إشكالية التحديث في الأدب العربي هي سؤال امتد منذ بدايات القرن العشرين. أي مع مسيرة الحركات النهضوية العربية آنذاك. حاول فيها الأدباء العرب الاستعانة بالمراحل الأدبية الذهبية في التراث العربي تارة، وبالاستعانة بمستحدثات الأدب الغربي تارة، وبالمزاوجة بينهما تارة ثالثة، وبالصراع مع أحدهما تارات عدة. وبقي هاجس التحديث ماثلاً بأزماته الثقافية وتحديات آلياته والاختلاف على تمثلاته، وخصوصاً في الرواية العربية.
قاعدة نقدية: «التحديث هو نتاج حداثة شاملة على المستوى الفكري الفلسفي وعلى مستوى الإنتاج التطبيقي وعلى مستوى التلقي النخبوي والجماهيري». ويمكن الاستدلال على هذه الفرضية بالرواية الفرنسية «الجديدة» التي هي على المستوى الثقافي نتاج فلسفة التشيؤ وموت الإنسان والرؤية المتشظية لواقع لا يعكس حقيقته، وكان ذلك واضحاً في موضوعات الرواية الجديدة وهيكلية بنيتها. وقد حاول العديد من الروائيين العرب خوض «مغامرة» الرواية الجديدة، إلا أنها لم تتكلل بالنجاح الكافي وواجهت ضعف القبول الجماهيري. وكانت فكرة مستوردة، وتجربة غير حقيقية وغير معبرة عن واقعنا العربي.
لذلك، وربما في مرحلة لاحقة، ارتكز تحديث كتاب الرواية على تحديث المضمون بالدرجة الأولى مع الحفاظ على هيكلية «الذروة» التقليدية والتراجع عن بنية التشظي. وإحدى محاولات التحديث تركزت على التطرق لموضوعات التابو وخصوصاً الدينية والاجتماعية. الأمر الذي شكل صدمة في مرحلة ما. وصدامات مع المؤسسات الدينية والاجتماعية المحافظة. وعلى الرغم من القيمة الثقافية للنضال الاجتماعي في بعض تلك الأعمال الروائية. إلا أن مجرد التطرق للممنوع لم يكن مسوغاً كافياً لتوسم تلك الأعمال الأدبية بالحداثية على مستوى الأداء الفني. وربما زاد في تعقيد النقاش النقدي الاندفاع الكبير من قبل المترجمين ودور النشر العالمية لترجمة تلك الأعمال.
اتسمت كثير من تلك الأعمال التي تبدو اجتماعية نقدية أو ذات نزعة إنسانية متجاوزة، اتسمت، بسطحية الطرح، والمبالغة في رسم التفاصيل، وركاكة البنية اللغوية. وبدا الأمر على أنها أشبه بروايات «النميمة» أو «الفضائحيات». وأنها من وجهة ما تستجيب، بالدرجة الأولى، لشروط السوق الغربية، التي مازالت تنظر إلى الواقع الاجتماعي العربي على أنه جزء من الشرق الساحر الذي تعرفت عليه أول مرة عن طريق قصص ألف ليلة وليلة المعبأة بقصص الملوك المتعجرفين والأميرات الأسيرات المحرومات، والجواري والولدان الملونين العابثين، وحكايات الخيانة والعلاقات المشبوهة والشاذة.
وبذلك لم تفلح الكثير من روايات النقد الاجتماعي العربية في التحول إلى أعمال إنسانية تقرع باب المستقبل متخلية عن إرث الماضي. بل جعلت من الواقع السيء مادة جذابة وصادمة لا تترك من أثر نفسي أو فكري في المتلقي أكثر من الإحباط والانزعاج. وعند أكثر النقاد المتحمسين لهذه الشجاعة فإنها لا تمثل أكثر من صرخة «لا» لكل ما يحدث. ولكن... ماذا بعد؟!!
تلك السطحية التي تكتب بها بعض «الروايات الشجاعة» جعلت من مناقشة قضايا التابو في الرواية استهلاكاً مستفزاً. وافتعالاً للشعارات والمضامين الاجتماعية القابعة في الخطابات الإنشائية التي قد يكون محلها الأفضل المقالات الثقافية أو الأعمدة الصحافية. إنها لم تختلف عن النهج ذاته الذي أقحمت فيه المضامين السياسية والاتجاهات الإديولوجية في الرواية العربية في الفترة ما بين ستينيات وثمانينيات القرن الماضي. حين صار يخشى على الرواية أن تتحول إلى خطاب سياسي إديولوجي يحقق أهداف الأحزاب السياسية ويهدد كيان الرواية.
ومازالت المعادلة الأدبية تحاول ضبط توازنها في هذا المجال. كيف تعبئ مضموناً سياسياً أو اجتماعياً ناقداً في هيكلية فنية عالية، دون أن تنجرف نحو الإنشائية أو السطحية أو الدعائية الفارغة؟ كيف تكتب رواية بصيغة جديدة دون أن تنزلق إلى الافتعال أو المبالغة أو المعالجة الفجة لقضية بالغة الحساسية؟
قاعدة نقدية: «التحديث هو نتاج حداثة شاملة على المستوى الفكري الفلسفي وعلى مستوى الإنتاج التطبيقي وعلى مستوى التلقي النخبوي والجماهيري». ويمكن الاستدلال على هذه الفرضية بالرواية الفرنسية «الجديدة» التي هي على المستوى الثقافي نتاج فلسفة التشيؤ وموت الإنسان والرؤية المتشظية لواقع لا يعكس حقيقته، وكان ذلك واضحاً في موضوعات الرواية الجديدة وهيكلية بنيتها. وقد حاول العديد من الروائيين العرب خوض «مغامرة» الرواية الجديدة، إلا أنها لم تتكلل بالنجاح الكافي وواجهت ضعف القبول الجماهيري. وكانت فكرة مستوردة، وتجربة غير حقيقية وغير معبرة عن واقعنا العربي.
لذلك، وربما في مرحلة لاحقة، ارتكز تحديث كتاب الرواية على تحديث المضمون بالدرجة الأولى مع الحفاظ على هيكلية «الذروة» التقليدية والتراجع عن بنية التشظي. وإحدى محاولات التحديث تركزت على التطرق لموضوعات التابو وخصوصاً الدينية والاجتماعية. الأمر الذي شكل صدمة في مرحلة ما. وصدامات مع المؤسسات الدينية والاجتماعية المحافظة. وعلى الرغم من القيمة الثقافية للنضال الاجتماعي في بعض تلك الأعمال الروائية. إلا أن مجرد التطرق للممنوع لم يكن مسوغاً كافياً لتوسم تلك الأعمال الأدبية بالحداثية على مستوى الأداء الفني. وربما زاد في تعقيد النقاش النقدي الاندفاع الكبير من قبل المترجمين ودور النشر العالمية لترجمة تلك الأعمال.
اتسمت كثير من تلك الأعمال التي تبدو اجتماعية نقدية أو ذات نزعة إنسانية متجاوزة، اتسمت، بسطحية الطرح، والمبالغة في رسم التفاصيل، وركاكة البنية اللغوية. وبدا الأمر على أنها أشبه بروايات «النميمة» أو «الفضائحيات». وأنها من وجهة ما تستجيب، بالدرجة الأولى، لشروط السوق الغربية، التي مازالت تنظر إلى الواقع الاجتماعي العربي على أنه جزء من الشرق الساحر الذي تعرفت عليه أول مرة عن طريق قصص ألف ليلة وليلة المعبأة بقصص الملوك المتعجرفين والأميرات الأسيرات المحرومات، والجواري والولدان الملونين العابثين، وحكايات الخيانة والعلاقات المشبوهة والشاذة.
وبذلك لم تفلح الكثير من روايات النقد الاجتماعي العربية في التحول إلى أعمال إنسانية تقرع باب المستقبل متخلية عن إرث الماضي. بل جعلت من الواقع السيء مادة جذابة وصادمة لا تترك من أثر نفسي أو فكري في المتلقي أكثر من الإحباط والانزعاج. وعند أكثر النقاد المتحمسين لهذه الشجاعة فإنها لا تمثل أكثر من صرخة «لا» لكل ما يحدث. ولكن... ماذا بعد؟!!
تلك السطحية التي تكتب بها بعض «الروايات الشجاعة» جعلت من مناقشة قضايا التابو في الرواية استهلاكاً مستفزاً. وافتعالاً للشعارات والمضامين الاجتماعية القابعة في الخطابات الإنشائية التي قد يكون محلها الأفضل المقالات الثقافية أو الأعمدة الصحافية. إنها لم تختلف عن النهج ذاته الذي أقحمت فيه المضامين السياسية والاتجاهات الإديولوجية في الرواية العربية في الفترة ما بين ستينيات وثمانينيات القرن الماضي. حين صار يخشى على الرواية أن تتحول إلى خطاب سياسي إديولوجي يحقق أهداف الأحزاب السياسية ويهدد كيان الرواية.
ومازالت المعادلة الأدبية تحاول ضبط توازنها في هذا المجال. كيف تعبئ مضموناً سياسياً أو اجتماعياً ناقداً في هيكلية فنية عالية، دون أن تنجرف نحو الإنشائية أو السطحية أو الدعائية الفارغة؟ كيف تكتب رواية بصيغة جديدة دون أن تنزلق إلى الافتعال أو المبالغة أو المعالجة الفجة لقضية بالغة الحساسية؟