واضح أن الأزمة الخليجية التي تدخل اليوم وللأسف الشديد شهرها الثالث أثرت على الكثير من المثقفين ممن يفترض أنهم الأكثر ثباتاً في مثل هذه الظروف والأكثر رزانة حيث صار البعض يؤكد من خلال سلوكه وتصرفاته بأنه أسيرها بدل أن يوظف خبراته وتجاربه وثقافته وقدراته في التخفيف من حدتها والمساهمة في رفضها باعتبار المثقفين طليعة المجتمع.

متابعة للحوارات التي يشارك فيها أولئك المثقفون في الفضائيات وللتغريدات التي ينشرونها عبر وسائل التواصل الاجتماعي تبين أن الكثيرين منهم باتوا يتخذون مواقف شخصية من بعضهم البعض ويشاركون بحس يسهل تبين أنهم في داخلهم لا يعترفون بالآخر وأنه اليوم لا قيمة له عندهم.

هذا أمر مؤسف ولكنه اليوم واقع وحقيقة، ولهذا فإن أغلب البرامج الحوارية التي يتم فيها استضافة أشخاص ينتمون إلى الدول التي هي اليوم في خلاف يسودها التوتر وتظهر العصبية على المشاركين فيها. لعل المثال الأقرب والأكثر وضوحاً هو الحوار الذي شاركت فيه أخيراً الإماراتية الدكتورة ابتسام الكعبي وآخران أحدهما من قطر حيث شرحت الكعبي وجهة نظرها في الموضوع المطروح ثم أعطت مقدمة البرنامج الفرصة للقطري كي يرد ففعل ولكن الكعبي قاطعته لتوضح أنها لم تقل عبارة معينة رددها وأن هناك سوء فهم، لكنه رد عليها بشكل غير مقبول «خليجياً» فقال لها «عن اللقافة»، وهي العبارة التي لم تفهمها المذيعة غير الخليجية والتي لم يعجبها مقاطعة الدكتورة ابتسام للمتحدث من جديد وتهديدها بالانسحاب من الحوار إن انحدر إلى هذا المستوى.

ربما لم يكن الدكتور القطري «لا أتذكر اسمه» يقصد بتلك العبارة غير اللائقة الإساءة فليس بين المثقفين الخليجيين من عرف عنه مثل هذا السلوك ولكنها تؤكد فكرة سيطرة تعقد المشكلة الخليجية على الكثيرين وضيقهم منها وانعكاس ذلك في أحاديثهم وتصرفاتهم، والغالب أن تفاهماً جميلاً حدث بينه وبين الدكتورة ابتسام أدى إلى إنهاء الموضوع، فكلاهما محترم، وهكذا هم كل الخليجيين.

طبعاً في اللغة العربية كلمة «لقافة» ليست كلمة سيئة فهي تعني «الحذق والمهارة وسرعة الأخذ بما يرمى إليك باليد أو اللسان»، لكنها في اللهجة الخليجية لها معنى مختلف وغير مقبول أو حساس وفي المجمل يوصف بها الشخص الذي يتدخل في شأن لا يعنيه أو أنه يريد معرفة كل شيء ويتعجل في ذلك.

ما حدث في هذا البرنامج الحواري، وحدث ويحدث في برامج أخرى، وما صار ينشر في وسائل التواصل الاجتماعي من آراء وردود على تلك الآراء من دون ضوابط يؤكد حالة التوتر التي صارت تسود بين الكثيرين من أبناء دول مجلس التعاون بسبب الخلاف الذي طرأ، وهي حالة تعتبر في كل الأحوال غريبة على المجتمع الخليجي المعروف بهدوئه والذي وصل مثقفوه إلى مرحلة من الذرابة في الحوار تفوق ما قد يراه العالم من ذرابة يبديها المشاركون في البرامج الحوارية في الدول المتقدمة.

القصة ليست قصة خطأ أو تجاوز مشارك من قطر على مشارك من الإمارات في هذا البرنامج فهذا أمر سهل ضبطه وتداركه وهو في الغالب غير مقصود، القصة أكبر من هذا، فمثل هذه الأخطاء والتجاوزات سواء في برامج الفضائيات أو في وسائل التواصل الاجتماعي تؤسس لحالة مرفوضة خليجيا لكنها ستتمكن من المجتمع الخليجي سريعاً إن لم يتم وضع حد لها مبكراً وسيكون لها آثار سلبية كبيرة وقد تتسبب في شرخ يصعب حتى على الزمن معالجته. من هنا فإن على المثقفين الخليجيين الذين من الطبيعي أن ينحاز كل منهم إلى وطنه ويدافع عن موقف حكومته أن ينتبهوا إلى هذا الأمر وأن يوظفوا قدراتهم وخبراتهم في رفضه والعمل بدلاً عن ذلك على تأسيس قواعد للحوار وللتغريد.