يعيش في مملكة البحرين أكثر من 700 ألف وافد، وهي تعتبر واحدة من النسب المرتفعة على مستوى العالم، وبحسب ما أظهرت الإحصائيات، فإن مجموع ما حوله هؤلاء العاملون يقارب الـ 1.2 مليار دينار في 2018، وهو رقم يعتبر مرتفعاً مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي البحريني.

صحيح أن هذا الرقم يدل على عدم وجود ركود اقتصادي في البحرين، ووجود أموال يتم إنفاقها بشتى المجالات سواء صناعية أو سياحية أو بنية تحتية أو غيرها، إلا أنها أموال كان يمكن للبحرين أن تستفيد من جزء كبير منها بشكل أفضل، وتصرف في داخل المملكة، لتزيد من الانتعاش الاقتصادي بدلاً من تحويلها إلى الخارج، ونحن هنا نتحدث عن الأموال التي يحولها العاملون فقط، وليست الحوالات المالية نتيجة الاستيراد والتصدير.

ولو نتحدث بصراحة، فإن رواتب أكثر من 350 ألف عامل لا تتجاوز الـ 150 ديناراً، وهي من العمالة البسيطة، ولا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يصل مجموع ما يحولونه سنوياً إلى ربع المليار دينار، باعتبار أنهم ينفقون ثلث الراتب على استخدامهم الشخصي، والسكن والاتصالات وغيرها، كما أن الأجانب من ذوي الرواتب المرتفعة، يفرض عليهم أسلوب حياتهم إنفاق المزيد من الأموال أيضاً، ولا يمكن أيضاً بأي حال من الأحوال أن يصل أيضاً مجموع تحولاتهم المالية إلى ربع مليار دينار سنوياً.

أما المستثمرون، فإن العائد من استثماراتهم معروف، ويتم إنفاق جزء لا بأس منه في الاقتصاد المحلي، سواء بتوسعة الاستثمارات، أو بالاستيراد والتصدير، وحتى في خلق وظائف للبحرينيين، أو الرسوم التي يدفعونها والإيجارات وغيرها، وهو أمر هام جداً للاقتصاد أيضاً.

ولكن، من لديهم حوالات مرتفعة، هم الأجانب ممن لا تعرف وظائفهم، أو العمالة السائبة وغير النظامية، أو تلك التي استأجرت سجلات بالباطن، حيث يقع الاقتصاد البحريني ضحية لهم، فهم لا يستلمون رواتب، وإنما يعملون بشتى الطرق لجمع الأموال، وإرسالها إلى الخارج، كونه في أي لحظة، قد يتم اكتشاف أمرهم، واتخاذ الإجراءات القانونية تجاههم، ويحاولون كسب أكبر مبالغ ممكنة خلال فترة مكوثهم في البحرين، ولا ينفقون إلا القليل منها، أما الباقي، فيذهب أدراج الرياح، ولا يستفيد منه المواطن أو الاقتصاد.

وهنا، تقع اللائمة على الأشخاص الذين يسعون للحصول على الأموال دون تعب، فيؤجر سجله التجاري بـ 200 - 300 دينار، دون أن يحاول متابعة نشاطه التجاري، ويلقي المسؤولية على الأجنبي، الذي ربما يحصل على مدخول شهري يفوق الـ 2000 دينار، وهذا الرقم هو أقل ما يتم تحصيله من أنشطة بسيطة، فالتجارة، تحمل في طياتها الأرباح، كما هي المخاطر، وكل ما يحتاجه الشخص هو المتابعة وتنمية تجارته.

كما يقوم البعض منهم بأنشطة غير مرخصة، ويوقع صاحب السجل بمشكلات كبيرة مع الجهات المعنية، سواء تأخر بالإيجارات، أو رسوم العمل، أو حتى فواتير الكهرباء والماء، وربما تصل لبيع تأشيرات الإقامة على العمال، وكل ما على الأجنبي فعله، هو حجز تذكرة سفر فقط، للهروب من المسؤولية، التي ألقاها بالكامل على المواطن صاحب السجل، ويتركه يواجه أحكام القضاء وهيئة تنظيم سوق العمل، ووزارة الصناعة والتجارة، وغيرها من الجهات.

الحالة الأخرى هي الاستعانة بالعمالة غير المرخصة، سواء «باي فيتر» أو حتى من البنائين، أو أي أعمال أخرى بسيطة، فهي تجني بالمتوسط دخلاً ما لا يقل عن 500 دينار شهرياً، ولها تبعاتها الكبيرة، ليس آخرها أن تلك العمالة غير مؤهلة أو مدربة، ولا يمكن أن تحملها مسؤولية كل ما يحصل من مشاكل تثقل كاهل المواطن، فضلاً عن تبعاتها الاقتصادية.

* آخر لمحة:

كل ما يمكننا قوله، بعد هذا الشرح المطول، أن المسؤولية بكل تأكيد تقع على الجهات المعنية لمحاربة تلك الظواهر، ولكن الأهم هو أن ترسخ ثقافة محاربة هذه العمالة عند المواطن، فلا يؤجر سجله التجاري على أحد، أو يستعين بعمالة غير نظامية ولا تمتلك مؤهلات، وحينها، ستبدأ هذه الظواهر بالزوال تدريجياً، ويعود «دهنا في مكبتنا».