ذكرت في المقال السابق أن من أهم العناصر التي يجب التركيز عليها قبل الشروع في عملية التعليم والتعلم هو الاستعداد النفسي للطالب، المسمى من قبل الباحث في مجال التعليم والتعلم مارزانو، بالنظام النفسي «Self-system»، والذي يأخذ مأخذه قبل عملية التعلم، وإذا ما تم بالطريقة المثلى فإن ذلك يهيئ المتلقي للمرحلة التالية وهي مرحلة النظام ما وراء المعرفي «Metacognitive system». إن مما يجب إدراكه والعمل على أساسه كركيزة في عملية التعليم هو عدم إلقاء اللوم على الطالب كلياً إذا تأخر في عملية التحصيل العلمي، حيث من الجائز جداً - كما فسره الباحث - أن يعود ذلك إلى عدم توافر أساسيات معينة من أساسيات إتمام العملية، كعدم تقبل المادة من الأساس أوعدم القدرة على فهم المادة وربطها بشيء له معنى أو على الأقل معرفة طرق الاستفادة من المادة في حياته مستقبلاً.
في هذا المقال سنتعرف أكثر على النظام ما وراء المعرفي «Metacognitive system»، الذي لا يقل أهمية عن النظام النفسي. أوضح مارزانو أن نظام ما وراء المعرفي هو النظام الذي يأخذ مجراه تلقائياً، بعد أن يقرر المتلقي إرادياً أو لا إرادياً الانخراط في عملية التعلم، حيث يسلك المتلقي سلوكاً معيناً في هذه المرحلة يضع فيه لنفسه عدة استراتيجيات تساعده على تعلم المادة العلمية، وتقييم مدى جودة تحصيله لهذه المادة. عند تطبيق هذا النظام ينتقل الطالب من مرحلة التلقي إلى مرحلة التعلم ويسمى بالمتعلم. ويمكن شرح هذه المرحلة بأمثلة بسيطة توضح كيف يضع المتعلم الاستراتيجيات التي تساعده على التحصيل والتعلم، فالطالب المهتم يفكر في طريقة مثلى للتعلم، كتخصيص وقت معين ومكان معين للمذاكرة، بينما زميله يبدل موضعه في الفصل ليحظى بمكان يساعده على التركيز، وتلك الطالبة تطلب من زميلاتها تشكيل مجموعة للدراسة، بينما الأخرى تطلب من صديقتها مراجعة المادة معها، وهكذا تتفاوت الاستراتيجيات بين الأفراد ولكلا منهم طريقته المفضلة.
وبما أننا نتكلم عن استراتيجيات التعلم فانه يجدر بنا التطرق إلى امر يهم جميع اولياء الأمور والتربويين وهو نسبية الاساليب التي يتبعها الطلاب في التعلم. فلكل منا «اسلوبه» في التعلم، وان هذه الاساليب التي يتبناها المتعلم لنفسه عادة تساعده على الاستفادة المثلى من المادة العلمية. وقد تعمدنا ذكر موضوع خصوصية اساليب التعلم كي نوضح الممارسات التي نراها بشكل يومي في طرق التدريس سواء كانت في المدارس او الجامعات، فمن المهم توافق طرق التدريس مع اساليب التعلم للطلاب لانه من العيب ان نخسر طالب هيأ نفسه سيكولوجيا لتقبل المادة عن طريق اسلوب تدريس لا يتناسب مع اسلوبه في التعلم، فمن يتعلم عن طريق المناقشة لا يجدر بمعلمه ان يستخدم معه طريقة المحاضرة التي تفتقد روح النقاش والحوار، وذلك الذي يتعلم عن طريق اساليب الايضاح المرئية يجب ان توفر له المادة العلمية على شكل مرئي، كعرض أفلام او تمثيلية لتساعده على تعلم المطلوب من المادة. من المهم على المعلم ان ينتبه لطرق طرحه للمادة العلمية للطلاب، لكن للأسف الممارسات المتبعة حاليا في الميدان مختلفة جدا، فمن الممارسات الشائعة في دور التعلم استخدام طرق ثابتة معممة على جميع الطلاب من دون مراعاة حقيقية للفروقات الفردية، كطرح المادة العلمية عن طريق المحاضرة مثلا والتي تلقى على جميع الطلبة في ان واحد، وبذلك يعود استخدام الطرق المعممة سلبا على الطلاب، فالاستفادة تكون لشريحة معينة منهم فقط.
نستخلص مما سبق أن مرحلة ما وراء المعرفي مرحلة مهمة للطالب حيث يخطط فيها للطرق المثلى للتحصيل، لذلك يجب على المعنيين مراعاة أساليب الطلبة واحتياجاتهم التعليمية كي تكتمل عملية التعلم والتعليم بطريقة مثلى. أتوقف هنا للتدبر وإعادة التفكير في طرق التعليم المستخدمة وطرق تطوير ممارساتنا، ونعود قريباً بمقال جديد.
* باحثة ومديرة التطوير الأكاديمي - بوليتكنك البحرين
في هذا المقال سنتعرف أكثر على النظام ما وراء المعرفي «Metacognitive system»، الذي لا يقل أهمية عن النظام النفسي. أوضح مارزانو أن نظام ما وراء المعرفي هو النظام الذي يأخذ مجراه تلقائياً، بعد أن يقرر المتلقي إرادياً أو لا إرادياً الانخراط في عملية التعلم، حيث يسلك المتلقي سلوكاً معيناً في هذه المرحلة يضع فيه لنفسه عدة استراتيجيات تساعده على تعلم المادة العلمية، وتقييم مدى جودة تحصيله لهذه المادة. عند تطبيق هذا النظام ينتقل الطالب من مرحلة التلقي إلى مرحلة التعلم ويسمى بالمتعلم. ويمكن شرح هذه المرحلة بأمثلة بسيطة توضح كيف يضع المتعلم الاستراتيجيات التي تساعده على التحصيل والتعلم، فالطالب المهتم يفكر في طريقة مثلى للتعلم، كتخصيص وقت معين ومكان معين للمذاكرة، بينما زميله يبدل موضعه في الفصل ليحظى بمكان يساعده على التركيز، وتلك الطالبة تطلب من زميلاتها تشكيل مجموعة للدراسة، بينما الأخرى تطلب من صديقتها مراجعة المادة معها، وهكذا تتفاوت الاستراتيجيات بين الأفراد ولكلا منهم طريقته المفضلة.
وبما أننا نتكلم عن استراتيجيات التعلم فانه يجدر بنا التطرق إلى امر يهم جميع اولياء الأمور والتربويين وهو نسبية الاساليب التي يتبعها الطلاب في التعلم. فلكل منا «اسلوبه» في التعلم، وان هذه الاساليب التي يتبناها المتعلم لنفسه عادة تساعده على الاستفادة المثلى من المادة العلمية. وقد تعمدنا ذكر موضوع خصوصية اساليب التعلم كي نوضح الممارسات التي نراها بشكل يومي في طرق التدريس سواء كانت في المدارس او الجامعات، فمن المهم توافق طرق التدريس مع اساليب التعلم للطلاب لانه من العيب ان نخسر طالب هيأ نفسه سيكولوجيا لتقبل المادة عن طريق اسلوب تدريس لا يتناسب مع اسلوبه في التعلم، فمن يتعلم عن طريق المناقشة لا يجدر بمعلمه ان يستخدم معه طريقة المحاضرة التي تفتقد روح النقاش والحوار، وذلك الذي يتعلم عن طريق اساليب الايضاح المرئية يجب ان توفر له المادة العلمية على شكل مرئي، كعرض أفلام او تمثيلية لتساعده على تعلم المطلوب من المادة. من المهم على المعلم ان ينتبه لطرق طرحه للمادة العلمية للطلاب، لكن للأسف الممارسات المتبعة حاليا في الميدان مختلفة جدا، فمن الممارسات الشائعة في دور التعلم استخدام طرق ثابتة معممة على جميع الطلاب من دون مراعاة حقيقية للفروقات الفردية، كطرح المادة العلمية عن طريق المحاضرة مثلا والتي تلقى على جميع الطلبة في ان واحد، وبذلك يعود استخدام الطرق المعممة سلبا على الطلاب، فالاستفادة تكون لشريحة معينة منهم فقط.
نستخلص مما سبق أن مرحلة ما وراء المعرفي مرحلة مهمة للطالب حيث يخطط فيها للطرق المثلى للتحصيل، لذلك يجب على المعنيين مراعاة أساليب الطلبة واحتياجاتهم التعليمية كي تكتمل عملية التعلم والتعليم بطريقة مثلى. أتوقف هنا للتدبر وإعادة التفكير في طرق التعليم المستخدمة وطرق تطوير ممارساتنا، ونعود قريباً بمقال جديد.
* باحثة ومديرة التطوير الأكاديمي - بوليتكنك البحرين