نواصل في الجزء الرابع من المقال حديثنا عن المفكر البحريني د. محمد جابر الأنصاري. ما يهمني في هذا المقام أن الأنصاري أخذ بالمنهج النقدي فانتقد جمال عبد الناصر وأم كلثوم وغيرهما من الزعماء القياديين والسياسيين والمفكرين والفنانين وإن تصالح الأنصاري في أواخر حياته الفكرية مع المفكرين المصريين وحصل على جائزة المعرض الدولي للكتاب في مصر عام 2004 وقدمها له الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك.
كما أعيد طبع بعض كتاباته وأعيد طبع كتابي عن الدكتور محمد جابر الأنصاري ومشروعه الفكري الذي سبق ونشر في بيروت. ولكن الطبعة المصرية التي تبنتها الأهرام والهيئة المصرية العامة للكتاب فأصبح الكتاب الجديد بالطبعة المصرية يحمل عنوان «التفاعل الفكري بين مصر ومحيطها العربي: جابر الأنصاري نموذجا». وتم إدخال بعض التعديلات والإضافات علي الكتاب حيث ركز علي البعد المصري في فكر الأنصاري فضم فصلاً بعنوان «تفاعل الفكر السياسي المصري والعربي المعاصر»، وفصلاً ثانياً بعنوان «دور مصر ومكانتها في فكر الأنصاري». كما حذفت منه الإشارة لكتاب الأنصاري المعنون الناصرية بمنظور نقدي.
ومن الجدير بالذكر أن جابر الأنصاري لم يكن في انتقاده لبعض الكتاب والزعماء والفنانين المصريين معادياً لهم، وإنما كان يتبع المنهج العلمي في نقده وعدم التسليم المطلق للآخرين بما يقولون. كما إنه اعتمد على كثير من المؤلفات والمثقفين المصريين في كتاباته وثقافته بوجه عام رغم أنه لم يدرس بمصر ولم يعش بها مثل كثير من المفكرين والكتاب العرب، وكان نقد الأنصاري لجمال عبد الناصر ولبعض الكتاب والمفكرين المصريين موضوعيا، ونفس المنهج اتبعه في تحليل تطور الفكر العربي والفكر الإسلامي عبر العصور، كما تجلى ذلك في مؤلفاته السابق ذكرها. ولعل هذا كله أحد مصادر إعجابي بالأنصاري وتقديري لمواقفه التي لا أسميها انتقادية وإنما أسميها تحليلية علمية وموضوعية ولم يكن الأنصاري يغضب إذا وجهت لكتاباته انتقادات أثناء معرفتي به وتحاوري معه بل كان متسامحا وهذا بخلاف مؤرخ مصري كبير مثل الدكتور عبد العظيم رمضان لم يكن يقبل أي نقد ولو بسيط رغم صداقتي معه لذا فقد توقفت عن نقده أو ما أطلق عليه تقديم لنصيحة له كما أراها من وجهة نظري. واستبعدت نقاط خلافنا وتحوله من يسارى شيوعي إلى ناصري ثم إلى ساداتي ومباركي حفاظا على وظيفته وعلاقته بهما.
الملاحظة الثانية: إن الأنصاري في أواخر حياته العملية كان متحفظاً في النقد المنشور وربما كان يبدى ملاحظاته الخلافية لبعض الشخصيات السياسية العامة بأسلوب أكثر دبلوماسية وحكمة بعد أن حنكته الخبرة والسنون. وكتب بعض آراء على خلاف المتعارف عليه في الفكر العربي المعاصر فعلى سبيل المثال كتب في بعض مقالاته منتقداً المفهوم القومي العربي الوحدوي خاصة بالنسبة لبعض المؤيدين للوحدة العربية موضحاً أن الوحدة الأولى الناجحة في العالم العربي هي توحيد المملكة العربية السعودية وكذلك توحيد الإمارات العربية المتحدة ومفسراً رفض بعض السياسيين والمفكرين من دول الخليج لمفهوم القومية والوحدة العربية بأن ذلك مرجعه طبيعة التطور التاريخي فمرحلة التطور الراهنة في منطقة الخليج لم تحقق بعد مفهوم الدولة الوطنية ولم تترسخ جذورها وإن ذلك مفهوم أساسي في التطور السياسي العالمي فالدولة الوطنية في أوروبا جاءت على أنقاض النظام البابوي وبعد صلح وستفاليا 1648 بعد حروب الثلاثين عاما «1618-1648» وأكد الأنصاري أنه لا يمكن حرق مراحل التطور السياسي للدول وأن قيام الدولة القطرية الوطنية هو مرحلة تطور. ثم تأتي مرحلة الوحدة القومية العربية وهى مرحلة تحتاج لكثير من الإعداد والاستعداد والتضحيات من الدول القطرية التي تتبني مفهوم الدولة الوطنية Nation State وهذا ما حدث في أوروبا في إطار الوحدة الأوروبية. وللحديث بقية.
* باحث في الدراسات العربية والإسلامية
كما أعيد طبع بعض كتاباته وأعيد طبع كتابي عن الدكتور محمد جابر الأنصاري ومشروعه الفكري الذي سبق ونشر في بيروت. ولكن الطبعة المصرية التي تبنتها الأهرام والهيئة المصرية العامة للكتاب فأصبح الكتاب الجديد بالطبعة المصرية يحمل عنوان «التفاعل الفكري بين مصر ومحيطها العربي: جابر الأنصاري نموذجا». وتم إدخال بعض التعديلات والإضافات علي الكتاب حيث ركز علي البعد المصري في فكر الأنصاري فضم فصلاً بعنوان «تفاعل الفكر السياسي المصري والعربي المعاصر»، وفصلاً ثانياً بعنوان «دور مصر ومكانتها في فكر الأنصاري». كما حذفت منه الإشارة لكتاب الأنصاري المعنون الناصرية بمنظور نقدي.
ومن الجدير بالذكر أن جابر الأنصاري لم يكن في انتقاده لبعض الكتاب والزعماء والفنانين المصريين معادياً لهم، وإنما كان يتبع المنهج العلمي في نقده وعدم التسليم المطلق للآخرين بما يقولون. كما إنه اعتمد على كثير من المؤلفات والمثقفين المصريين في كتاباته وثقافته بوجه عام رغم أنه لم يدرس بمصر ولم يعش بها مثل كثير من المفكرين والكتاب العرب، وكان نقد الأنصاري لجمال عبد الناصر ولبعض الكتاب والمفكرين المصريين موضوعيا، ونفس المنهج اتبعه في تحليل تطور الفكر العربي والفكر الإسلامي عبر العصور، كما تجلى ذلك في مؤلفاته السابق ذكرها. ولعل هذا كله أحد مصادر إعجابي بالأنصاري وتقديري لمواقفه التي لا أسميها انتقادية وإنما أسميها تحليلية علمية وموضوعية ولم يكن الأنصاري يغضب إذا وجهت لكتاباته انتقادات أثناء معرفتي به وتحاوري معه بل كان متسامحا وهذا بخلاف مؤرخ مصري كبير مثل الدكتور عبد العظيم رمضان لم يكن يقبل أي نقد ولو بسيط رغم صداقتي معه لذا فقد توقفت عن نقده أو ما أطلق عليه تقديم لنصيحة له كما أراها من وجهة نظري. واستبعدت نقاط خلافنا وتحوله من يسارى شيوعي إلى ناصري ثم إلى ساداتي ومباركي حفاظا على وظيفته وعلاقته بهما.
الملاحظة الثانية: إن الأنصاري في أواخر حياته العملية كان متحفظاً في النقد المنشور وربما كان يبدى ملاحظاته الخلافية لبعض الشخصيات السياسية العامة بأسلوب أكثر دبلوماسية وحكمة بعد أن حنكته الخبرة والسنون. وكتب بعض آراء على خلاف المتعارف عليه في الفكر العربي المعاصر فعلى سبيل المثال كتب في بعض مقالاته منتقداً المفهوم القومي العربي الوحدوي خاصة بالنسبة لبعض المؤيدين للوحدة العربية موضحاً أن الوحدة الأولى الناجحة في العالم العربي هي توحيد المملكة العربية السعودية وكذلك توحيد الإمارات العربية المتحدة ومفسراً رفض بعض السياسيين والمفكرين من دول الخليج لمفهوم القومية والوحدة العربية بأن ذلك مرجعه طبيعة التطور التاريخي فمرحلة التطور الراهنة في منطقة الخليج لم تحقق بعد مفهوم الدولة الوطنية ولم تترسخ جذورها وإن ذلك مفهوم أساسي في التطور السياسي العالمي فالدولة الوطنية في أوروبا جاءت على أنقاض النظام البابوي وبعد صلح وستفاليا 1648 بعد حروب الثلاثين عاما «1618-1648» وأكد الأنصاري أنه لا يمكن حرق مراحل التطور السياسي للدول وأن قيام الدولة القطرية الوطنية هو مرحلة تطور. ثم تأتي مرحلة الوحدة القومية العربية وهى مرحلة تحتاج لكثير من الإعداد والاستعداد والتضحيات من الدول القطرية التي تتبني مفهوم الدولة الوطنية Nation State وهذا ما حدث في أوروبا في إطار الوحدة الأوروبية. وللحديث بقية.
* باحث في الدراسات العربية والإسلامية