ما عرف التاريخ قضية لا ولن تنطفئ كقضية الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب سبط رسول الله «صلوات الله عليهم أجمعين»، هذه القضية التي انتهت بذبحه والتمثيل به مع جمع من أهل بيته وأنصاره عقب واقعة الطف يوم العاشر من شهر محرم الحرام عام 61 للهجرة.
1381 عاماً كاملة تفصلنا عن ذلك التاريخ الحزين من تاريخنا الإسلامي، إلا أن جذوة تلك المعركة وحرارتها لا تزال متقدة في ضمائر الأحرار من كل الأديان والمذاهب في كل مكان في هذا العالم.
لماذا؟
لأن هذه المعركة -ربما أو هي كذلك بالفعل- هي المعركة الوحيدة عبر التاريخ التي كان «الخاسر» فيها بحكم قانون الحروب وعرفها منتصرا، وهي المعركة التي انتصر فيها الدم على حد السيف.
فناهيكم عن البعدين السياسي والديني لهذه المأساة الكبرى، فإن لها أبعاداً إنسانية موغلة في العمق والمأساة.. فهي تعبر عن أنواع شتى من المآسي الإنسانية التي وقعت في جو القيظ وحالة من التعطيش والبطش والقسوة والقتل الجماعي والتنكيل والتمثيل والإهانة.. سبقها التآمر وخيانة العهود والمواثيق والتخلي عن المروءة والنخوة والفضيلة.. حالة من الجنون البشري اكتنفت واحدة من أفظع الجرائم التي عرفها التاريخ والتي تتنافى مع الفطرة والطبيعة الإنسانية التي تنحو نحو الآدمية والحرية والكرامة وعزة الإنسان.
لاتزال هذه المعركة «الأيقونة» التي تعبر عن الصراع الإنساني الطويل على مر العصور بين الأصول ونقائضها: الخير والشر.. العدالة والظلم.. الإنصاف والجور.. الحق والباطل.. الصراط المستقيم والشذوذ عنه.
انتهت المعركة ظهيرة يوم العاشر من المحرم قبل نحو 1400 سنة ولكن القضية والمبادئ والأهداف التي قامت عليها وانطلقت بسببها ظلت تشتعل في ضمائر الأحرار حتى اليوم.. وستظل ليوم يبعثون.
استشهد الحسين وجميع أنصاره بنهاية معركة يوم العاشر من المحرم، ولكنه هل مات فعلاً؟؟ يموت من يموت ذكره وذكر محاسنه وأفضاله، أما من يقتل من أجل مبدأ حق أو دفاعا عن دين أو معتقد فلا يمكن أن يموت.
والسؤال: هل الإمام الحسين لنا كمسلمين فقط أو للشيعة فحسب أم أنه يمثل الإنسانية كمجموع بمعناها الأعم والأشمل؟
أما الجواب فإن الإمام الحسين لو كان لنا كمسلمين أو كشيعة فقط لما تمكنت قضيته من الصمود 14 قرناً من الزمان، ولما كان أثرها وتأثيرها كما لو كانت قد وقعت بالأمس فقط!
والسبب: لأن منطلقات حركة الإمام الحسين كانت تنطلق من قضية الإنسان في مجموعه، وهو الذي لم يخرج أشراً ولا بطراً وإنما خرج لطلب الإصلاح في أمة جده، لذلك فإن تأثيراتها ما اقتصرت على المسلمين في مجموعهم لوحدهم بل تعدتها إلى سواهم من أصحاب الأديان الأخرى.
فها هو المهاتما غاندي ومقولته الخالدة التي ذكرها في كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»: «تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر». أما المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون فقال: «أخذ الحسين على عاتقه مصير الروح الإسلامية، وقتل في سبيل العدل بكربلاء..». وقال ماربين المستشرق الألماني: «قدم الحسين للعالم درساً في التضحية والفداء من خلال التضحية بأعز الناس لديه ومن خلال إثبات مظلوميته وأحقيته، وأدخل الإسلام والمسلمين سجل التاريخ ورفع صيتهما، لقد أثبت هذا الجندي الباسل في العالم الإسلامي لجميع البشر أن الظلم والجور لا دوام له، وإن صرح الظلم مهما بدا راسخاً وهائلاً في الظاهر إلاّ أنه لا يعدو أن يكون أمام الحق والحقيقة إلاّ كريشة في مهب الريح».
وقال الآثاري الإنجليزي ويليام لوفتس: «لقد قدم الحسين بن علي أبلغ شهادة في تاريخ الإنسانية، وارتفع بمأساته إلى مستوى البطولة الفذة». أما الدكتور أنطوان بارا المسيحي الديانة فقد أفرد مؤلفاً كاملاً عن «الحسين في الفكر المسيحي».
إذا كان هذا هو «الحسين» في نظر الآخرين من أصحاب الديانات الأخرى، فنحن كمسلمين أولى به وأولى باستثمار ما تهيئه لنا هذه المناسبة الدينية من مناخ مناسب للتقارب والوحدة والبناء على المشتركات وترك كل ما يثير الشقاق والاختلافات.
فلا أعظم من المبادئ السامية التي قامت عليها ثورة الإمام الحسين الدينية والسياسية والفكرية من أن تكون منطلقاً لإعادة اللحمة الوطنية، ونحن الذين ما عرفنا منذ فتحنا أعيننا على الحياة في هذا الوطن العزيز إلا كل تقارب وتآلف ومحبة بين طائفتيه الكريمتين.
ولطالما استقبلت مآتم الطائفة الشيعية الكريمة ومواكبها بكل رحابة صدر أبناء الطائفة السنية الكريمة سواء كمعزين أو مواسين أو مشاركين أو مساهمين أو حتى راغبين في التزود من «بركة العزاء».
ولطالما كانت البحرين معروفة ومغبوطة بتنوعها المذهبي والديني وبالتسامح والتعايش بين أبنائها جميعاً، لذلك وجبت العودة إلى الأصل، ولعل منطلق ذلك يبدأ من وجوب تنزيه المنبر والموكب والشعائر الحسينية عن السياسة وعدم شغلها إلا بما يتعلق بقضية الحسين البحتة الصرفة، وهي الدعوة المشكورة التي أكد عليها مؤخرا سماحة السيد عبدالله الغريفي.
ولا يجب أن ننسى أبداً أن الحسين «عليه السلام» هو ابن بنت نبي الأمة كلها بسنتها وشيعتها، ولا يمكن أن يكون حكراً لطائفة بعينها.
* سانحة:
عظم الله لكم الأجر يا مسلمين في حسينكم.. حسيننا جميعاً.
1381 عاماً كاملة تفصلنا عن ذلك التاريخ الحزين من تاريخنا الإسلامي، إلا أن جذوة تلك المعركة وحرارتها لا تزال متقدة في ضمائر الأحرار من كل الأديان والمذاهب في كل مكان في هذا العالم.
لماذا؟
لأن هذه المعركة -ربما أو هي كذلك بالفعل- هي المعركة الوحيدة عبر التاريخ التي كان «الخاسر» فيها بحكم قانون الحروب وعرفها منتصرا، وهي المعركة التي انتصر فيها الدم على حد السيف.
فناهيكم عن البعدين السياسي والديني لهذه المأساة الكبرى، فإن لها أبعاداً إنسانية موغلة في العمق والمأساة.. فهي تعبر عن أنواع شتى من المآسي الإنسانية التي وقعت في جو القيظ وحالة من التعطيش والبطش والقسوة والقتل الجماعي والتنكيل والتمثيل والإهانة.. سبقها التآمر وخيانة العهود والمواثيق والتخلي عن المروءة والنخوة والفضيلة.. حالة من الجنون البشري اكتنفت واحدة من أفظع الجرائم التي عرفها التاريخ والتي تتنافى مع الفطرة والطبيعة الإنسانية التي تنحو نحو الآدمية والحرية والكرامة وعزة الإنسان.
لاتزال هذه المعركة «الأيقونة» التي تعبر عن الصراع الإنساني الطويل على مر العصور بين الأصول ونقائضها: الخير والشر.. العدالة والظلم.. الإنصاف والجور.. الحق والباطل.. الصراط المستقيم والشذوذ عنه.
انتهت المعركة ظهيرة يوم العاشر من المحرم قبل نحو 1400 سنة ولكن القضية والمبادئ والأهداف التي قامت عليها وانطلقت بسببها ظلت تشتعل في ضمائر الأحرار حتى اليوم.. وستظل ليوم يبعثون.
استشهد الحسين وجميع أنصاره بنهاية معركة يوم العاشر من المحرم، ولكنه هل مات فعلاً؟؟ يموت من يموت ذكره وذكر محاسنه وأفضاله، أما من يقتل من أجل مبدأ حق أو دفاعا عن دين أو معتقد فلا يمكن أن يموت.
والسؤال: هل الإمام الحسين لنا كمسلمين فقط أو للشيعة فحسب أم أنه يمثل الإنسانية كمجموع بمعناها الأعم والأشمل؟
أما الجواب فإن الإمام الحسين لو كان لنا كمسلمين أو كشيعة فقط لما تمكنت قضيته من الصمود 14 قرناً من الزمان، ولما كان أثرها وتأثيرها كما لو كانت قد وقعت بالأمس فقط!
والسبب: لأن منطلقات حركة الإمام الحسين كانت تنطلق من قضية الإنسان في مجموعه، وهو الذي لم يخرج أشراً ولا بطراً وإنما خرج لطلب الإصلاح في أمة جده، لذلك فإن تأثيراتها ما اقتصرت على المسلمين في مجموعهم لوحدهم بل تعدتها إلى سواهم من أصحاب الأديان الأخرى.
فها هو المهاتما غاندي ومقولته الخالدة التي ذكرها في كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»: «تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر». أما المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون فقال: «أخذ الحسين على عاتقه مصير الروح الإسلامية، وقتل في سبيل العدل بكربلاء..». وقال ماربين المستشرق الألماني: «قدم الحسين للعالم درساً في التضحية والفداء من خلال التضحية بأعز الناس لديه ومن خلال إثبات مظلوميته وأحقيته، وأدخل الإسلام والمسلمين سجل التاريخ ورفع صيتهما، لقد أثبت هذا الجندي الباسل في العالم الإسلامي لجميع البشر أن الظلم والجور لا دوام له، وإن صرح الظلم مهما بدا راسخاً وهائلاً في الظاهر إلاّ أنه لا يعدو أن يكون أمام الحق والحقيقة إلاّ كريشة في مهب الريح».
وقال الآثاري الإنجليزي ويليام لوفتس: «لقد قدم الحسين بن علي أبلغ شهادة في تاريخ الإنسانية، وارتفع بمأساته إلى مستوى البطولة الفذة». أما الدكتور أنطوان بارا المسيحي الديانة فقد أفرد مؤلفاً كاملاً عن «الحسين في الفكر المسيحي».
إذا كان هذا هو «الحسين» في نظر الآخرين من أصحاب الديانات الأخرى، فنحن كمسلمين أولى به وأولى باستثمار ما تهيئه لنا هذه المناسبة الدينية من مناخ مناسب للتقارب والوحدة والبناء على المشتركات وترك كل ما يثير الشقاق والاختلافات.
فلا أعظم من المبادئ السامية التي قامت عليها ثورة الإمام الحسين الدينية والسياسية والفكرية من أن تكون منطلقاً لإعادة اللحمة الوطنية، ونحن الذين ما عرفنا منذ فتحنا أعيننا على الحياة في هذا الوطن العزيز إلا كل تقارب وتآلف ومحبة بين طائفتيه الكريمتين.
ولطالما استقبلت مآتم الطائفة الشيعية الكريمة ومواكبها بكل رحابة صدر أبناء الطائفة السنية الكريمة سواء كمعزين أو مواسين أو مشاركين أو مساهمين أو حتى راغبين في التزود من «بركة العزاء».
ولطالما كانت البحرين معروفة ومغبوطة بتنوعها المذهبي والديني وبالتسامح والتعايش بين أبنائها جميعاً، لذلك وجبت العودة إلى الأصل، ولعل منطلق ذلك يبدأ من وجوب تنزيه المنبر والموكب والشعائر الحسينية عن السياسة وعدم شغلها إلا بما يتعلق بقضية الحسين البحتة الصرفة، وهي الدعوة المشكورة التي أكد عليها مؤخرا سماحة السيد عبدالله الغريفي.
ولا يجب أن ننسى أبداً أن الحسين «عليه السلام» هو ابن بنت نبي الأمة كلها بسنتها وشيعتها، ولا يمكن أن يكون حكراً لطائفة بعينها.
* سانحة:
عظم الله لكم الأجر يا مسلمين في حسينكم.. حسيننا جميعاً.
