20صفحة من كتاب الدكتور نادر كاظم استعمالات الذاكرة، تبدأ من الصفحة 199 إلى الصفحة 220 تثبت دور «الذاكرة الشعبية» واستعمالاتها الخاطئة وبشكل علمي رصين أنها سبب من أسباب أزمة الطائفة الشيعية «كجماعة» في مشروع «التوافق مع الدولة» تلك الأزمة التي تحول دون الانخراط في عملية البناء والتنمية أكثر مما هي سبب من أسباب تكرار الأزمات الأمنية بين الحين والآخر.
وتبلغ أهمية الكتاب في هذا الفصل لأنه يضع يده على جرح غائر ما زال ينزف دون علاج وتكاد تكون محاولة الدكتور نادر كاظم هي المحاولة اليتيمة التي تجرأ فيها أحد على الاقتراب من هذا الجرح وتشخيص علته.
المرويات الشفهية لسنوات الشتات تؤرخ لدخول العمانيين الأول 1717 والثاني عام 1737 للبحرين في حربهم مع الدولة الصفوية وشتات الشيعة من أهل البحرين حين ذاك هرباً من بطش الإباضية العمانية، أي قبل دخول آل خليفة للبحرين بنصف قرن، مرويات حفرت في الذاكرة بآلامها وأحزانها، وانتشرت شفهياً بين الرواة ووجدت لها إسقاطاً تاريخياً مناسباً يربطها بالمرويات التاريخية التي تشكلت على إثرها الجماعة الثاني عشرية بدءاً من واقعة الجمل إلى كربلاء وغيرها، وبقيت هذه المرويات تستخدم بشكل متكرر في الذاكرة الشعبية الشفهية لتعزيز حالة الألم وحالة الشتات والتشرد والضياع، حتى بعد أن استقرت الدولة وعاد المشردون لأوطانهم بفعل الاستقرار والأمن الذي كان سببه حكم آل خليفة وهذا بإقرار المؤرخين المعاصرين حين ذاك كالتاجر وناصر الخيري، إنما ظل استخدام الذاكرة في غير موضعه مستمراً، وبقي الربط بين تلك المرويات التي تدين الظلم وتندب الألم والشتات مع الدولة التي تأسست 1783 والتي استقرت منذ 1923 واستقلت عن الحماية البريطانية عام 1970، إلا أن ذلك المتغير لم ينجح في كسر طوق العزلة ولا في توقف عجلة ندب الشتات واجترار الألم، وبقي حاضراً حياً متفاعلاً يسقط كل حدث تاريخي على الواقع العصري قسراً، ويحول بين أي توافق وانصهار واندماج للجماعة في الدولة، أضف لها أن اعتزال «الدولة» في بعض نظريات الفقه الشيعي واجب أثناء الغيبة الكبرى إلى حين رجوع الإمام، بقي هو الآخر كمحرك آخر حال بين الانصهار والاندماج والتوافق بين تلك الجماعات وبين الدولة من أساسه، إلى أن جاء الخميني بنظرية ولاية الفقيه التي أجازت العمل السياسي أي الحكم وإدارة الدولة باشتراط أن يكون الحاكم فقيهاً، وما تبعها من تصدير للثورة وانخراط شريحة كبيرة من شيعة البحرين في اعتناق تلك النظرية.
تلك المحاولة اليتيمة التي لامست المحظور وتخطت التابو تحتاج أن يكون لها إخوة وأخوات وأبناء وربما أحفاد وألا تتوقف عند هذا الحد، تحتاج لشجاعة تفتحها علناً لا في كتاب متداول بين النخبة المثقفة وتتجنب طرحه على العوام، تحتاج أن تنكأ الجرح حتى تتمكن من فتحه وتنظيفه ومعالجته، ودونه فإن أي حديث عن معالجة أمنية أو سياسية أو إصلاح أو ديمقراطية أو حقوق مدنية أو حقوق إنسانية أو أي من استحقاقات الدولة المعاصرة حديث غير مجد، وهدر للوقت، وهدنة لا تلبث أن تخرق، مازالت ماكنة العزلة حية وماكنة الاستعمالات الخاطئة للذاكرة تعمل بكامل طاقتها من خلال تلك المرويات التي تتجدد في البيت وفي دور العبادة و في كل تجمع تبني حوائط العزلة والصد والخصومة مع الدولة القائمة بشكل تلقائي يسبق أي احتكاك بين المرء والدولة، فما تلبث أن تستقطبها قوى الشر لتجندها لمشاريع قائمة على إسقاط الدولة البحرينية.
وتبلغ أهمية الكتاب في هذا الفصل لأنه يضع يده على جرح غائر ما زال ينزف دون علاج وتكاد تكون محاولة الدكتور نادر كاظم هي المحاولة اليتيمة التي تجرأ فيها أحد على الاقتراب من هذا الجرح وتشخيص علته.
المرويات الشفهية لسنوات الشتات تؤرخ لدخول العمانيين الأول 1717 والثاني عام 1737 للبحرين في حربهم مع الدولة الصفوية وشتات الشيعة من أهل البحرين حين ذاك هرباً من بطش الإباضية العمانية، أي قبل دخول آل خليفة للبحرين بنصف قرن، مرويات حفرت في الذاكرة بآلامها وأحزانها، وانتشرت شفهياً بين الرواة ووجدت لها إسقاطاً تاريخياً مناسباً يربطها بالمرويات التاريخية التي تشكلت على إثرها الجماعة الثاني عشرية بدءاً من واقعة الجمل إلى كربلاء وغيرها، وبقيت هذه المرويات تستخدم بشكل متكرر في الذاكرة الشعبية الشفهية لتعزيز حالة الألم وحالة الشتات والتشرد والضياع، حتى بعد أن استقرت الدولة وعاد المشردون لأوطانهم بفعل الاستقرار والأمن الذي كان سببه حكم آل خليفة وهذا بإقرار المؤرخين المعاصرين حين ذاك كالتاجر وناصر الخيري، إنما ظل استخدام الذاكرة في غير موضعه مستمراً، وبقي الربط بين تلك المرويات التي تدين الظلم وتندب الألم والشتات مع الدولة التي تأسست 1783 والتي استقرت منذ 1923 واستقلت عن الحماية البريطانية عام 1970، إلا أن ذلك المتغير لم ينجح في كسر طوق العزلة ولا في توقف عجلة ندب الشتات واجترار الألم، وبقي حاضراً حياً متفاعلاً يسقط كل حدث تاريخي على الواقع العصري قسراً، ويحول بين أي توافق وانصهار واندماج للجماعة في الدولة، أضف لها أن اعتزال «الدولة» في بعض نظريات الفقه الشيعي واجب أثناء الغيبة الكبرى إلى حين رجوع الإمام، بقي هو الآخر كمحرك آخر حال بين الانصهار والاندماج والتوافق بين تلك الجماعات وبين الدولة من أساسه، إلى أن جاء الخميني بنظرية ولاية الفقيه التي أجازت العمل السياسي أي الحكم وإدارة الدولة باشتراط أن يكون الحاكم فقيهاً، وما تبعها من تصدير للثورة وانخراط شريحة كبيرة من شيعة البحرين في اعتناق تلك النظرية.
تلك المحاولة اليتيمة التي لامست المحظور وتخطت التابو تحتاج أن يكون لها إخوة وأخوات وأبناء وربما أحفاد وألا تتوقف عند هذا الحد، تحتاج لشجاعة تفتحها علناً لا في كتاب متداول بين النخبة المثقفة وتتجنب طرحه على العوام، تحتاج أن تنكأ الجرح حتى تتمكن من فتحه وتنظيفه ومعالجته، ودونه فإن أي حديث عن معالجة أمنية أو سياسية أو إصلاح أو ديمقراطية أو حقوق مدنية أو حقوق إنسانية أو أي من استحقاقات الدولة المعاصرة حديث غير مجد، وهدر للوقت، وهدنة لا تلبث أن تخرق، مازالت ماكنة العزلة حية وماكنة الاستعمالات الخاطئة للذاكرة تعمل بكامل طاقتها من خلال تلك المرويات التي تتجدد في البيت وفي دور العبادة و في كل تجمع تبني حوائط العزلة والصد والخصومة مع الدولة القائمة بشكل تلقائي يسبق أي احتكاك بين المرء والدولة، فما تلبث أن تستقطبها قوى الشر لتجندها لمشاريع قائمة على إسقاط الدولة البحرينية.