لا أدري أأغبط جيل الطيبين أم أشفق عليهم، حيث لم يُربِّ أبناء هذا الجيل إلا «الهوز» وأدوات أخرى منافية للكرامة الإنسانية، وفي لغة ناقدة لأبناء الأجيال الحديثة -لا تخلو من حسد ممزوج بغصة- يفخر هؤلاء بما تلقته أجسادهم من آلام وما تركه بعض الضرب المبرح من آثار، مقرنين إياها بحسن أخلاقهم واستقامتهم مقارنة مع الأجيال اللاحقة. ربما يكون من المضحك أن تجد من يوافقهم الرأي ويؤكد قولهم، فالحقيقة أن ليس أبناء جيل الطيبين على مستوى من الخلق والاستقامة، ولكل زمان فساده الخاص فيه بما يتواكب مع طبيعة العصر ومعطياته، بل وبما يتناسب مع حدود ثقافته ووعيه، وإن جئنا للحق، فإن تدني الوعي لدى مربي جيل الطيبين أسهم بشكل لافت في محدودية أشكال التمرد والخروج عن السرب، وجعل من كثير من آباء الطيبين بسطاء في طريقة تفكيرهم وتعاطيهم مع الحياة، هذا إن وقفنا على أجيال الستينات والخمسينات تحديداً.

أما الطيبون فهم المنتمون لجيل السبعينات، وفي آخر ركبهم مواليد الثمانينات، ولعل مواليد الثمانينات تحديداً –الذين أنتمي إليهم– من الأجيال التي توسطت جيلين، حيث لا هم من المضروبين عن بكرة أبيهم ولا المتربين وفق الأسس النظرية التربوية بالكامل. من جهة أخرى نأتي على أبناء الطيبين الذين لم يعرفوا لغة الضرب إلا فيما ندر، وفي حالات ربما تصنف بالمعنفة جسدياً، حيث ظهرت وقتها أساليب التربية الحديثة، التي تستخدم أدوات العقاب النفسية أكثر من الجسدية باسم التربية، ولعلي لست المؤهلة للحديث في أمور التربية بما يكفي من حيث إني لم أخض تجربة حقيقية، ولكني كمراقب وملاحظ، أجد وجهة نظر في الأفضلية التي منحها الطيبون وآبائهم لنوع التربية السابقة دوناً عن التربية الحديثة، لا من حيث تأييد لغة الضرب، بل من حيث إن العقاب النفسي أسهم في خلق مشاكل كبيرة لاحقة شكلت معتقدات وأفكاراً وانطباعات لدى أبناء الجيل الحديث أفرزت الحاجة للتصحيح وإعادة بناء الأفكار من جديد، تلك الأفكار التي شكلت وعياً جمعياً لأبناء الجيل وبالتالي المجتمع. أمور كهذه تطلبت مع مرور الوقت الحاجة لإعادة التفكير في بناء الأفكار من جديد وتعديلها، وتغيير المسارات التي تفضي إليها من خلال مجموعة من البرامج التي قد نتناولها في وقت لاحق بمزيد من التفصيل.

* اختلاج النبض:

أشكال مختلفة من التربية بين الأجيال تولد عنها صراع ثقافات وغرس أفكار ومعتقدات ربما لم تكن في محلها، وإنه إذ تلزم الحاجة لتصحيحها في بعض الأحيان أو إعادة صياغتها بطرق مختلفة، من المؤمل أن يقود هذا التصحيح لرفع مستوى الوعي الإنساني والقفز بالإنجاز البشري وقبله الإدراك البشري إلى مراحل عليا من السمو الذاتي والأخلاقي والروحي الذي ينعكس بدوره على عموم المجتمع.