استخدام الآلة الحاسبة موضوع جدال متواصل بين معارض لتوظيفها في تعليم وتعلم الرياضيات في المدرسة، ومؤيد لاستخدام كلّ التكنولوجيات الحديثة. في الحقيقة الأغلبية تتّفق على ضرورة استعمالها ولكن الجدل محتدم حول متى ومدى استخدامها؟ هل استخدامها ضروري؟ في أي مرحلة دراسية يبتدأ توظيفها؟ ما موقف المدرسة من استخدامها؟ هل الأولوية لإجراء العمليات الحسابية أم التفكير والتحليل أولا؟
يقول المؤيدون إن تقدّم التكنولوجيا يفرض نفسه في مجتمعنا بقوّة، فالحواسب الآلية والبرامج الإلكترونية أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، في البيت وفي السيارة وفي الهاتف وفي العمل وفي كل مكان. يبدأ أطفالنا بالاحتكاك والتعرّض للآلات الحاسبة واللوحات الإلكترونية منذ نعومة أظفارهم. ويقولون أيضاً انّه على المدرسة تحسيس التلاميذ بأهمّية استخدام الآلة الحاسبة لأنها تحفّزهم على الدراسة. فبعض الطلاّب عندهم عقدة من الحساب الذهني وإجراء العمليات الحسابية فيجدون في الآلة الحاسبة متنفساً وتحفيزاً لمواصلة الدراسة والاجتهاد. حتى أنّها تعطي الثقة للطالب الفاقد للثقة بنفسه وتجعله يتأكّد من صحّة حلوله. وبما أنّ الآلة تعطي الأجوبة بسرعة فائقة، فهي من جهة تمكّن الطالب من حلّ عدد كبير من المسائل ومن جهة أخرى تعطي مجالاً ووقتاً أكثر للأستاذ للتركيز على شرح المفاهيم الرياضية. وهي أيضاً تمكّن الطالب من إجراء عمليات لم يتعلم بعد كيفية إجرائها باليد وهذا مهمّ للأستاذ لأنّه يمكّنه من إدراج مسائل جديدة ومتنوّعة باستخدام أرقام كبيرة. وبالمقابل يقول المؤيدون إنّه لا ينبغي أن يتعلّم التلميذ الكسل والاعتماد على الآلة في إجراء العمليات البديهية. فعلى الأستاذ تحسيسهم بالمسؤولية وعليه أن يكون بمثابة «الواسطة» بين التلميذ والآلة الحاسبة.
يقول المعارضون أن مستوى الطلاّب في الرياضيات يتدنّى باستخدام الآلة الحاسبة وأنّ كثرة استخدامها بطريقة تلقائية دون تفكير تنقص الهمّة وتترك الطالب يركن إلى السهولة والكسل وأيضاً تؤدّي إلى الإدمان عليها. ويقولون إنّها تجعل التلميذ لا يفكر في العملية التي يجريها فهو يضغط فقط على الآلة بطريقة آلية ولا يختار أحسن وأسرع الطرق لإجراء العملية ولا يطبّق الخواص الرياضية التي تعلّمها من قبل. ومن رأيهم أيضاً أنّها تمنع تطوّر الطلاب في الحساب الذهني بصنفيه الآلي والفكري، فسيعتقد الطلاب أنه لا فائدة من وراء الحساب الذهني طالما أنّه بإمكانه إجرائه آلياً وبسرعة فائقة. وكذلك تمنعه من الاجتهاد في تعلّم الطرق الرياضية وخواص الحساب بما أنّه يستطيع إجراء كلّ العمليات بالآلة. الإدمان على استخدام الآلة يلغي تدريجياً التفكير والبحث عند الطالب. في الحقيقة من الأهداف الأساسية لتعليم الرياضيات هو تطوير التفكير والتحليل عند الطالب ولكن استخدام الآلة يؤدي إلى نقيض ذلك. فهي تخفي وتؤجل صعوبات التعلم عند الطفل ولربما يكون من الصعب علاجها بعد فوات الأوان. ويضيف المعارضون بضرورة إقناع الطلاب بأهمية فهم واستخدام الطرق الرياضية الكلاسيكية، وأنّ القدرة عليها تمكّن الطالب من الاستخدام العقلاني المستنير للآلة.
أما موضوع تقنين استخدام الآلة الحاسبة في المناهج والكتب الدراسية وتعيين النشاطات والمسائل التي ينبغي فيها استخدام الآلة، فهنا أيضاً يوجد اختلاف كبير.
وللتدليل على ذلك نشير إلى أن المركز العالمي للدراسات ببريطانيا والذي يبحث في الاتجاهات العالمية في دراسة الرياضيات والعلوم TIMSS, (Trends in International Mathematics and Science Study) أجرى إحصاء شمل 35 دولة في سنة 2007، بينت نتيجة البحث أن نصف هذه الدول يذكر استخدام الآلة الحاسبة في المناهج الدراسية والنصف الآخر لا يذكرها.
وخلاصة القول إن كلا الفريقين «المؤيدين والمعارضين لاستخدام الآلة الحاسبة»، محقّ طالما أنّه بإمكاننا التوفيق بين الرأيين. فلكلّ حججه القوية التي لا يمكن تجاهلها. فلا شك في أن الطالب الذي يدمن على استخدام الآلة ولا يستخدم الخواص الرياضية للعمليات فهو كالذي يرفض الجري أو المشي بحجة أن لديه سيارة؟ فمع مرور الوقت ستضعف قوّته الذهنية وسيرتكب لا محالة أخطاء تافهة. دعني أضرب مثالاً بسيطاً فلو سألنا طالباً عن حساب قيمة سالب تربيع س «أعني- س2 « عندما تأخذ س القيمة سالب 3 «أعني س=-3»، فالأغلبية ستجيب باستخدام الآلة أن الناتج هو 9. وهذا الجواب خاطئ طبعاً والجواب الصحيح هو -9. والمشكلة هو عدم تطبيق قوانين الأولوية في الحساب أعني، أولوية الضرب على الجمع والطرح. أذكر هنا أنه قبل أيام قلائل استوقفني أحد طلابي بالجامعة أثناء المحاضرة بعد أن أجريت عملية حسابية ذهنياً على السبورة بقوله إن الآلة تعطيه نتيجة مختلفة! والمشكلة عنده كانت في عدم احترام قوانين أولوية القسمة وإدخال العملية بطريقة خاطئة في الآلة الحاسبة! فالاقتصار على الآلة دون فهم وتحليل مرفوض بدون أدنى شك. وبالمقابل لا يمكن رفض أو تجاهل الدور الهام للآلة الحاسبة والتطبيقات التعليمية على الحاسب في عملية التعلم والتعليم كما بينا سابقاً.
من الناحية العملية، أعتقد أنّ المسؤولية تقع على المعلّم والطالب والمناهج الدراسية كما سيأتي.
فيجب على المعلمين تحسيس الطلبة بالمسؤولية في استخدام الآلة الحاسبة بطريقة ذكية مستنيرة وعدم الادمان على استخدامها، وذلك بأن يكون الطالب أولاً قادراً على إجراء العملية بنفسه ولكنه يستخدم الآلة فقط لربح الوقت وتوفير الوقت للتركيز على أمور أخرى أهم. فاستخدام الآلة الحاسبة ليس خطيراً في حدّ ذاته اذا كان الطالب واعيا بمخاطرها ويعرف متى وكيف يستعملها. وعلى المعلّم حثّ التلميذ على أن يحاول تبسيط الحسابات بنفسه أولاً وذلك بتطبيق الخواص الرياضية التي تعلمها.
ويجب على الطالب أن يشعر بالمسؤولية الذاتية ويقرر متى يستخدم الآلة ومتى لا يستخدمها. ولمساعدته نقترح عليه أن يسأل دوما نفسه قبل البدء باستخدام الآلة الحاسبة: هل هو يستخدمها لأنه لا يستطيع اجراء العملية بنفسه؟ أو هل هو يستخدمها فقط لأنها وسيلة أسرع وموثوقة؟
وأما بالنسبة للمناهج الدراسية في الرياضيات فنرى أنّه من الأحسن تقنين استخدام الآلة وتوضيح ذلك في الكتب الدراسية بتبيين الأنشطة والمسائل التي تستخدم فيها الآلة والمسائل التي لا تتطلب ذلك، وهذا لكل المراحل الدراسية.
* قسم الرياضيات - جامعة البحرين
يقول المؤيدون إن تقدّم التكنولوجيا يفرض نفسه في مجتمعنا بقوّة، فالحواسب الآلية والبرامج الإلكترونية أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، في البيت وفي السيارة وفي الهاتف وفي العمل وفي كل مكان. يبدأ أطفالنا بالاحتكاك والتعرّض للآلات الحاسبة واللوحات الإلكترونية منذ نعومة أظفارهم. ويقولون أيضاً انّه على المدرسة تحسيس التلاميذ بأهمّية استخدام الآلة الحاسبة لأنها تحفّزهم على الدراسة. فبعض الطلاّب عندهم عقدة من الحساب الذهني وإجراء العمليات الحسابية فيجدون في الآلة الحاسبة متنفساً وتحفيزاً لمواصلة الدراسة والاجتهاد. حتى أنّها تعطي الثقة للطالب الفاقد للثقة بنفسه وتجعله يتأكّد من صحّة حلوله. وبما أنّ الآلة تعطي الأجوبة بسرعة فائقة، فهي من جهة تمكّن الطالب من حلّ عدد كبير من المسائل ومن جهة أخرى تعطي مجالاً ووقتاً أكثر للأستاذ للتركيز على شرح المفاهيم الرياضية. وهي أيضاً تمكّن الطالب من إجراء عمليات لم يتعلم بعد كيفية إجرائها باليد وهذا مهمّ للأستاذ لأنّه يمكّنه من إدراج مسائل جديدة ومتنوّعة باستخدام أرقام كبيرة. وبالمقابل يقول المؤيدون إنّه لا ينبغي أن يتعلّم التلميذ الكسل والاعتماد على الآلة في إجراء العمليات البديهية. فعلى الأستاذ تحسيسهم بالمسؤولية وعليه أن يكون بمثابة «الواسطة» بين التلميذ والآلة الحاسبة.
يقول المعارضون أن مستوى الطلاّب في الرياضيات يتدنّى باستخدام الآلة الحاسبة وأنّ كثرة استخدامها بطريقة تلقائية دون تفكير تنقص الهمّة وتترك الطالب يركن إلى السهولة والكسل وأيضاً تؤدّي إلى الإدمان عليها. ويقولون إنّها تجعل التلميذ لا يفكر في العملية التي يجريها فهو يضغط فقط على الآلة بطريقة آلية ولا يختار أحسن وأسرع الطرق لإجراء العملية ولا يطبّق الخواص الرياضية التي تعلّمها من قبل. ومن رأيهم أيضاً أنّها تمنع تطوّر الطلاب في الحساب الذهني بصنفيه الآلي والفكري، فسيعتقد الطلاب أنه لا فائدة من وراء الحساب الذهني طالما أنّه بإمكانه إجرائه آلياً وبسرعة فائقة. وكذلك تمنعه من الاجتهاد في تعلّم الطرق الرياضية وخواص الحساب بما أنّه يستطيع إجراء كلّ العمليات بالآلة. الإدمان على استخدام الآلة يلغي تدريجياً التفكير والبحث عند الطالب. في الحقيقة من الأهداف الأساسية لتعليم الرياضيات هو تطوير التفكير والتحليل عند الطالب ولكن استخدام الآلة يؤدي إلى نقيض ذلك. فهي تخفي وتؤجل صعوبات التعلم عند الطفل ولربما يكون من الصعب علاجها بعد فوات الأوان. ويضيف المعارضون بضرورة إقناع الطلاب بأهمية فهم واستخدام الطرق الرياضية الكلاسيكية، وأنّ القدرة عليها تمكّن الطالب من الاستخدام العقلاني المستنير للآلة.
أما موضوع تقنين استخدام الآلة الحاسبة في المناهج والكتب الدراسية وتعيين النشاطات والمسائل التي ينبغي فيها استخدام الآلة، فهنا أيضاً يوجد اختلاف كبير.
وللتدليل على ذلك نشير إلى أن المركز العالمي للدراسات ببريطانيا والذي يبحث في الاتجاهات العالمية في دراسة الرياضيات والعلوم TIMSS, (Trends in International Mathematics and Science Study) أجرى إحصاء شمل 35 دولة في سنة 2007، بينت نتيجة البحث أن نصف هذه الدول يذكر استخدام الآلة الحاسبة في المناهج الدراسية والنصف الآخر لا يذكرها.
وخلاصة القول إن كلا الفريقين «المؤيدين والمعارضين لاستخدام الآلة الحاسبة»، محقّ طالما أنّه بإمكاننا التوفيق بين الرأيين. فلكلّ حججه القوية التي لا يمكن تجاهلها. فلا شك في أن الطالب الذي يدمن على استخدام الآلة ولا يستخدم الخواص الرياضية للعمليات فهو كالذي يرفض الجري أو المشي بحجة أن لديه سيارة؟ فمع مرور الوقت ستضعف قوّته الذهنية وسيرتكب لا محالة أخطاء تافهة. دعني أضرب مثالاً بسيطاً فلو سألنا طالباً عن حساب قيمة سالب تربيع س «أعني- س2 « عندما تأخذ س القيمة سالب 3 «أعني س=-3»، فالأغلبية ستجيب باستخدام الآلة أن الناتج هو 9. وهذا الجواب خاطئ طبعاً والجواب الصحيح هو -9. والمشكلة هو عدم تطبيق قوانين الأولوية في الحساب أعني، أولوية الضرب على الجمع والطرح. أذكر هنا أنه قبل أيام قلائل استوقفني أحد طلابي بالجامعة أثناء المحاضرة بعد أن أجريت عملية حسابية ذهنياً على السبورة بقوله إن الآلة تعطيه نتيجة مختلفة! والمشكلة عنده كانت في عدم احترام قوانين أولوية القسمة وإدخال العملية بطريقة خاطئة في الآلة الحاسبة! فالاقتصار على الآلة دون فهم وتحليل مرفوض بدون أدنى شك. وبالمقابل لا يمكن رفض أو تجاهل الدور الهام للآلة الحاسبة والتطبيقات التعليمية على الحاسب في عملية التعلم والتعليم كما بينا سابقاً.
من الناحية العملية، أعتقد أنّ المسؤولية تقع على المعلّم والطالب والمناهج الدراسية كما سيأتي.
فيجب على المعلمين تحسيس الطلبة بالمسؤولية في استخدام الآلة الحاسبة بطريقة ذكية مستنيرة وعدم الادمان على استخدامها، وذلك بأن يكون الطالب أولاً قادراً على إجراء العملية بنفسه ولكنه يستخدم الآلة فقط لربح الوقت وتوفير الوقت للتركيز على أمور أخرى أهم. فاستخدام الآلة الحاسبة ليس خطيراً في حدّ ذاته اذا كان الطالب واعيا بمخاطرها ويعرف متى وكيف يستعملها. وعلى المعلّم حثّ التلميذ على أن يحاول تبسيط الحسابات بنفسه أولاً وذلك بتطبيق الخواص الرياضية التي تعلمها.
ويجب على الطالب أن يشعر بالمسؤولية الذاتية ويقرر متى يستخدم الآلة ومتى لا يستخدمها. ولمساعدته نقترح عليه أن يسأل دوما نفسه قبل البدء باستخدام الآلة الحاسبة: هل هو يستخدمها لأنه لا يستطيع اجراء العملية بنفسه؟ أو هل هو يستخدمها فقط لأنها وسيلة أسرع وموثوقة؟
وأما بالنسبة للمناهج الدراسية في الرياضيات فنرى أنّه من الأحسن تقنين استخدام الآلة وتوضيح ذلك في الكتب الدراسية بتبيين الأنشطة والمسائل التي تستخدم فيها الآلة والمسائل التي لا تتطلب ذلك، وهذا لكل المراحل الدراسية.
* قسم الرياضيات - جامعة البحرين