اختيار الظل بين الآونة والأخرى هو نوع من الحصانة؛ لكن المراقب الخليجي لا تتوفر له تلك الرقابة دوماً، حيث يتابع خطاب أزماتنا في تقهقره السريع نحو تدمير العفة الحوارية في الإعلام، وفي أدوات التواصل الاجتماعي. فهل هناك بديل لخطاب منصات الأزمة التي صارت أكبر تجمع للفحش اللغوي!
قبل أكثر من قرن تفجرت أزمة بين أكثر رجال جزيرة العرب طموحاً آنذاك. فقد تولى الأمير عبدالعزيز المتعب الرشيد حكم حائل 1897 التي كانت تعيش في أوج ازدهارها بمساندة العثمانيين. وفي المقابل وصل الشيخ مبارك الصباح لحكم الكويت 1896 فعاشت في عصره الغنى والقوة ويسانده الإنجليز. وكان كلاهما يحاول جعل الجزيرة العربية قبل قيام الدولة السعودية الثالثة منطقة نفوذ له. وكان الصدام محتم؛ فقرر مبارك احتلال «نجد» وتحطيم قوة ابن رشيد. وسارت الحملة التي كان مشهدها الختامي هزيمة جيش الكويت في «معركة الصريف» 18 مارس 1901.
قبل المعركة كان مبارك بن صباح يجرد على بن رشيد الحملات الإعلامية بمقاييس ذلك الزمن. ولو خيرت في أقوى ما قيل بين الطرفين لوضعت تاج اختياري على رأس شاعر الكويت الكبير حمود الناصر البدر الذي طلب منه مبارك قبل المعركة قصيدة ورسالة لغريمه. صحيح أن الشاعر جهّز نصراً لم يحدث. لكن ما يهمنا هو أسلوب تخاطب الطرفين رغم أن بن صباح قتل من آل رشيد صفوتهم. فيما أفنت سيوف بن رشيد الكويتيين وعلى رأسهم حمود أخ مبارك. لكن لغة الحوار بين طرفي عداوة معمدة بالدم لم تنحدر. ففي قصيدة «ياراكبين أكوار» المشهورة نضعها بصوت عبدالله فضالة رحمة السليطي على الرابط: https://www.youtube.com/watch?v=RyhUoFNHOSQ
يصف الشاعر عدوهم بصفات تصل حد المديح قبل أن يسترسل بالتهديد والوعيد بدون إسفاف. ففي المديح وصف بن رشيد بالكرم وصيانة العرض، وبالهجاء وصفه بقوة الجبل، مستدركاً أننا نجم إذا هوى عليه دمره.
ريف الضيوف ودار ستر العذارى---عبد العزيز الشمري سر وجهار
أنتم كما ضلع قوي الحجارا---وحنا كما نجم على الضلع حدار
لقد أصبحت قصيدة «ياراكبين أكوار» من روائع شعر الحرب بجزيرة العرب، وانهالت عليها قصائد معارضة كثيرة، لكن هذه القصيدة امتازت بالجزالة والبعد عن التهتك حتى مع الخصم.
بالعجمي الفصيح
قد تقرأ الأزمات الكبرى كحدث يعطل حتى ردة الفعل الطبيعية؛ لكن الغضب ليس مبرراً ليكون أداة حقن سلوكي لأنماط البذاءة. فأجدادنا كانوا يجيدون قارص القول، حتى ذهبت أقوالهم في كل مناحي الحياة أمثالاً. لكن الرقي حفظ أسماءهم وما قالوه؛ بعكس لصوص اللحظة التاريخية حالياً، والذين سيفرون كفئران السفينة الغارقة حين تحل الكارثة.
قبل أكثر من قرن تفجرت أزمة بين أكثر رجال جزيرة العرب طموحاً آنذاك. فقد تولى الأمير عبدالعزيز المتعب الرشيد حكم حائل 1897 التي كانت تعيش في أوج ازدهارها بمساندة العثمانيين. وفي المقابل وصل الشيخ مبارك الصباح لحكم الكويت 1896 فعاشت في عصره الغنى والقوة ويسانده الإنجليز. وكان كلاهما يحاول جعل الجزيرة العربية قبل قيام الدولة السعودية الثالثة منطقة نفوذ له. وكان الصدام محتم؛ فقرر مبارك احتلال «نجد» وتحطيم قوة ابن رشيد. وسارت الحملة التي كان مشهدها الختامي هزيمة جيش الكويت في «معركة الصريف» 18 مارس 1901.
قبل المعركة كان مبارك بن صباح يجرد على بن رشيد الحملات الإعلامية بمقاييس ذلك الزمن. ولو خيرت في أقوى ما قيل بين الطرفين لوضعت تاج اختياري على رأس شاعر الكويت الكبير حمود الناصر البدر الذي طلب منه مبارك قبل المعركة قصيدة ورسالة لغريمه. صحيح أن الشاعر جهّز نصراً لم يحدث. لكن ما يهمنا هو أسلوب تخاطب الطرفين رغم أن بن صباح قتل من آل رشيد صفوتهم. فيما أفنت سيوف بن رشيد الكويتيين وعلى رأسهم حمود أخ مبارك. لكن لغة الحوار بين طرفي عداوة معمدة بالدم لم تنحدر. ففي قصيدة «ياراكبين أكوار» المشهورة نضعها بصوت عبدالله فضالة رحمة السليطي على الرابط: https://www.youtube.com/watch?v=RyhUoFNHOSQ
يصف الشاعر عدوهم بصفات تصل حد المديح قبل أن يسترسل بالتهديد والوعيد بدون إسفاف. ففي المديح وصف بن رشيد بالكرم وصيانة العرض، وبالهجاء وصفه بقوة الجبل، مستدركاً أننا نجم إذا هوى عليه دمره.
ريف الضيوف ودار ستر العذارى---عبد العزيز الشمري سر وجهار
أنتم كما ضلع قوي الحجارا---وحنا كما نجم على الضلع حدار
لقد أصبحت قصيدة «ياراكبين أكوار» من روائع شعر الحرب بجزيرة العرب، وانهالت عليها قصائد معارضة كثيرة، لكن هذه القصيدة امتازت بالجزالة والبعد عن التهتك حتى مع الخصم.
بالعجمي الفصيح
قد تقرأ الأزمات الكبرى كحدث يعطل حتى ردة الفعل الطبيعية؛ لكن الغضب ليس مبرراً ليكون أداة حقن سلوكي لأنماط البذاءة. فأجدادنا كانوا يجيدون قارص القول، حتى ذهبت أقوالهم في كل مناحي الحياة أمثالاً. لكن الرقي حفظ أسماءهم وما قالوه؛ بعكس لصوص اللحظة التاريخية حالياً، والذين سيفرون كفئران السفينة الغارقة حين تحل الكارثة.