يعتبر البرلمان من بين أهم المؤسسات الدستورية في مختلف البلدان الديمقراطية وكذلك في البلدان السائرة في طريق الديمقراطية حيث يشكل السلطة التشريعية التي تتولى تمثيل الأمة. وقد يتكون هذا البرلمان من غرفة واحدة وهو نظام المجلس الواحد وقد يتكون من غرفتين أي مجلسين يطلق على أحدهما المجلس الأعلى أو البرلمان وعلى الآخر المجلس الأدنى أو المعين.
وبحسب اتحاد البرلمانات الدولي فقد بلغ عدد البرلمانات الوطنية حول العالم 190 برلماناً يطبق 60% منها نظام المجلسين مقابل 40% لنظام المجلس الواحد، ويتم انتخاب البرلمان من قبل الشعب «الناخبين والناخبات»، ويقوم البرلمان بممارسة العديد من الوظائف والأدوار في مجالات التشريع والرقابة على العمل الحكومي وتقييم السياسات العمومية. فالبرلمان هو المشرع الذي يتولى وضع القوانين في إطار دولة معينة كما يتولى الرقابة على العمل الحكومي ويطلق عليه تعبير السلطة التشريعية، والبرلمان هو الممثل الأسمى للأمم، وهو المعبر عن إرادتها، وهو المكلف بوضع السياسات العمومية والموافق عليها والتي تهم سائر المجالات السياسية والاقتصادية والضريبية والاجتماعية والثقافية والبيئية وكذلك الشؤون الدولية، كما أن البرلمان هو المختص بمراقبة عمل الحكومة ومراعاة مدى احترامها للبرنامج الحكومي، الذي تقدمت به أمامه ومدى قيامها بتنفيذ وتفعيل السياسات العمومية الواردة في صيغة قوانين، والتي من شأنها الاستجابة لتطلعات الشعب وتحسين أوضاعه المادية والمعنوية. فالاختصاص الأول لجميع برلمانات العالم هو التشريع لأن التشريع هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقة بين أفراد المجتمع الواحد داخل الدولة، ويشمل الدستور والقوانين واللوائح على اختلاف مسمياتها وأنواعها وأدواتها التشريعية من دولة لأخرى.
فالتشريع مرآة أي أمة يعكس مصادرها وأدوارها ويقنن أعرافها وتقاليدها، والتشريع كائن حي يولد وينمو ويحقق أهدافه ومراميه في الحياة ثم قد يذبل ويهرم ويشيخ ويموت، فبقاء التشريعات «عدا التشريعات السماوية» زمناً طويلاً أمر يقترب من الاستحالة، ذلك أنه مهما بلغت التشريعات من قوّة فإن ثمة عوامل وتداعيات عديدة تقتضي التعديل والاستبدال والإلغاء كذلك.
فقوة التشريع الحقيقية ليست في قدرته على الثبات والصمود بل مدى مواءمته للمتغيرات المجتمعية ومن ثم استجابته لها بما يعكس تلبية حاجة المخاطَبين بأحكامه، فالقاعدة القانونية تتسم بالعمومية والتجريد والحياد والإطلاق في إطار الحاجات الاجتماعية المتغيرة. والمشرِّع عندما يبدأ في معالجة موضوع ما يجب عليه أولاً أن يحدد الأهداف التي ينوي تحقيقها، ثم الحق الذي يحتاج إلى الحماية أو الرعاية القانونية، وأخيراً السياسة التشريعية التي في نطاقها يرى تلك الأهداف وذلك الحق، وفي مجال التمييز بين الصياغة التشريعية والسياسة التشريعية يأتي التمايز بينهما في الإطار النظري، فالصياغة هي التجسيد العملي للسياسة التشريعية المتبعة، وإذا كانت السياسة هي الهدف الخفي الذي لا يبوح فيه فإن للصياغة مقوماتها ومهاراتها المتمثلة بمهارات وقدرات لغوية وقانونية تمكِّن الصائغ من نسج أحكام تعبِّر عن معنى النص وغايته دون لبس أو غموض وتحدد الدساتير الاختصاصات المختلفة للبرلمان وطريقة إعمالها وفقاً لمبدأ الفصل بين السلطات مع التعاون بينها.
وهناك فرق بين وجود التشريع وفاعليته، فوجود التشريع يتمثل في صدوره شكلاً من السلطة التي تملك إصداره وفقاً لأحكام الدستور وللقواعد والإجراءات التي وضعها لسنّ التشريع، أما فاعلية التشريع فلا تكون إلا بكفالة التغلغل الاجتماعي لأحكامه في نسيج حياة المجتمع وعلاقاته، ولا يكفي لذلك أن تقف سلطة الدولة وراء القاعدة التشريعية تمدها بالهيبة والنفوذ، بل لا بد لتحقق هذه الفاعلية من اقتناع أفراد المجتمع بأن تطبيق أحكام التشريع شرط لازم لحُسن سير حياتهم الاجتماعية وضبط علاقاتهم.
فغياب أو اهتزاز الرضا العام حول الغايات والسياسات يقلل أيضاً من دور البرلمان، فالتناقض في المصالح بين القوى الاجتماعية المختلفة يطفو على السطح ويغلب أن يعكس البرلمان تلك التيارات المتعارضة مع عجزه في الوقت ذاته عن التوفيق فيما بينها. فاستمرار المجتمع واستقرار نظامه السياسي مرهون بوجود النظام القانوني وإيمان المواطنين حكاماً ومحكومين بضرورة الخضوع له ومعاقبة كل من يخرج عليه، وفي حالة غياب هذا النظام أو في حالة عدم احترامه وخرقه يضطرب المجتمع وتعمه الفوضى.
فالرقابة البرلمانية حجر أساس في البرلمانات الديمقراطية إذ تشكل مؤشراً على الحكم الجيد، وهي تهدف إلى مساءلة السلطة التنفيذية حول أعمالها، وإلى ضمان تنفيذ السياسات بطريقة فعّالة. فالرقابة البرلمانية الدقيقة للسلطة التنفيذية مؤشر على سلامة الحكم. وهنا قد يسأل البعض غير المسيّس: ما جدوى وجود برلمان؟ يعتبر وجود البرلمان في دولة ما من بين أهم الشروط الأساسية لبناء الديمقراطية، وهو من بين أهم ركائز دولة القانون التي تقوم على أساس عدة عناصر، منها ما يتعلق بمبدأ الفصل بين السلطات والذي يقضي بضرورة توزيع السلطة في الدولة على هيئات مختلفة، بحيث تتولى السلطة التشريعية وضع وسن القوانين والرقابة على العمل الحكومي، فيما تتولى السلطة التنفيذية مهمة تنفيذ القوانين التي تضعها السلطة التشريعية، وتسند للسلطة القضائية وظيفة الفصل في المنازعات المعروضة على أنظار المحاكم، اعتماداً على القوانين التي يتولى البرلمان وضعها.
وأخيراً؛ لا بد من طرح سؤال آخر مكمل وهو: هل نحن نتحدث عن برلمان شكلي على هيئة ديكور يكمل المشهد الديمقراطي، أم نتحدث عن برلمان حر مستقل يعمل في ظل القواعد الراسخة للممارسات الديمقراطية المستقرة في الدول المتقدمة؟
* محلل في الشؤون الاقتصادية والعلوم السياسية
{{ article.visit_count }}
وبحسب اتحاد البرلمانات الدولي فقد بلغ عدد البرلمانات الوطنية حول العالم 190 برلماناً يطبق 60% منها نظام المجلسين مقابل 40% لنظام المجلس الواحد، ويتم انتخاب البرلمان من قبل الشعب «الناخبين والناخبات»، ويقوم البرلمان بممارسة العديد من الوظائف والأدوار في مجالات التشريع والرقابة على العمل الحكومي وتقييم السياسات العمومية. فالبرلمان هو المشرع الذي يتولى وضع القوانين في إطار دولة معينة كما يتولى الرقابة على العمل الحكومي ويطلق عليه تعبير السلطة التشريعية، والبرلمان هو الممثل الأسمى للأمم، وهو المعبر عن إرادتها، وهو المكلف بوضع السياسات العمومية والموافق عليها والتي تهم سائر المجالات السياسية والاقتصادية والضريبية والاجتماعية والثقافية والبيئية وكذلك الشؤون الدولية، كما أن البرلمان هو المختص بمراقبة عمل الحكومة ومراعاة مدى احترامها للبرنامج الحكومي، الذي تقدمت به أمامه ومدى قيامها بتنفيذ وتفعيل السياسات العمومية الواردة في صيغة قوانين، والتي من شأنها الاستجابة لتطلعات الشعب وتحسين أوضاعه المادية والمعنوية. فالاختصاص الأول لجميع برلمانات العالم هو التشريع لأن التشريع هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقة بين أفراد المجتمع الواحد داخل الدولة، ويشمل الدستور والقوانين واللوائح على اختلاف مسمياتها وأنواعها وأدواتها التشريعية من دولة لأخرى.
فالتشريع مرآة أي أمة يعكس مصادرها وأدوارها ويقنن أعرافها وتقاليدها، والتشريع كائن حي يولد وينمو ويحقق أهدافه ومراميه في الحياة ثم قد يذبل ويهرم ويشيخ ويموت، فبقاء التشريعات «عدا التشريعات السماوية» زمناً طويلاً أمر يقترب من الاستحالة، ذلك أنه مهما بلغت التشريعات من قوّة فإن ثمة عوامل وتداعيات عديدة تقتضي التعديل والاستبدال والإلغاء كذلك.
فقوة التشريع الحقيقية ليست في قدرته على الثبات والصمود بل مدى مواءمته للمتغيرات المجتمعية ومن ثم استجابته لها بما يعكس تلبية حاجة المخاطَبين بأحكامه، فالقاعدة القانونية تتسم بالعمومية والتجريد والحياد والإطلاق في إطار الحاجات الاجتماعية المتغيرة. والمشرِّع عندما يبدأ في معالجة موضوع ما يجب عليه أولاً أن يحدد الأهداف التي ينوي تحقيقها، ثم الحق الذي يحتاج إلى الحماية أو الرعاية القانونية، وأخيراً السياسة التشريعية التي في نطاقها يرى تلك الأهداف وذلك الحق، وفي مجال التمييز بين الصياغة التشريعية والسياسة التشريعية يأتي التمايز بينهما في الإطار النظري، فالصياغة هي التجسيد العملي للسياسة التشريعية المتبعة، وإذا كانت السياسة هي الهدف الخفي الذي لا يبوح فيه فإن للصياغة مقوماتها ومهاراتها المتمثلة بمهارات وقدرات لغوية وقانونية تمكِّن الصائغ من نسج أحكام تعبِّر عن معنى النص وغايته دون لبس أو غموض وتحدد الدساتير الاختصاصات المختلفة للبرلمان وطريقة إعمالها وفقاً لمبدأ الفصل بين السلطات مع التعاون بينها.
وهناك فرق بين وجود التشريع وفاعليته، فوجود التشريع يتمثل في صدوره شكلاً من السلطة التي تملك إصداره وفقاً لأحكام الدستور وللقواعد والإجراءات التي وضعها لسنّ التشريع، أما فاعلية التشريع فلا تكون إلا بكفالة التغلغل الاجتماعي لأحكامه في نسيج حياة المجتمع وعلاقاته، ولا يكفي لذلك أن تقف سلطة الدولة وراء القاعدة التشريعية تمدها بالهيبة والنفوذ، بل لا بد لتحقق هذه الفاعلية من اقتناع أفراد المجتمع بأن تطبيق أحكام التشريع شرط لازم لحُسن سير حياتهم الاجتماعية وضبط علاقاتهم.
فغياب أو اهتزاز الرضا العام حول الغايات والسياسات يقلل أيضاً من دور البرلمان، فالتناقض في المصالح بين القوى الاجتماعية المختلفة يطفو على السطح ويغلب أن يعكس البرلمان تلك التيارات المتعارضة مع عجزه في الوقت ذاته عن التوفيق فيما بينها. فاستمرار المجتمع واستقرار نظامه السياسي مرهون بوجود النظام القانوني وإيمان المواطنين حكاماً ومحكومين بضرورة الخضوع له ومعاقبة كل من يخرج عليه، وفي حالة غياب هذا النظام أو في حالة عدم احترامه وخرقه يضطرب المجتمع وتعمه الفوضى.
فالرقابة البرلمانية حجر أساس في البرلمانات الديمقراطية إذ تشكل مؤشراً على الحكم الجيد، وهي تهدف إلى مساءلة السلطة التنفيذية حول أعمالها، وإلى ضمان تنفيذ السياسات بطريقة فعّالة. فالرقابة البرلمانية الدقيقة للسلطة التنفيذية مؤشر على سلامة الحكم. وهنا قد يسأل البعض غير المسيّس: ما جدوى وجود برلمان؟ يعتبر وجود البرلمان في دولة ما من بين أهم الشروط الأساسية لبناء الديمقراطية، وهو من بين أهم ركائز دولة القانون التي تقوم على أساس عدة عناصر، منها ما يتعلق بمبدأ الفصل بين السلطات والذي يقضي بضرورة توزيع السلطة في الدولة على هيئات مختلفة، بحيث تتولى السلطة التشريعية وضع وسن القوانين والرقابة على العمل الحكومي، فيما تتولى السلطة التنفيذية مهمة تنفيذ القوانين التي تضعها السلطة التشريعية، وتسند للسلطة القضائية وظيفة الفصل في المنازعات المعروضة على أنظار المحاكم، اعتماداً على القوانين التي يتولى البرلمان وضعها.
وأخيراً؛ لا بد من طرح سؤال آخر مكمل وهو: هل نحن نتحدث عن برلمان شكلي على هيئة ديكور يكمل المشهد الديمقراطي، أم نتحدث عن برلمان حر مستقل يعمل في ظل القواعد الراسخة للممارسات الديمقراطية المستقرة في الدول المتقدمة؟
* محلل في الشؤون الاقتصادية والعلوم السياسية