إحدى القصص التي تروى عن المرحوم غازي القصيبي أحد أبرز «عرابي الإدارة القويمة» في مجتمعاتنا العربية تقول، إنه ذات يوم وبعد توليه أحد المناصب الوزارية، زاره شخص وطلب أن يقبل دعوته للعشاء، فقام القصيبي من كرسيه وأشار إليه قائلاً: «خذ الكرسي يتعشى معك»!
وصدق فيها القصيبي جداً، بل وأصاب عين الحقيقة، فالدعوة لم تكن لشخصه، بل لمنصبه وما يحمله من اعتبارات وسلطة وقوة، ومن مطامع لدى الآخرين.
هذه نوعية من البشر أدركت حقيقة هذا «الكرسي الخطير»، وكيف أنه بسهولة يمكنه تغيير النفوس البشرية، لو «انجرفت» هذه النفوس وراء مغريات هذا الكرسي، ولو «ضعفت» أمام ما يفعله بعض البشر من تملق وتلون ومداهنة لصاحب المنصب والكرسي.
كنت بالأمس أتابع مقطع فيديو لأحد المتحدثين الملهمين الأجانب، وهو ينقل قصة لوكيل إحدى الوزارات، يتحدث فيها عن مشاركته في أحد المؤتمرات، وكيف أنه طار على درجة رجال الأعمال، وتم استقباله في المطار والقيام بجميع إجراءات الوصول، من ختم للجواز، وجلب للأمتعة، ثم ركب سيارة مخصصة له وسائق تم تفريغه لأي مشوار يريد القيام به، وطبعاً عند وصوله الفندق كان كل شيء جاهزاً، الأوراق تم إعدادها مسبقاً، وتم توصيله لباب جناحه دون أدنى عناء وتعب، وفي اليوم الثاني عند افتتاح المؤتمر، أوصلته السيارة لمدخل كبار الضيوف، واستقبله المتعهدون وأجلسوه في كرسيه بالصف الأول. ويواصل الوكيل سرد قصته، وكيف أنه بعد عام واحد، وبعد مغادرته منصبه، وحين جاء لنفس المؤتمر، كيف أنه طار على نفقته الشخصية على الدرجة السياحية، وأنهى إجراءات الوصول بنفسه، وبعدها أخذ سيارة أجرة للفندق، وبنفسه أنهى الأوراق والإجراءات، وفي اليوم الثاني أخذ سيارة أجرة للمؤتمر، وعند دخوله قام بتسجيل نفسه بنفسه، وحين أراد احتساء الشاي سأل المتعهدين عن ذلك، فأشار أحدهم لركن عند إحدى الطاولات فيه إبريق الشاي والسكر، ما يعني أن عليك خدمة نفسك بنفسك!
قبل عام واحد فقط، كان حاله مختلفاً، كان الكل يتدافع نحوه، واليوم وكأنه لا أحد، ولا يعرفه أحد. ويمضي هذا الوكيل السابق ليقول وهو يضحك: لذلك لا تظنن بأن الناس المحيطة بك، كلها تحترمك وتتودد إليك لشخصك، بل كل هذا للمنصب والكرسي، بالتالي ما يأتي من المنصب والكرسي من مظاهر وبرستيج واحترام ومزايا ومعاملة خاصة، كل هذا يبقى للمنصب، لأنك بمجرد خروجك منه تفقد كل هذه الأمور.
هذا واقع ينبغي لكل شخص إدراكه، والأهم أن يدرك ضرورة تشكيل كيانه بمعزل عن تأثير الكرسي أو «واسطته»! نعم الكرسي له واسطة قوية لمن يجلس عليه، لأن البشر ينظرون للكرسي وما يمكنهم الاستفادة منه عبر الجالس عليه.
لذلك وُصف بعض البشر الذين يجلسون على الكراسي، وينغمسون كثيراً في عيش «حالة الكرسي» بصورة تجعلهم يتخيلون أنهم جزء منه وأنهم باقون عليه للأبد، وصفوا بأنهم تلك الفئة التي حينما تفقد المنصب، فإنها تكون قريبة جداً من الموت، وإن لم يكن الموت بشكله المعروف، فإنه موت في النفس، عبر الدخول في حالات اكتئاب وصدمات نفسية، فالناس انفضوا من حوله، لكن الصحيح أنهم انفضوا من حول كرسيه، ليتجهوا للجديد الذي سيجلس عليه.
أعرف نوعيات من البشر باتت تعتبر «الكرسي» أهم جزء من أجسامهم، وحينما دار الزمن وتمت إزالتهم من الكرسي، أو أجبروا على تركه، أو اختاروا فعل ذلك، صدموا بعشرات من الناس، من كان يصبح عليهم يومياً، ويتودد لهم، ويتذلل لهم، بالكاد يلقون عليه السلام لو صادفوه في الشارع.
حينما ينتهي مفعول الكرسي، حينها ستدرك أنك صفر على الشمال، بخلاف من كان ذكياً وعمل دون أن يجعل الكرسي هوساً له، ودون أن يربط كيانه وشخصيته به، وحينما يتركه، يظل هو نفسه بمبادئه وكبريائه وعمله، يتركه وهو سعيد، وليس كمن يتركه وهو يشعر أن روحه فارقت جسده.
وصدق فيها القصيبي جداً، بل وأصاب عين الحقيقة، فالدعوة لم تكن لشخصه، بل لمنصبه وما يحمله من اعتبارات وسلطة وقوة، ومن مطامع لدى الآخرين.
هذه نوعية من البشر أدركت حقيقة هذا «الكرسي الخطير»، وكيف أنه بسهولة يمكنه تغيير النفوس البشرية، لو «انجرفت» هذه النفوس وراء مغريات هذا الكرسي، ولو «ضعفت» أمام ما يفعله بعض البشر من تملق وتلون ومداهنة لصاحب المنصب والكرسي.
كنت بالأمس أتابع مقطع فيديو لأحد المتحدثين الملهمين الأجانب، وهو ينقل قصة لوكيل إحدى الوزارات، يتحدث فيها عن مشاركته في أحد المؤتمرات، وكيف أنه طار على درجة رجال الأعمال، وتم استقباله في المطار والقيام بجميع إجراءات الوصول، من ختم للجواز، وجلب للأمتعة، ثم ركب سيارة مخصصة له وسائق تم تفريغه لأي مشوار يريد القيام به، وطبعاً عند وصوله الفندق كان كل شيء جاهزاً، الأوراق تم إعدادها مسبقاً، وتم توصيله لباب جناحه دون أدنى عناء وتعب، وفي اليوم الثاني عند افتتاح المؤتمر، أوصلته السيارة لمدخل كبار الضيوف، واستقبله المتعهدون وأجلسوه في كرسيه بالصف الأول. ويواصل الوكيل سرد قصته، وكيف أنه بعد عام واحد، وبعد مغادرته منصبه، وحين جاء لنفس المؤتمر، كيف أنه طار على نفقته الشخصية على الدرجة السياحية، وأنهى إجراءات الوصول بنفسه، وبعدها أخذ سيارة أجرة للفندق، وبنفسه أنهى الأوراق والإجراءات، وفي اليوم الثاني أخذ سيارة أجرة للمؤتمر، وعند دخوله قام بتسجيل نفسه بنفسه، وحين أراد احتساء الشاي سأل المتعهدين عن ذلك، فأشار أحدهم لركن عند إحدى الطاولات فيه إبريق الشاي والسكر، ما يعني أن عليك خدمة نفسك بنفسك!
قبل عام واحد فقط، كان حاله مختلفاً، كان الكل يتدافع نحوه، واليوم وكأنه لا أحد، ولا يعرفه أحد. ويمضي هذا الوكيل السابق ليقول وهو يضحك: لذلك لا تظنن بأن الناس المحيطة بك، كلها تحترمك وتتودد إليك لشخصك، بل كل هذا للمنصب والكرسي، بالتالي ما يأتي من المنصب والكرسي من مظاهر وبرستيج واحترام ومزايا ومعاملة خاصة، كل هذا يبقى للمنصب، لأنك بمجرد خروجك منه تفقد كل هذه الأمور.
هذا واقع ينبغي لكل شخص إدراكه، والأهم أن يدرك ضرورة تشكيل كيانه بمعزل عن تأثير الكرسي أو «واسطته»! نعم الكرسي له واسطة قوية لمن يجلس عليه، لأن البشر ينظرون للكرسي وما يمكنهم الاستفادة منه عبر الجالس عليه.
لذلك وُصف بعض البشر الذين يجلسون على الكراسي، وينغمسون كثيراً في عيش «حالة الكرسي» بصورة تجعلهم يتخيلون أنهم جزء منه وأنهم باقون عليه للأبد، وصفوا بأنهم تلك الفئة التي حينما تفقد المنصب، فإنها تكون قريبة جداً من الموت، وإن لم يكن الموت بشكله المعروف، فإنه موت في النفس، عبر الدخول في حالات اكتئاب وصدمات نفسية، فالناس انفضوا من حوله، لكن الصحيح أنهم انفضوا من حول كرسيه، ليتجهوا للجديد الذي سيجلس عليه.
أعرف نوعيات من البشر باتت تعتبر «الكرسي» أهم جزء من أجسامهم، وحينما دار الزمن وتمت إزالتهم من الكرسي، أو أجبروا على تركه، أو اختاروا فعل ذلك، صدموا بعشرات من الناس، من كان يصبح عليهم يومياً، ويتودد لهم، ويتذلل لهم، بالكاد يلقون عليه السلام لو صادفوه في الشارع.
حينما ينتهي مفعول الكرسي، حينها ستدرك أنك صفر على الشمال، بخلاف من كان ذكياً وعمل دون أن يجعل الكرسي هوساً له، ودون أن يربط كيانه وشخصيته به، وحينما يتركه، يظل هو نفسه بمبادئه وكبريائه وعمله، يتركه وهو سعيد، وليس كمن يتركه وهو يشعر أن روحه فارقت جسده.