هذه الأمور الثلاثة هي «قد» تكون أغلب طموحات البشر منحصرة فيها.

وفي أحيان كثيرة، من يمتلك أحدها يسعى لعنصر آخر أو العنصرين الباقيين، ما يعني أن الإنسان يظل في حالة بحث عن هذه العناصر.

لو سألنا البشر عن مبتغاهم في هذه الدنيا، وما يسعون إليه في حياتهم اليومية، سواء الاجتماعية أو المهنية، قد تنحصر الإجابات في هذه العناصر الثلاثة، وكل له وجهة نظر.

لكن السؤال المهم هنا، هل هذه العناصر هي الوحيدة التي تجعل لوجود الإنسان «معنى»، باعتبار أنه يلاحقها، وحين يجدها فإنه وصل لتحقيق هدف أثير؟!

وبمناسبة الحديث، تذكرت قصة قصيرة تم تناقلها بكثرة، مع تغيير الأسماء والشخصيات المعنية بها، رغم الظن بكونها «قصة رمزية» هدفها تسليط الضوء على شيء هام معني بسعي الإنسان للبحث عن غاياته. إذ تقول بأنه توقفت سيارتان عند إشارة ضوئية، واحدة فارهة من أحدث طراز، وأخرى متواضعة جداً، في الأولى جلست راقصة، وفي الثانية جلس أديب، فوجدت الراقصة أنها فرصة للتقليل من شأن الأديب، فقالت له «هل هذا ما جناه عليك الأدب»؟! فأجابها بسرعة بديهة يتميز بها «وأنت هل هذا ما جناه عليك قلة الأدب؟! عموماً كل شخص يبحث عما ينقصه»!

بعيداً عن الإسقاط هنا، إذ ليس الموضوع بشأن القصة، إذ أوردتها بشكل عرضي هنا لأبين تباين واختلاف اهتمامات الناس ومساعيهم.

لكن عودة للعناصر الثلاثة المذكورة أعلاه: المال، والمنصب والشهرة، والقول بأنها ضالة كثير من الناس، إذ شخصياً أراها عناصر خطيرة إن تمت إساءة التعامل معها، بحيث إنه يمكنها أن «تمسخ» الإنسان، وتحوله لشخص آخر، بل وقد توصله لتوصيف الأسوأ بين البشر، إن لم يستوعب بأن هذه العناصر تحتاج لـ«نفس سوية» تتعامل معها بشكل صحيح.

المال، غالباً ما يغير الشخص ويحوله لإنسان آخر، ولربما صدق من قال «الفلوس تغير النفوس»، إذ مشكلة كثير من البشر أنه يعتبر المال عنصر «أفضلية» على الآخرين، بالتالي ترى البعض يتحول لشخص سيئ الطباع، فيه غرور وغطرسة وتعالٍ. يجامله الناس فيظن أنها مشاعر حقيقية تجاهه، لكن الواقع خلاف ذلك تماماً.

لكن هناك من يملك المال، ومع ذلك يقدم أروع الأمثلة في التواضع والكرم والبساطة واحترام الناس، بل ويسخر ما أنعم الله به عليه ليخدم الناس ويساعد المحتاج، هذا النوع صاحب معدن أصيل لا يغيره أي عنصر يمنح أفضلية أو تميزاً.

المنصب، وهذا ما أعتبره «جهاز كشف المعادن»، إذ كثيرون عرفناهم بشكل، وحينما جلسوا على كراسي المناصب، تفاجأنا بتحولهم لأشخاص آخرين، طريقة الكلام تختلف، التعالي على الناس يبدأ بالظهور، البساطة تتحول إلى ابتذال، والغطرسة والديكتاتورية هي السمة البارزة.

لكن أيضاً هنا من يوجد في منصب، لكنه لا يتغير على الإطلاق على البشر، هو نفسه، مثلما عرفناه في السابق، نعرفه اليوم وهو في منصبه، قوته الإدارية لا تغير في سجيته، بل تصرفاته وعدالته ونظافته هي ما تجعل الناس تحبه، وتعتبره أنه هو من تشرف المنصب به.

الشهرة، وهي كارثة هذا العصر بالفعل، إذ كثيرون يسعون لها على اعتبار أن المشي وسط الناس، وهم يهمسون باسمك، ويركضون وراءك لتوقيع أو صورة، أو يتتبعون أخبارك، يعتبرونها قمة النجاح، لكن يبدأ الشخص بالتبدل حينما يرى البشر من فوق أنفه، حينما يتحول من مرحب بهم إلى متهرب منهم وصاد عنهم، عرض حياته برمتها عليهم، ثم يمتعض من تتبعهم لها، بدأ يعاملهم بغرور، وبات وكأنه يطير فوق الأرض لا ماشياً عليها.

لكن أيضاً هنا من تحصل على الشهرة، لكنه مع ذلك يسير وسط الناس كإنسان طبيعي جداً، لا يفرض نفسه عليهم، ولا يتفاخر، ويضرب أروع الأمثلة في التواضع.

خلاصة القول، بأننا في زمن فيه مغريات عديدة، البعض يراها أهدافاً يركض وراءها، وحين يحققها يظن بأنه وصل قمة أهدافه، وينجرف معها غير مستوعب أن طباعه تغيرت، سلوكياته تدنت، وأنه خسر أهم شيء يملكه، خسر نفسه، وخسر الحب الحقيقي من الناس.

من يمتلك هذه العناصر، ومازال نفسه هو لم يتغير، مازال إنساناً متواضعاً خلوقاً نظيفاً نزيهاً، هذا هو «الغني» الحقيقي بكل ما حباه الله من نعم، أهمها نعمة «عدم السير بين البشر مختالاً فخوراً».

لا تجعلوا أي شيء يغير فيكم أطباعكم وإنسانيتكم ويقود سلوكياتكم إلى الأسوأ، دائماً «اكسب نفسك ولا تخسرها»، وكن أنت سيداً على هذه العناصر لا عبداً لها.