لقد ظهرت ثلاث نتائج جانبية لحرب أكتوبر 1973، ولاستخدام سلاح البترول العربي فيها وهي:
الأولى: مبادرة الحوار العربي الأوروبي وكانت تستهدف إرضاء العرب والتعبير عن الندية في التعامل معهم والأخذ في الحسبان مصالحهم، ولكن مع مضي السنين وتقادم الحدث تراجع هذا الحوار وتغلبت وجهة النظر الأوروبية على وجهة النظر العربية. وكما هو معروف كان الحوار يدور حول معادلة المصالح الاقتصادية الأوروبية مقابل التأييد السياسي للقضايا العربية العادلة. ولكن تدريجياً ضمنت أوروبا مصالحها ثم تراجع تأييدها السياسي ووضعت له الشروط والقيود ولذلك توقف الحوار وتراجع الاهتمام به وبرزت على إثره حوارات جديدة ومفاهيم جديدة للتعامل الجزئي والإقليمي وأحياناً الفردي مع الدول العربية، ومن ثم ضعفت الشوكة وتراجعت القوة الشاملة لصالح مصلحة الدول فرادى.
الثانية: التعاون العربي الأفريقي والذي تم تدشينه في مؤتمر مشترك للطرفين في القاهرة عام 1977 وكانت المصالح المشتركة للطرفين متشابهة في مقاومة الاحتلال والعدوان والدفاع عن السيادة الوطنية، وأدى ارتفاع أسعار البترول إلى معاناة بعض الدول الأفريقية والدول النامية لذلك قدمت لهم الدول العربية سعراً مخفضاً للبترول الذي يستوردونه كما قدمت مساعدات مالية وأقامت عدة مشروعات. ولكن لم تكن بالقدر الكافي الذي تطلع إليه الإخوة الأفارقة، ثم جاءت التطورات اللاحقة وأدت إلى تجمد الإطار الدولي للتعاون العربي الأفريقي وانحصاره إلى التعاون في المجال الثنائي وهو ما أدى إلى انتهاء الغرض الحقيقي منه.
الثالثة: بروز تجمع الدول المنتجة للبترول «الأوبك» وتعاظم قوتها، ولكن في مواجهتها ظهر تجمع غير رسمي للدول المستهلكة وخاصة الغربية التي بدأت تبحث عن مصادر جديدة للطاقة وأيضاً عن بدائل أخرى فضلاً عن ترشيد استهلاكها ومارست ضغوطاً مكثفة على الدول المنتجة للبترول وخاصة العربية وأقنعتها بضرورة المحافظة على التوازن الاقتصادي الدولي وعدم رفع الأسعار وانتهى الأمر كله بأن فقد سلاح البترول فاعليته وأصبح مجمداً بل إن البعض أصبح يعتبره سلاحاً خطراً إذا لجأ العرب إليه لأن ضرره الآن أكثر من نفعه. ولا شك في أن هذا من حيث الصورة العامة قد يبدو صحيحاً ولكن هناك وجهات نظر أخرى وآليات أخرى يمكن اعتمادها للإفادة من تأثير هذا السلاح لخدمة المصالح العربية.
وهكذا عاد الموقف العربي بعد مضي ما يقرب من خمسة وأربعين عاماً على حرب أكتوبر نقول عاد من جديد إلى نقطة البداية، وعادت المبادرات الدولية من أجل السلام، وكذلك المبادرات الإقليمية وبخاصة العربية يتم طرحها دون تجاوب حقيقي من الأطراف الدولية أو من الخصم الإسرائيلي كما في مبادرة الملك فهد التي أقرتها القمة العربية في بيروت عام 2002، ومع هذا الذي استمر القمع الإسرائيلي يجثم على صدور الفلسطينيين وقلوبهم وأرضهم ويقتلع أشجارهم ويدمر منازلهم ويحرق مزارعهم ويصادر أراضيهم.
ولا شك في أن هناك سلسلة من الأخطاء ارتكبت من بعض القيادات العربية في هذه الدولة أو تلك في مراحل تاريخية مختلفة أدت إلى فقدان الكثير من أدوات القوة العربية وإلى حالة الضعف التي يعيشها العالم العربي في هذه المرحلة التاريخية الخطيرة.
ولكن الأكثر خطورة هو ما تعرضت له الأمة العربية والإسلامية بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 نتيجة العمل الإرهابي في واشنطن ونيويورك وانطلاق القوة الأمريكية الضخمة لمقاومة الإرهاب الذي تم إلصاقه بالإسلام، ومن ثم جرى تشويه الطابع العربي والإسلامي وأصبح العرب بوجه عام موضع شك وريبة حيثما وجدوا في كثير من الدول الغربية، وعلى الأخص في الولايات المتحدة. ومن هنا نقول إنه بمناسبة ذكرى حرب أكتوبر المجيدة وما أعادته للكرامة العربية، وما أدت إليه من انبعاث القوة العربية، إنه قد آن الأوان مرة ثانية أن نبحث عن منطق جديد ويقظة وصحوة جديدة تعبران عن روح أكتوبر وتدرس آثارها ومصادر قوتها والمزالق التي تعرضت لها المسيرة وأن تعيد بعض الحياة لروح الأمة العربية لتستطيع مقاومة التحديات والضغوط التي تمارس ضدها. وليس لدي أدنى شك في أن مصادر القوة العربية قائمة ويمكن استخدامها في اللحظة المناسبة ولكن ذلك كله يحتاج إلى المبادرة بترتيب الأوراق، ودراسة استخدامها في الوقت المناسب ووضع استراتيجية وتكتيك صحيحين في إطار عربي شامل بقدر الإمكان مع وجود فلسطيني موحد يحارب العدو بمنطق وليس بالشعارات أو الأعمال الانفرادية التي أدت للكثير من الكوارث على هذا الشعب الفلسطيني البطل. نقول إن مواجهة الموقف الملائم بالأسلوب الملائم هو الوسيلة الناجحة حتى يصبح العرب من جديد موضع احترام الأصدقاء والأعداء على حد سواء، كذلك نتمنى أن يعود الفلسطينيون إلى رشدهم ووحدتهم ويتخلوا عن الصراع فيما بينهم ويتركوا التشكيك في بعضهم البعض ويتركوا ارتباطهم بالدول الأخرى في المنطقة أو في العالم، وعليهم أن يدركوا أن الله لا يساعد إلا من يساعدون أنفسهم وأن إعداد القوة أساسه وحدة صفوفهم.
* خبير الدراسات الاستراتيجية الدولية
الأولى: مبادرة الحوار العربي الأوروبي وكانت تستهدف إرضاء العرب والتعبير عن الندية في التعامل معهم والأخذ في الحسبان مصالحهم، ولكن مع مضي السنين وتقادم الحدث تراجع هذا الحوار وتغلبت وجهة النظر الأوروبية على وجهة النظر العربية. وكما هو معروف كان الحوار يدور حول معادلة المصالح الاقتصادية الأوروبية مقابل التأييد السياسي للقضايا العربية العادلة. ولكن تدريجياً ضمنت أوروبا مصالحها ثم تراجع تأييدها السياسي ووضعت له الشروط والقيود ولذلك توقف الحوار وتراجع الاهتمام به وبرزت على إثره حوارات جديدة ومفاهيم جديدة للتعامل الجزئي والإقليمي وأحياناً الفردي مع الدول العربية، ومن ثم ضعفت الشوكة وتراجعت القوة الشاملة لصالح مصلحة الدول فرادى.
الثانية: التعاون العربي الأفريقي والذي تم تدشينه في مؤتمر مشترك للطرفين في القاهرة عام 1977 وكانت المصالح المشتركة للطرفين متشابهة في مقاومة الاحتلال والعدوان والدفاع عن السيادة الوطنية، وأدى ارتفاع أسعار البترول إلى معاناة بعض الدول الأفريقية والدول النامية لذلك قدمت لهم الدول العربية سعراً مخفضاً للبترول الذي يستوردونه كما قدمت مساعدات مالية وأقامت عدة مشروعات. ولكن لم تكن بالقدر الكافي الذي تطلع إليه الإخوة الأفارقة، ثم جاءت التطورات اللاحقة وأدت إلى تجمد الإطار الدولي للتعاون العربي الأفريقي وانحصاره إلى التعاون في المجال الثنائي وهو ما أدى إلى انتهاء الغرض الحقيقي منه.
الثالثة: بروز تجمع الدول المنتجة للبترول «الأوبك» وتعاظم قوتها، ولكن في مواجهتها ظهر تجمع غير رسمي للدول المستهلكة وخاصة الغربية التي بدأت تبحث عن مصادر جديدة للطاقة وأيضاً عن بدائل أخرى فضلاً عن ترشيد استهلاكها ومارست ضغوطاً مكثفة على الدول المنتجة للبترول وخاصة العربية وأقنعتها بضرورة المحافظة على التوازن الاقتصادي الدولي وعدم رفع الأسعار وانتهى الأمر كله بأن فقد سلاح البترول فاعليته وأصبح مجمداً بل إن البعض أصبح يعتبره سلاحاً خطراً إذا لجأ العرب إليه لأن ضرره الآن أكثر من نفعه. ولا شك في أن هذا من حيث الصورة العامة قد يبدو صحيحاً ولكن هناك وجهات نظر أخرى وآليات أخرى يمكن اعتمادها للإفادة من تأثير هذا السلاح لخدمة المصالح العربية.
وهكذا عاد الموقف العربي بعد مضي ما يقرب من خمسة وأربعين عاماً على حرب أكتوبر نقول عاد من جديد إلى نقطة البداية، وعادت المبادرات الدولية من أجل السلام، وكذلك المبادرات الإقليمية وبخاصة العربية يتم طرحها دون تجاوب حقيقي من الأطراف الدولية أو من الخصم الإسرائيلي كما في مبادرة الملك فهد التي أقرتها القمة العربية في بيروت عام 2002، ومع هذا الذي استمر القمع الإسرائيلي يجثم على صدور الفلسطينيين وقلوبهم وأرضهم ويقتلع أشجارهم ويدمر منازلهم ويحرق مزارعهم ويصادر أراضيهم.
ولا شك في أن هناك سلسلة من الأخطاء ارتكبت من بعض القيادات العربية في هذه الدولة أو تلك في مراحل تاريخية مختلفة أدت إلى فقدان الكثير من أدوات القوة العربية وإلى حالة الضعف التي يعيشها العالم العربي في هذه المرحلة التاريخية الخطيرة.
ولكن الأكثر خطورة هو ما تعرضت له الأمة العربية والإسلامية بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 نتيجة العمل الإرهابي في واشنطن ونيويورك وانطلاق القوة الأمريكية الضخمة لمقاومة الإرهاب الذي تم إلصاقه بالإسلام، ومن ثم جرى تشويه الطابع العربي والإسلامي وأصبح العرب بوجه عام موضع شك وريبة حيثما وجدوا في كثير من الدول الغربية، وعلى الأخص في الولايات المتحدة. ومن هنا نقول إنه بمناسبة ذكرى حرب أكتوبر المجيدة وما أعادته للكرامة العربية، وما أدت إليه من انبعاث القوة العربية، إنه قد آن الأوان مرة ثانية أن نبحث عن منطق جديد ويقظة وصحوة جديدة تعبران عن روح أكتوبر وتدرس آثارها ومصادر قوتها والمزالق التي تعرضت لها المسيرة وأن تعيد بعض الحياة لروح الأمة العربية لتستطيع مقاومة التحديات والضغوط التي تمارس ضدها. وليس لدي أدنى شك في أن مصادر القوة العربية قائمة ويمكن استخدامها في اللحظة المناسبة ولكن ذلك كله يحتاج إلى المبادرة بترتيب الأوراق، ودراسة استخدامها في الوقت المناسب ووضع استراتيجية وتكتيك صحيحين في إطار عربي شامل بقدر الإمكان مع وجود فلسطيني موحد يحارب العدو بمنطق وليس بالشعارات أو الأعمال الانفرادية التي أدت للكثير من الكوارث على هذا الشعب الفلسطيني البطل. نقول إن مواجهة الموقف الملائم بالأسلوب الملائم هو الوسيلة الناجحة حتى يصبح العرب من جديد موضع احترام الأصدقاء والأعداء على حد سواء، كذلك نتمنى أن يعود الفلسطينيون إلى رشدهم ووحدتهم ويتخلوا عن الصراع فيما بينهم ويتركوا التشكيك في بعضهم البعض ويتركوا ارتباطهم بالدول الأخرى في المنطقة أو في العالم، وعليهم أن يدركوا أن الله لا يساعد إلا من يساعدون أنفسهم وأن إعداد القوة أساسه وحدة صفوفهم.
* خبير الدراسات الاستراتيجية الدولية