ذكر القانون في المادة السابعة منه «وتبيّن اللائحة التنفيذية ضوابط قبول التبرعات والإجراءات المتعلقة بها وقواعد إنفاقها والتقرير بشأنها» أي أن للقانون لائحة تنفيذية يجب أن تصدر (حقيقة لا أدري إن صدرت تلك اللائحة أم لا) تضع قواعد وضوابط لأوجه الصرف والإنفاق لتلك الأموال بحيث لا تخل بحقوق وخصوصية المذاهب والأديان إنما تضمن عدم استغلالها بضمانات قانونية لا (بوعود) من مشايخ أو علماء أو مراجع دينية.

مع كل احترامنا لكل رجال الدين من أي ديانة كانت أو مذهب، فإن استحقاقات الدولة المدنية تستدعي أن تكون تلك الأنشطة خاضعة للضوابط القانونية التي تستدعي الالتزام من قبل المواطنين بها، ولا يجوز أن تخضع الرقابة لوعود فقط.

فيقدم الطلب ويطلب الترخيص ويتم التعهد بالالتزام بالضوابط ومنها نشر تقارير للعامة و اتباع مبدا الشفافية في الجمع و الانفاق لا في الجمع فحسب، و أعتقد أن في ذلك حماية حتى لأصحاب الترخيص وإبراء منهم للذمة أمام من خمس أو زكى أو قدم أي تبرع مالي لأغراض عامة.

كذلك وفقاً للمادة التاسعة من القانون «لا يجوز للمرخَّص له تحويل أية مبالغ مالية مما تم جمْعُه إلى شخص أو جهة خارج المملكة إلا بموافقة الوزير، ووفقاً للضوابط التي تحددها اللائحة التنفيذية (مره أخرى اللائحة التنظيمية)

ويشترط لقبول التبرعات من خارج المملكة أن يتضمن الترخيص الصادر السماح بذلك».

و لا يتناقض ذلك أبداً مع أية خصوصية مذهبية أو دينية أبداً، خاصة أن شعيرة الخمس مكفولة بالمادة 22 من الدستور «حرية الضميرمطلقة، وتكفل الدولة حرمة دور العبادة، وحرية القيام بشعائر الأديان والمواكب والاجتماعات الدينية طبقًا للعادات المرعية في البلد» لكنها كاي حق وآية حرية خاضعة دوما للضوابط القانونية دون إخلال بجوهرها، أما القول إن «الطائفة يجب أنْ تملك حقَّها في أنْ تمارسَ شأناً عباديّاً مذهبيّاً بعيداً عن أيَّة ضغوطاتٍ، وإملاءاتٍ، وتدخُّلاتٍ «فانه قول لا ينسجم أبداً مع ضوابط الدولة المدنية التي نخضع لها جميعنا، فالضوابط القانونية الدستورية لم ولن تكون أبداً «إملاءات أو ضغوط» بل هي مسطرة تساوي بين جميع المواطنين في الحقوق والالتزامات تسري أحكامها على الجميع سنياً كان أو شيعياً، مسلماً كان أو مسيحياً، فلا تضع التزاماً على أحد وتترك الآخر دونه.

أما القول إن المادة 22 كفلت لنا حق ممارسة حقوقنا العقائدية فهو صحيح لكن حق مشفوع بالمادة 31 التي نصت على «لا يكون تنظيم الحقوق و الحريات العامة المنصوص عليها في الدستور أو تحديدها إلا بقانون ...» و لم يقل إلا بوعود !!

القانون هو المرجعية التي ضمن تساوي الجميع بالالتزامات مثلما تضمن تساوي الجميع في الحقوق. وفي النهاية لا ينقص ذلك من دور رجال الدين ولا يمس من مكانتهم ولا يتدخل القانون في أوجه الصرف دامت في البحرين ودامت أوجه صرف مشروعه و في الأعمال الخيرية، تلك التفاصيل متروكة لهم.

أليست تلك هي الدولة المدنية التي نسعى لها جميعاً؟ أم إنها مدنية على الجميع وحين تأتي لصلاحيات وامتيازات رجال الدين تتوارى المدنية؟