لفتت انتباهي عدة أخبار برلمانية في الأيام الأخيرة، معنية بمساعي بعض النواب استجواب بعض الوزراء. واللافت كان إحالة طلبات الاستجواب إلى لجنة مسماة بلجنة «الجدية» وهي لجنة معنية بفحص جدية الاستجواب!
أعود بالذاكرة لبداية العمل البرلماني في 2002، وأتذكر عديداً من اللجان الدائمة والمشتركة والمؤقتة والنوعية، وأذكر أنه من النادر حينها رصد أخبار معنية بلجنة مسماة بلجنة «الجدية»، وهو المسمى الذي بات متداولاً مؤخراً، ويوم أمس تضمنت صحفنا خبراً معنياً بإحالة استجواب مجلس النواب لوزير العمل للجنة الجدية. ولعلكم تذكرون العام الماضي توصية هذه اللجنة بإسقاط استجواب وزيرة الصحة.
بحثت في موقع مجلس النواب عن تفصيل اللجان النيابية، ولم أجد «تثبيتاً» للجنة تحت أحد التصنيفات، لكن بمواصلة البحث وجدت خبراً منشوراً في الصحف عام 2012، هذا نصه: «تركزت أغلب احتجاجات النواب على مادة جديدة باللائحة الداخلية لمجلس النواب تتضمن تشكيل لجنة نيابية لدراسة مدى جدية أي استجواب يُقدّم. وتنص مادة «145» مكرراً «1» على: عقب التحقق من توافر الشروط الشكلية في الاستجواب يعرض رئيس المجلس الاستجواب على لجنة مشكلة من رؤساء ونواب رؤساء اللجان النوعية من غير مقدمي الاستجواب لإعداد تقرير بشأن مدى جديته، وعلى اللجنة إنجاز هذا التقرير في موعد لا يجاوز سبعة أيام من تاريخ عرض الاستجواب عليها. وللجنة في سبيل التحقق من جدية الاستجواب أن تتأكد من توافر الوقائع والمستندات والأدلة المؤيدة لوجهة نظر مقدمي الاستجواب. ويعرض تقرير اللجنة على المجلس في أول جلسة تالية لإعداده». انتهى الاقتباس.
القصة هنا ليست في اللجنة، لأنني شخصياً أرى بأن دورها مهم جداً في شأن «الفصل» في أداة مهمة من الأدوات النيابية، وأعني بها «الاستجواب»، إذ برغم مطالبتنا الدائمة للنواب المنتخبين باستخدام أدواتهم الدستورية، إلا أننا نؤكد ضرورة «الاستخدام الصحيح» لهذه الأدوات، بحيث يكون الاستخدام مبنياً على أركان الاستجواب، وبعده التام عن الشخصنة والكيدية، أو انحرافه لخدمة توجهات معينة. وهذا هو الأمر الصحيح الذي يجب القيام به، فلا الاستجواب «أداة استعراض» للنواب، ولا هو «أداة إدانة» لأي وزير لا تثبت عليه مسوغات الاستجواب.
هذه لجنة أراها إيجابية جداً، أولاً لضبط التلويح أو استخدام الأداة، وتوجيهها بشكل صحيح، وثانياً لعدم فتح الباب على مصراعيه بشأن المزايدة وبشكل يومي باستخدام الاستجواب، فيما يتوجب أن يتم الاستجواب فيه أو لا يتوجب.
الآن النقطة الأكثرة أهمية، وهي معنية بـ»الاستجواب» نفسه، إذ البعض يظن بأن طلب الاستجواب والقبول بتفعيله كأداة يمثل إدانة للوزير هذا أو ذاك، وهذا فهم خاطئ تماماً، إذ طرفا المعادلة لهما حقوقهما المهنية الأصيلة، فالنواب من حقهم الاستجواب، والوزراء من حقهم الإجابة وتقديم التوضيحات والدخول في التفاصيل، تبقى النتيجة هي «الفيصل»، سواء بمرور الوزير من الاستجواب وبيان أن عمل وزارته لا يصل لمستوى طرح الثقة، أو أنها أخطاء إجرائية يمكن إصلاحها، أو وصول النواب لمرحلة يستخدمون فيها أداة «طرح الثقة».
كل ما نقوله يأتي ضمن إطار الممارسة الديمقراطية التي أرساها المشروع الإصلاحي لجلالة الملك حمد حفظه الله، وكلها أدوات متاحة لرسم عملية تعاون وتجاوب بين الغرفتين التشريعية والتنفيذية.
القوانين موجودة لتنظيم الممارسات والعمليات في المجتمع ومؤسساته، نحن البشر من يمتلك «مسار البوصلة»، إن قمنا بالعمل في اتجاه صحيح، أو حرفناه باتجاه خاطئ.
علينا أن نكون «جادين» في كل عمل يخدم هذا الوطن وأهله، كلاً منا في موقعه، وهذا واجب وطني تجاه بلد نحبه ونحرص عليه.
{{ article.visit_count }}
أعود بالذاكرة لبداية العمل البرلماني في 2002، وأتذكر عديداً من اللجان الدائمة والمشتركة والمؤقتة والنوعية، وأذكر أنه من النادر حينها رصد أخبار معنية بلجنة مسماة بلجنة «الجدية»، وهو المسمى الذي بات متداولاً مؤخراً، ويوم أمس تضمنت صحفنا خبراً معنياً بإحالة استجواب مجلس النواب لوزير العمل للجنة الجدية. ولعلكم تذكرون العام الماضي توصية هذه اللجنة بإسقاط استجواب وزيرة الصحة.
بحثت في موقع مجلس النواب عن تفصيل اللجان النيابية، ولم أجد «تثبيتاً» للجنة تحت أحد التصنيفات، لكن بمواصلة البحث وجدت خبراً منشوراً في الصحف عام 2012، هذا نصه: «تركزت أغلب احتجاجات النواب على مادة جديدة باللائحة الداخلية لمجلس النواب تتضمن تشكيل لجنة نيابية لدراسة مدى جدية أي استجواب يُقدّم. وتنص مادة «145» مكرراً «1» على: عقب التحقق من توافر الشروط الشكلية في الاستجواب يعرض رئيس المجلس الاستجواب على لجنة مشكلة من رؤساء ونواب رؤساء اللجان النوعية من غير مقدمي الاستجواب لإعداد تقرير بشأن مدى جديته، وعلى اللجنة إنجاز هذا التقرير في موعد لا يجاوز سبعة أيام من تاريخ عرض الاستجواب عليها. وللجنة في سبيل التحقق من جدية الاستجواب أن تتأكد من توافر الوقائع والمستندات والأدلة المؤيدة لوجهة نظر مقدمي الاستجواب. ويعرض تقرير اللجنة على المجلس في أول جلسة تالية لإعداده». انتهى الاقتباس.
القصة هنا ليست في اللجنة، لأنني شخصياً أرى بأن دورها مهم جداً في شأن «الفصل» في أداة مهمة من الأدوات النيابية، وأعني بها «الاستجواب»، إذ برغم مطالبتنا الدائمة للنواب المنتخبين باستخدام أدواتهم الدستورية، إلا أننا نؤكد ضرورة «الاستخدام الصحيح» لهذه الأدوات، بحيث يكون الاستخدام مبنياً على أركان الاستجواب، وبعده التام عن الشخصنة والكيدية، أو انحرافه لخدمة توجهات معينة. وهذا هو الأمر الصحيح الذي يجب القيام به، فلا الاستجواب «أداة استعراض» للنواب، ولا هو «أداة إدانة» لأي وزير لا تثبت عليه مسوغات الاستجواب.
هذه لجنة أراها إيجابية جداً، أولاً لضبط التلويح أو استخدام الأداة، وتوجيهها بشكل صحيح، وثانياً لعدم فتح الباب على مصراعيه بشأن المزايدة وبشكل يومي باستخدام الاستجواب، فيما يتوجب أن يتم الاستجواب فيه أو لا يتوجب.
الآن النقطة الأكثرة أهمية، وهي معنية بـ»الاستجواب» نفسه، إذ البعض يظن بأن طلب الاستجواب والقبول بتفعيله كأداة يمثل إدانة للوزير هذا أو ذاك، وهذا فهم خاطئ تماماً، إذ طرفا المعادلة لهما حقوقهما المهنية الأصيلة، فالنواب من حقهم الاستجواب، والوزراء من حقهم الإجابة وتقديم التوضيحات والدخول في التفاصيل، تبقى النتيجة هي «الفيصل»، سواء بمرور الوزير من الاستجواب وبيان أن عمل وزارته لا يصل لمستوى طرح الثقة، أو أنها أخطاء إجرائية يمكن إصلاحها، أو وصول النواب لمرحلة يستخدمون فيها أداة «طرح الثقة».
كل ما نقوله يأتي ضمن إطار الممارسة الديمقراطية التي أرساها المشروع الإصلاحي لجلالة الملك حمد حفظه الله، وكلها أدوات متاحة لرسم عملية تعاون وتجاوب بين الغرفتين التشريعية والتنفيذية.
القوانين موجودة لتنظيم الممارسات والعمليات في المجتمع ومؤسساته، نحن البشر من يمتلك «مسار البوصلة»، إن قمنا بالعمل في اتجاه صحيح، أو حرفناه باتجاه خاطئ.
علينا أن نكون «جادين» في كل عمل يخدم هذا الوطن وأهله، كلاً منا في موقعه، وهذا واجب وطني تجاه بلد نحبه ونحرص عليه.