نواصل في الجزء الثاني من المقال حديثنا عن دروس الحضارة الصينية العريقة والتجربة الصينية الحديثة. وقد هاجم ماوتسي تونج والشيوعيون فلسفة كونفوشيوس باعتبار أنه يرفض نظرية الصراع الطبقي ويؤيد الإقطاع والديكتاتورية، وكلما هاجموه استعاد الشعب الصيني فلسفة كونفوشيوس. وهذه قصة طويلة وأحد فصولها قرار الحكومة الصينية منذ ما يقرب من عقدين من الزمن بإحياء فلسفته في التناغم والتفاهم كما دعا لذلك الرئيس الصيني السابق خوجنتناو Hu Jintao، وأكد ضرورة اهتمام المثقفين والمفكرين الصينيين والحزب الشيوعي الصيني في السنوات الأخيرة بفلسفة كونفوشيوس وافتتح مراكز باسم كونفوشيوس لنشر الثقافة واللغة الصينية على مستوى عالمي وزاد هذا الاهتمام خاصة في عهد الرئيس الحالي شي جينبينج Xi Jinping بنشر معاهد باسم كونفوشيوس لتدريس اللغة الصينية والثقافة الصينية أسوة بمعاهد مماثلة مثل معهد جوته الألماني وغيره، ولكنها ليست مقدمة للاستعمار كما فعلت الدول الغربية في القرون الماضية حيث نشرت مراكز التبشير ومراكز اللغة والثقافة ومن خلالها سيطرت على كثير من الشعوب واستعمرتها باسم نشر الحضارة أو نشر المسيحية والتبشير بها، وهذا لم يحدث بالنسبة لمعاهد كونفوشيوس.
ولعل الدرس الثاني هنا، هو ضرورة اهتمام المفكرين والسياسيين المصريين والعرب المعاصرين بالبحث عن مفكر مصري عريق في الحضارة المصرية منذ العهد الفرعوني حتى العصر الحديث، أو مفكر عربي بارز أو مفكر إسلامي عريق وليس من ذوي السلطان حتى لا تكون هناك شبهة النفاق للحكام. ويمكن أن نشير في هذا السياق لبعض الشخصيات في التاريخ الفرعوني مثل «مينا» موحد القطرين، و»خوفو» صاحب الهرم الأكبر، و»أحمس» محرر مصر من الهكسوس، و»رمسيس الثاني» أكبر قائد وزعيم عسكري مصري، وهناك الكثيرون أمثال أمنحتب أو إخناتون أو توت عنخ آمون، ولا ننسى أن أخناتون كان أول من دعا للتوحيد الديني بمبادرة عبادة «آتون» قرص الشمس، وهو في هذا كان بمثابة الإله الواحد. وتاريخ مصر الفرعونية من أقدم العصور مليء بالشخصيات الدينية ومنهم النبي إدريس الذي كان اسمه الفرعوني هيرمس وولد عام 622 من تاريخ خلق سيدنا آدم وتنتمي إليه العقيدة التي أطلق عليها في القرآن الكريم «الصابئين» إنما هي نسبة إلى «صابئي ابن متوشلخ ابن إدريس عليه السلام» وقيل إن هؤلاء الصابئين آمنوا برسالة «إدريس»، «في سورة البقرة الآية 62»، حيث وردت الإشارة «للصابئين» في سياق أصحاب الأديان الكبرى مثل اليهود والمسيحيين، ويعتقد أن لفظ الصابئين يعني السابحين في الماء لأنهم كانوا يتطهرون به عندما يلتقون مع الغرباء. فالطهارة كانت أهم شعائرهم، وسيدنا إدريس يُعتقد أنه ولد في «منف» وعرف باسم «هرمس» أي الأسد الشديد. ومن قادة مصر الفرعونية العظماء «تحتمس الثالث» والمؤرخ المصري المشهور «مانيتو» صاحب قائمة مانيتو لحكام مصر، وهو كان «كاهناً من سمنود عاش أيام بطليموس الأول الذي حكم مصر من 305-285ق.م»، والحكيم المصري القديم «إيبور» الذي سجل حكمه الكثيرة في بردية عرفت باسمه. كذلك يمكن أن نجد شخصيات مبدعة عبر العصور من العصر المسيحي إلى العصر الإسلامي ثم العصر الحديث.
ولا شك في أن المؤرخين المصريين أو العرب قادرون على إعداد قائمة بأبرز مفكري مصر عبر العصور وتعرض على القيادة السياسية لاختيار أحدها على غرار ما فعلت الصين باختيار كونفوشيوس دون غيره من المفكرين الصينيين سواء القدامى أو المحدثين حيث ابتعد قادة الصين عن أي اسم يمكن أن يمثل نفاقاً للزعماء أو القائمين بالسلطة مثل ماوتسي تونج أو شوان لاي أو دنج سياو بنج الذي قاد النهضة الحديثة منذ عام 1978، ثم تخلي عن السلطة عام 1987 بعد عشر سنوات أي بعد فترتين كل منهما خمس سنوات، وتحول إلى الأب الروحي للنهضة الصينية الحديثة وظل كذلك حتى توفي في منتصف التسعينات من القرن العشرين. وللحديث بقية.
* سفير مصر الأسبق في الصين وخبير الدراسات الصينية
ولعل الدرس الثاني هنا، هو ضرورة اهتمام المفكرين والسياسيين المصريين والعرب المعاصرين بالبحث عن مفكر مصري عريق في الحضارة المصرية منذ العهد الفرعوني حتى العصر الحديث، أو مفكر عربي بارز أو مفكر إسلامي عريق وليس من ذوي السلطان حتى لا تكون هناك شبهة النفاق للحكام. ويمكن أن نشير في هذا السياق لبعض الشخصيات في التاريخ الفرعوني مثل «مينا» موحد القطرين، و»خوفو» صاحب الهرم الأكبر، و»أحمس» محرر مصر من الهكسوس، و»رمسيس الثاني» أكبر قائد وزعيم عسكري مصري، وهناك الكثيرون أمثال أمنحتب أو إخناتون أو توت عنخ آمون، ولا ننسى أن أخناتون كان أول من دعا للتوحيد الديني بمبادرة عبادة «آتون» قرص الشمس، وهو في هذا كان بمثابة الإله الواحد. وتاريخ مصر الفرعونية من أقدم العصور مليء بالشخصيات الدينية ومنهم النبي إدريس الذي كان اسمه الفرعوني هيرمس وولد عام 622 من تاريخ خلق سيدنا آدم وتنتمي إليه العقيدة التي أطلق عليها في القرآن الكريم «الصابئين» إنما هي نسبة إلى «صابئي ابن متوشلخ ابن إدريس عليه السلام» وقيل إن هؤلاء الصابئين آمنوا برسالة «إدريس»، «في سورة البقرة الآية 62»، حيث وردت الإشارة «للصابئين» في سياق أصحاب الأديان الكبرى مثل اليهود والمسيحيين، ويعتقد أن لفظ الصابئين يعني السابحين في الماء لأنهم كانوا يتطهرون به عندما يلتقون مع الغرباء. فالطهارة كانت أهم شعائرهم، وسيدنا إدريس يُعتقد أنه ولد في «منف» وعرف باسم «هرمس» أي الأسد الشديد. ومن قادة مصر الفرعونية العظماء «تحتمس الثالث» والمؤرخ المصري المشهور «مانيتو» صاحب قائمة مانيتو لحكام مصر، وهو كان «كاهناً من سمنود عاش أيام بطليموس الأول الذي حكم مصر من 305-285ق.م»، والحكيم المصري القديم «إيبور» الذي سجل حكمه الكثيرة في بردية عرفت باسمه. كذلك يمكن أن نجد شخصيات مبدعة عبر العصور من العصر المسيحي إلى العصر الإسلامي ثم العصر الحديث.
ولا شك في أن المؤرخين المصريين أو العرب قادرون على إعداد قائمة بأبرز مفكري مصر عبر العصور وتعرض على القيادة السياسية لاختيار أحدها على غرار ما فعلت الصين باختيار كونفوشيوس دون غيره من المفكرين الصينيين سواء القدامى أو المحدثين حيث ابتعد قادة الصين عن أي اسم يمكن أن يمثل نفاقاً للزعماء أو القائمين بالسلطة مثل ماوتسي تونج أو شوان لاي أو دنج سياو بنج الذي قاد النهضة الحديثة منذ عام 1978، ثم تخلي عن السلطة عام 1987 بعد عشر سنوات أي بعد فترتين كل منهما خمس سنوات، وتحول إلى الأب الروحي للنهضة الصينية الحديثة وظل كذلك حتى توفي في منتصف التسعينات من القرن العشرين. وللحديث بقية.
* سفير مصر الأسبق في الصين وخبير الدراسات الصينية