منذ قديم الزمان وإلى يومنا هذا يعتبر الحج حدثاً يبحث الغرب عن أسراره، ومع بداية التوسع الأوروبي حرص المستشرقون على اكتشاف ما يدور بداخل مكة المكرمة من شعائر إسلامية دينية، والبحث عن أسرار الحج، ومن شدة رغبتهم في الاستطلاع والبحث نجحوا في دخولها بشخصيات متنكرة وأحياناً استخباراتية لبلادهم وبأسماء إسلامية وبلهجات عربية، كل هذا لرصد حركة الحجاج وكتابة تقارير لبلدهم وعن سر هذه البقعة المقدسة.
مكة المكرمة التي كانت أمنية المستشرقين، حلم يتطلعون لزيارتها ليتعلموا كيف كانت انطلاقة الفكر الإسلامي من هذا المكان، مما أدى إلى أن تكون محط اهتماماتهم ودراساتهم منذ القرن الخامس قبل الميلاد من قبل الكثير مثل «ثيوفرست وهييرودوتس» تلاميذ أرسطو ومروراً بالجغرافي اليوناني «سترابون « وفِي القرن الأول والثاني الميلادي أيضاً من قبل المؤرخ اليوناني «بليني» حتى القرن الخامس عشر الميلادي عندما تدفق الرحالة الأوربيون على الجزيرة العربية.
مدينة استطاعت أن تحافظ على أسرارها وغموضها محمية من الله، ولبعد المسافة ومشقة السفر وعنائه وخطورته منع الغرب من دخولها، ولكن بسبب خبثهم ودهائهم استطاع بعض من هؤلاء المستشرقين المستكشفين دخول مكة فأتقنوا اللهجة العربية وأعلنوا إسلامهم الشكلي حتى لا يشك في أمرهم، فحجّوا ودرسوا الدراسات الإسلامية على يد فقهاء لينهلوا من حقول العلم الإسلامي قبل أن يفتضح أمرهم.
إن أول من ادعى وصوله إلى مكة هو الإيطالي جون كابوت عام 1480 قبل سقوط الأندلس واكتشاف أمريكا باثني عشرة عاماً، ولكن أول من سُجِلَ بالوثائق والسجلات الرسمية هو «يونس المصري» عام 1503 وهو رجل إيطالي اسمه الحقيقي «لودفيجودي فارتيما» جاء مبحراً من البندقية مروراً بالإسكندرية وطرابلس وأنطاكية وبيروت ودمشق، وهناك في دمشق تعلّم اللغة العربية ليشد الرحال جنوباً بزي جندي مملوك واصفاً نفسه جندياً في حرس المماليك، فوصف مكة في الفصل الأخير من كتابه «رحلات فارتيما»: «إنه لم يجد مطلقاً من قبل مثل هذا العدد من الناس يجتمع في بقعة واحدة من الأرض».
وفي عام 1807 وصل إلى منطقة الحجاز رجل من إسبانيا اسمه «دومينكو باديا أي ليبليج» مستخدماً اسماً مستعاراً عربي النسب وهو «علي بك العباسي» وادعى حينها أنه شريف مكة، وأبرز ما كتب في مذكراته في رحلة الحج يصف فيه منظر الوقوف على جبل عرفة: «إن الإنسان لا يستطيع أن يكوّن فكرة عن ذلك المنظر المهيب الذي يبدو في مناسك الحجِ بصورة عامة إلا بعد الوقوف على جبل عرفات، فهناك حشد من الرجال الذين لا يحصى لهم عدد، وهم من جميع الأمم، ومن جميع الألوان، وقد أتوا من أركان المعمورة على الرغم من المخاطر والأهوال لعبادة الله، فالقوقازي يمد يده للحبشي أو الإفريقي أو الهندي أو العجمي، ويشعر بشعور الأخوة مع الرجال من البرابرة من سواحل مراكش، وكلهم يعدّون أنفسهم إخوانًا أو أعضاء في أسرة واحدة».
ثم أتى المستشرق البريطاني «ريتشارد فرانسيس» عام 1853 بتدبير من نوع آخر بأن لَبْس ثياب طبيب أفغاني بصحبة قافلة حج مصرية وأطلق على نفسه اسم «الحاج عبدالله» ووصف تفاصيل رحلته الى الحج في كتاب اسمه «الحج إلى المدينة ومكة» أبدع في وصفه عندما رأى الكعبة لأول مرة قائلًا: «وها هي أخيراً منبسطة أمامي، مبتغى حجتي الطويلة والمرهقة، تحقق أحلام الكثير والكثير كل عام، ظهر سراب الكعبة في بهاء فريد، كان المنظر غريبًا، فريدًا، وكم هم قلة الذين رأوا حقًا المكان المقدس! وأستطيع أن أقول بكل صدق إن من بين كل العباد الذين تعلقوا بأستارها باكين، والذين ضغطوا صدورهم النابضة على جدرانها، لم يشعر بتلك اللحظة أحد بشكل أعمق من الحاج الآتي من أقصى الشمال، كان الأمر وكأن الأساطير الشعرية العربية لم تنطق سوى الحقيقة، وكما أن خفق أجنحة الملائكة لا نسيم الصباح هي التي تعبث بكسوة الكعبة، ولكن ولأتحرى الصدق، كان شعورهم شعورًا بالحماس الديني، بينما كان شعوري هو نشوة الفخر المحقق».
أما في عام 1884 فقد اتجه المستشرق «كريستيان ستوك هرخرونيه» وهو المستشار آنذاك لحكومة هولندا الاستعمارية في أندونيسيا والهند وبلاد الشرق إلى مدينة جدة من أجل التعرف على شعائر الحج والتي جعلت من حجاج اندونيسيا بعد عودتهم لبلدهم قيام ثورة ضد الاستعمار الهولندي، ذهب بعدها إلى مكة لدراسة الإسلام ويتعلّم فيها اللهجة الحجازية لغرض الحج، ولكن سرعان ما افتضح أمر هرخرونيه الحاصل على الدكتوراه في اللغات من «جامعة لايدن «والتي كانت تحمل أطروحته عنوان «الاحتفالات والمراسم في مكة» بعد أن مكث ستة شهور في مكة، وذلك بسبب خطأ القنصل الفرنسي في مجلسه عندما تفوّه ببعض المفردات التي أوحت بأن هرخرونيه جاسوس، فافتضح أمره فصرّح شريف مكة حينها بأن هذا المستشرق جاء لغرض غير شعائر الحج، فخرج من مكة قبل أيّام من بدء الحج، ولكنه خرج بعد أن دوّن مخطوطات تاريخية شهيرة كتبها باللغة الألمانية باسم «صفحات من تاريخ مكة» تحتوي على تاريخ مكة الديني والسياسي والاجتماعي.
مكة المكرمة التي وصفها المستشرقون بعد زيارتهم لها بأنها مرآة الكون كله، وكان الوصول إليها حلم لهم، وبعد أن وصل إليها بعض ممن ألفّوا عدداً من الكتب لوصفها ووصف جمالها وغموضها، أصبحت اليوم غير خافية، فالمعلومات التي يطمح اليها الغرب عن أماكننا المقدسة لم تعد سراً أو مغامرة، فهناك آلاف من الكتب المترجمة بلغات مختلفة بالأسواق عن مكة المكرمة، والتي أصبحت اليوم مفتوحة على الفضاء العالمي، والدليل أن مراسل محطة CNN الأمريكية ذي الديانة المسلمة هو الذي ينقل شعائر الحج مباشرة من الديار المقدسة!
مكة المكرمة التي كانت أمنية المستشرقين، حلم يتطلعون لزيارتها ليتعلموا كيف كانت انطلاقة الفكر الإسلامي من هذا المكان، مما أدى إلى أن تكون محط اهتماماتهم ودراساتهم منذ القرن الخامس قبل الميلاد من قبل الكثير مثل «ثيوفرست وهييرودوتس» تلاميذ أرسطو ومروراً بالجغرافي اليوناني «سترابون « وفِي القرن الأول والثاني الميلادي أيضاً من قبل المؤرخ اليوناني «بليني» حتى القرن الخامس عشر الميلادي عندما تدفق الرحالة الأوربيون على الجزيرة العربية.
مدينة استطاعت أن تحافظ على أسرارها وغموضها محمية من الله، ولبعد المسافة ومشقة السفر وعنائه وخطورته منع الغرب من دخولها، ولكن بسبب خبثهم ودهائهم استطاع بعض من هؤلاء المستشرقين المستكشفين دخول مكة فأتقنوا اللهجة العربية وأعلنوا إسلامهم الشكلي حتى لا يشك في أمرهم، فحجّوا ودرسوا الدراسات الإسلامية على يد فقهاء لينهلوا من حقول العلم الإسلامي قبل أن يفتضح أمرهم.
إن أول من ادعى وصوله إلى مكة هو الإيطالي جون كابوت عام 1480 قبل سقوط الأندلس واكتشاف أمريكا باثني عشرة عاماً، ولكن أول من سُجِلَ بالوثائق والسجلات الرسمية هو «يونس المصري» عام 1503 وهو رجل إيطالي اسمه الحقيقي «لودفيجودي فارتيما» جاء مبحراً من البندقية مروراً بالإسكندرية وطرابلس وأنطاكية وبيروت ودمشق، وهناك في دمشق تعلّم اللغة العربية ليشد الرحال جنوباً بزي جندي مملوك واصفاً نفسه جندياً في حرس المماليك، فوصف مكة في الفصل الأخير من كتابه «رحلات فارتيما»: «إنه لم يجد مطلقاً من قبل مثل هذا العدد من الناس يجتمع في بقعة واحدة من الأرض».
وفي عام 1807 وصل إلى منطقة الحجاز رجل من إسبانيا اسمه «دومينكو باديا أي ليبليج» مستخدماً اسماً مستعاراً عربي النسب وهو «علي بك العباسي» وادعى حينها أنه شريف مكة، وأبرز ما كتب في مذكراته في رحلة الحج يصف فيه منظر الوقوف على جبل عرفة: «إن الإنسان لا يستطيع أن يكوّن فكرة عن ذلك المنظر المهيب الذي يبدو في مناسك الحجِ بصورة عامة إلا بعد الوقوف على جبل عرفات، فهناك حشد من الرجال الذين لا يحصى لهم عدد، وهم من جميع الأمم، ومن جميع الألوان، وقد أتوا من أركان المعمورة على الرغم من المخاطر والأهوال لعبادة الله، فالقوقازي يمد يده للحبشي أو الإفريقي أو الهندي أو العجمي، ويشعر بشعور الأخوة مع الرجال من البرابرة من سواحل مراكش، وكلهم يعدّون أنفسهم إخوانًا أو أعضاء في أسرة واحدة».
ثم أتى المستشرق البريطاني «ريتشارد فرانسيس» عام 1853 بتدبير من نوع آخر بأن لَبْس ثياب طبيب أفغاني بصحبة قافلة حج مصرية وأطلق على نفسه اسم «الحاج عبدالله» ووصف تفاصيل رحلته الى الحج في كتاب اسمه «الحج إلى المدينة ومكة» أبدع في وصفه عندما رأى الكعبة لأول مرة قائلًا: «وها هي أخيراً منبسطة أمامي، مبتغى حجتي الطويلة والمرهقة، تحقق أحلام الكثير والكثير كل عام، ظهر سراب الكعبة في بهاء فريد، كان المنظر غريبًا، فريدًا، وكم هم قلة الذين رأوا حقًا المكان المقدس! وأستطيع أن أقول بكل صدق إن من بين كل العباد الذين تعلقوا بأستارها باكين، والذين ضغطوا صدورهم النابضة على جدرانها، لم يشعر بتلك اللحظة أحد بشكل أعمق من الحاج الآتي من أقصى الشمال، كان الأمر وكأن الأساطير الشعرية العربية لم تنطق سوى الحقيقة، وكما أن خفق أجنحة الملائكة لا نسيم الصباح هي التي تعبث بكسوة الكعبة، ولكن ولأتحرى الصدق، كان شعورهم شعورًا بالحماس الديني، بينما كان شعوري هو نشوة الفخر المحقق».
أما في عام 1884 فقد اتجه المستشرق «كريستيان ستوك هرخرونيه» وهو المستشار آنذاك لحكومة هولندا الاستعمارية في أندونيسيا والهند وبلاد الشرق إلى مدينة جدة من أجل التعرف على شعائر الحج والتي جعلت من حجاج اندونيسيا بعد عودتهم لبلدهم قيام ثورة ضد الاستعمار الهولندي، ذهب بعدها إلى مكة لدراسة الإسلام ويتعلّم فيها اللهجة الحجازية لغرض الحج، ولكن سرعان ما افتضح أمر هرخرونيه الحاصل على الدكتوراه في اللغات من «جامعة لايدن «والتي كانت تحمل أطروحته عنوان «الاحتفالات والمراسم في مكة» بعد أن مكث ستة شهور في مكة، وذلك بسبب خطأ القنصل الفرنسي في مجلسه عندما تفوّه ببعض المفردات التي أوحت بأن هرخرونيه جاسوس، فافتضح أمره فصرّح شريف مكة حينها بأن هذا المستشرق جاء لغرض غير شعائر الحج، فخرج من مكة قبل أيّام من بدء الحج، ولكنه خرج بعد أن دوّن مخطوطات تاريخية شهيرة كتبها باللغة الألمانية باسم «صفحات من تاريخ مكة» تحتوي على تاريخ مكة الديني والسياسي والاجتماعي.
مكة المكرمة التي وصفها المستشرقون بعد زيارتهم لها بأنها مرآة الكون كله، وكان الوصول إليها حلم لهم، وبعد أن وصل إليها بعض ممن ألفّوا عدداً من الكتب لوصفها ووصف جمالها وغموضها، أصبحت اليوم غير خافية، فالمعلومات التي يطمح اليها الغرب عن أماكننا المقدسة لم تعد سراً أو مغامرة، فهناك آلاف من الكتب المترجمة بلغات مختلفة بالأسواق عن مكة المكرمة، والتي أصبحت اليوم مفتوحة على الفضاء العالمي، والدليل أن مراسل محطة CNN الأمريكية ذي الديانة المسلمة هو الذي ينقل شعائر الحج مباشرة من الديار المقدسة!