نواصل حديثنا عن دور المحكمة الدستورية في حماية الحقوق والحريات العامة. إن السلطة التشريعية عندما تنظم هذه الحقوق والحريات بقوانين فيجب أن توازن بين هذه الحقوق والحريات من جهة وألا تعصف بمضمون هذه الحقوق والحريات بحجة تنظيمها أو تحديدها من جهة أخرى، وهذا ما استندت إليه المحكمة الدستورية في حكمها الأخير.
فمهمة المشرع في تنظيم الحقوق والحريات مقيدة بعدم مصادرتها، أو الانتقاص منها، أو فرض قيود عليها بحيث تجعل ممارستها شاقة ومرهقة للأفراد. فتنظيم الحقوق والحريات يجب أن يكون منسجماً مع نصوص الدستور وخصوصاً نص المادة 31 منه، ومتوافقاً مع الغاية التي توخى الدستور تحقيقها.
والمحكمة الدستورية من خلال استعراض أحكامها في مجال الحقوق والحريات نجد أنها تحاول أن توازن بين الحقوق والحريات الخاصة بالأفراد من جهة، وبين المصلحة العامة أو حقوق الجماعة من جهة أخرى. فالدستور ينص على الحقوق والحريات العامة التي يتمتع بها الأفراد، والمشرع يتولى تنظيم هذه الحقوق والحريات بشرط عدم الانتقاص منها، أو المساس بمضمونها، ولذا فإن المشرع يجب أن يراعي عند سن هذه التشريعات الخاصة بالحقوق والحريات أن تكون منسجمة ومتناسقة ومتناسبة مع نصوص الدستور والمبادئ المستمدة منه.
وقد حكمت المحكمة الدستورية أيضاً بعدم دستورية بعض نصوص المرسوم بقانون رقم «4» لسنة 2001 بشأن حظر ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب المعدل بقانون رقم «54» لسنة 2006 وذلك، لأن المشرع قد مد عقوبة المصادرة للأموال المملوكة لزوج وأبناء مرتكب جريمة غسيل الأموال القصر ولو كانت غير متحصلة من الجريمة يقوض مبدأ شرعية العقوبة، وينتهك الحرية الشخصية، ويتعدى على أهم خصائص حق الملكية، إذ أكدت المحكمة بأنه لا يجوز للمشرع أن يتذرع بحماية مصلحة عامة أن يتعدى على حق الملكية، ويناهض وظيفتها الاجتماعية.
ومارست المحكمة دورها في حماية الحقوق والحريات في حكم حديث صدر لها بتاريخ 2 يوليو 2014 بشأن الإحالة الملكية لمشروع قانون المرور قبل إصداره لتقرير مدى مطابقة المادة «20» منه للدستور التي تنص على أن «مع عدم الإخلال بالشروط الواجب توافرها في المادة السابقة، لا يجوز للأجانب المقيمين في مملكة البحرين، من غير مواطني دول مجلس التعاون الخليجي، الحصول على رخصة قيادة أو قيادة مركبة آلية إلا إذا كانت طبيعة عملهم تقتضي ذلك، وتحدد اللائحة التنفيذية طبيعة الأعمال الأخرى التي تُمنح بموجبها رخص القيادة للأجانب أو يُسمح لهم بقيادة مركبة آلية في مملكة البحرين».
وأكدت المحكمة الدستورية في هذا الحكم أن تنظيم المشرع للحقوق والحريات العامة مقيد بعدم المساس بجوهرها أو الانتقاص منها، وعدّت الانتقاص من الحقوق والحريات أمراً مخالفاً للدستور، فجاء في حكمها أن «وحيث إنه من المقرّر في قضاء هذه المحكمة أن المادة «31» من الدستور، إذ اقتضت الآتي «لا يكون تنظيم الحقوق والحريات العامة المنصوص عليها في هذا الدستور أو تحديدها إلا بقانون، أو بناءً عليه. ولا يجوز أن ينال التنظيم أو التحديد من جوهر الحق أو الحرية»، وقد دل ذلك على أن جوهر سلطة المشرّع في تنظيم الحقوق يتمثل في المفاضلة التي يجريها المشرع بين البدائل المختلفة التي تتصل بالموضوع محل التنظيم موازناً بينها ومرجحاً ما يراه أنسبها لمضمونها وأجدرها بتحقيق مصالح الجماعة واختيار أصلحها ملاءمة للوفاء بمتطلباتها في خصوص الموضوع الذي يتناوله التنظيم. إلا أن ممارسة هذه السلطة مقيدة بضوابط الدستور وحدوده والتي تعد سياجاً لا يجوز اقتحامه أو تخطيه، فإذا ما عهد الدستور إلى أي من السلطتين التشريعية أو التنفيذية بتنظيم موضوع معين، كان لزاماً على القواعد القانونية التي تصدر عن أي منهما في هذا النطاق ألا تنال من جوهر الحقوق أو الحريات التي كفلها الدستور، سواء بنقضها من أساسها، أو بانتقاصها من أطرافها. وإلا كان ذلك بمثابة عدوان على مجالاتها الحيوية.
وحيث نصت المادة «19» من دستور مملكة البحرين لسنة 2002، في البند «أ» منها على أن «الحرية الشخصية مكفولة وفقاً للقانون».
كما أوردت المحكمة في حيثيات حكمها أن «وحيث إن مملكة البحرين قد انضمت إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية للأمم المتحدة، وتم التصديق على انضمامها بتاريخ 12 أغسطس 2006، وصدر بشأن ذلك القانون رقم «56» لسنة 2006 ونُشر في الجريدة الرسمية في العدد «2752» بتاريخ 16 أغسطس 2006»، وقد نصت المادة «12/1» من هذا العهد على أن: «لكل فرد يوجد على نحو قانوني داخل إقليم دولة ما حقُّ حرية التنقل فيه...». كما نصّت المادة «26» منه على أن «الناس جميعاً سواء أمام القانون ويتمتعون دون أي تمييز بحق متساوٍ في التمتّع بحمايته. وفي هذا الصدد يجب أن يحظر القانون أي تمييز وأن يكفل لجميع الأشخاص على السواء حماية فعالة من التمييز لأي سبب كالعرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي سياسياً أو غير سياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الثروة أو النسب، أو غير ذلك من الأسباب».
* أستاذ القانون العام المساعد
في كلية الحقوق بجامعة البحرين
فمهمة المشرع في تنظيم الحقوق والحريات مقيدة بعدم مصادرتها، أو الانتقاص منها، أو فرض قيود عليها بحيث تجعل ممارستها شاقة ومرهقة للأفراد. فتنظيم الحقوق والحريات يجب أن يكون منسجماً مع نصوص الدستور وخصوصاً نص المادة 31 منه، ومتوافقاً مع الغاية التي توخى الدستور تحقيقها.
والمحكمة الدستورية من خلال استعراض أحكامها في مجال الحقوق والحريات نجد أنها تحاول أن توازن بين الحقوق والحريات الخاصة بالأفراد من جهة، وبين المصلحة العامة أو حقوق الجماعة من جهة أخرى. فالدستور ينص على الحقوق والحريات العامة التي يتمتع بها الأفراد، والمشرع يتولى تنظيم هذه الحقوق والحريات بشرط عدم الانتقاص منها، أو المساس بمضمونها، ولذا فإن المشرع يجب أن يراعي عند سن هذه التشريعات الخاصة بالحقوق والحريات أن تكون منسجمة ومتناسقة ومتناسبة مع نصوص الدستور والمبادئ المستمدة منه.
وقد حكمت المحكمة الدستورية أيضاً بعدم دستورية بعض نصوص المرسوم بقانون رقم «4» لسنة 2001 بشأن حظر ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب المعدل بقانون رقم «54» لسنة 2006 وذلك، لأن المشرع قد مد عقوبة المصادرة للأموال المملوكة لزوج وأبناء مرتكب جريمة غسيل الأموال القصر ولو كانت غير متحصلة من الجريمة يقوض مبدأ شرعية العقوبة، وينتهك الحرية الشخصية، ويتعدى على أهم خصائص حق الملكية، إذ أكدت المحكمة بأنه لا يجوز للمشرع أن يتذرع بحماية مصلحة عامة أن يتعدى على حق الملكية، ويناهض وظيفتها الاجتماعية.
ومارست المحكمة دورها في حماية الحقوق والحريات في حكم حديث صدر لها بتاريخ 2 يوليو 2014 بشأن الإحالة الملكية لمشروع قانون المرور قبل إصداره لتقرير مدى مطابقة المادة «20» منه للدستور التي تنص على أن «مع عدم الإخلال بالشروط الواجب توافرها في المادة السابقة، لا يجوز للأجانب المقيمين في مملكة البحرين، من غير مواطني دول مجلس التعاون الخليجي، الحصول على رخصة قيادة أو قيادة مركبة آلية إلا إذا كانت طبيعة عملهم تقتضي ذلك، وتحدد اللائحة التنفيذية طبيعة الأعمال الأخرى التي تُمنح بموجبها رخص القيادة للأجانب أو يُسمح لهم بقيادة مركبة آلية في مملكة البحرين».
وأكدت المحكمة الدستورية في هذا الحكم أن تنظيم المشرع للحقوق والحريات العامة مقيد بعدم المساس بجوهرها أو الانتقاص منها، وعدّت الانتقاص من الحقوق والحريات أمراً مخالفاً للدستور، فجاء في حكمها أن «وحيث إنه من المقرّر في قضاء هذه المحكمة أن المادة «31» من الدستور، إذ اقتضت الآتي «لا يكون تنظيم الحقوق والحريات العامة المنصوص عليها في هذا الدستور أو تحديدها إلا بقانون، أو بناءً عليه. ولا يجوز أن ينال التنظيم أو التحديد من جوهر الحق أو الحرية»، وقد دل ذلك على أن جوهر سلطة المشرّع في تنظيم الحقوق يتمثل في المفاضلة التي يجريها المشرع بين البدائل المختلفة التي تتصل بالموضوع محل التنظيم موازناً بينها ومرجحاً ما يراه أنسبها لمضمونها وأجدرها بتحقيق مصالح الجماعة واختيار أصلحها ملاءمة للوفاء بمتطلباتها في خصوص الموضوع الذي يتناوله التنظيم. إلا أن ممارسة هذه السلطة مقيدة بضوابط الدستور وحدوده والتي تعد سياجاً لا يجوز اقتحامه أو تخطيه، فإذا ما عهد الدستور إلى أي من السلطتين التشريعية أو التنفيذية بتنظيم موضوع معين، كان لزاماً على القواعد القانونية التي تصدر عن أي منهما في هذا النطاق ألا تنال من جوهر الحقوق أو الحريات التي كفلها الدستور، سواء بنقضها من أساسها، أو بانتقاصها من أطرافها. وإلا كان ذلك بمثابة عدوان على مجالاتها الحيوية.
وحيث نصت المادة «19» من دستور مملكة البحرين لسنة 2002، في البند «أ» منها على أن «الحرية الشخصية مكفولة وفقاً للقانون».
كما أوردت المحكمة في حيثيات حكمها أن «وحيث إن مملكة البحرين قد انضمت إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية للأمم المتحدة، وتم التصديق على انضمامها بتاريخ 12 أغسطس 2006، وصدر بشأن ذلك القانون رقم «56» لسنة 2006 ونُشر في الجريدة الرسمية في العدد «2752» بتاريخ 16 أغسطس 2006»، وقد نصت المادة «12/1» من هذا العهد على أن: «لكل فرد يوجد على نحو قانوني داخل إقليم دولة ما حقُّ حرية التنقل فيه...». كما نصّت المادة «26» منه على أن «الناس جميعاً سواء أمام القانون ويتمتعون دون أي تمييز بحق متساوٍ في التمتّع بحمايته. وفي هذا الصدد يجب أن يحظر القانون أي تمييز وأن يكفل لجميع الأشخاص على السواء حماية فعالة من التمييز لأي سبب كالعرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي سياسياً أو غير سياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الثروة أو النسب، أو غير ذلك من الأسباب».
* أستاذ القانون العام المساعد
في كلية الحقوق بجامعة البحرين